الإسلاميون في السلطة.. مظاهر السلوك أم الأداء السياسي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إذا كان الربيع العربي بمنظومته وتركيبته السياسية قد أفضت عبر احتكام الشعوب المنتفضة إلى صناديق الاقتراع إلى وصول الإسلاميين وعلى رأسهم الأحزاب الممثلة لجماعة الإخوان المسلمين، إلى السلطة، فإن الرهان القائم حالياً يكمن في نجاح تلك الأحزاب في تجسيد برامجها السياسية وتمثيل طموحات جماهيرها الجارفة، دون أن ننسى اهمية اعتراف وإقرار بقية الشرائح والتيارات والأحزاب السياسية في العالم العربي بأهمية نتائج الانتخابات الأخيرة الدائرة في أكثر من موضع، وضرورة توفير الأجواء السياسية الملائمة للخروج بالبلدان من عنق الزجاجة الحالي.
منظمة العفو الدولية كشفت في تقريرها الأخير أن معظم حكومات الشرق الاوسط لا تعترف بأهمية الربيع العربي، وترد على ذلك بالقمع أو بمجرد إجراء تغيير شكلي. وأضافت المنظمة في تقريرها "عام التمرد.. حالة حقوق الانسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" إن حركات الإصلاح لم تظهر أي علامة على الوهن، على الرغم من عمليات القتل في الشوارع والاعتقالات التي حدثت في العام الماضي.
لكن المحاولات المستمرة من جانب الحكومات لتقديم تغييرات شكلية لاحتواء المكاسب التي حققها المحتجون، أو ببساطة لمعاملة شعوبها بوحشية لإخضاعها، تكشف حقيقة أن بقاء النظام ما يزال هدف كثير من الحكومات، بحسب المنظمة الدولية.
المشكلة في الواقع العربي الذي لم يهنأ حتى الآن بربيعه السياسي، أن الحكومات الغربية، وبتحريض إسرائيلي لم يعد خافياً، بدأت تتشكك في جدوى ومآلات الربيع العربي، مع وصول عدد من التيارات السياسية إلى السلطة، كما في تونس ومصر والمغرب، إذ أكد وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير، ونظيره الأسباني السابق ميجيل أنخيل موراتينوس، أنهما يعتبران تصاعد قوة "الإسلام السياسي" هو أسوأ نتيجة للثورات العربية، لكنهما أشارا إلى وجود أمل في التوصل إلى تحقيق السلام بين "إسرائيل" وفلسطين. ووفقًا لموقع إيديال الإسباني شارك ميجيل أنخيل موراتينوس وبيرناند كوشنير في ندوة بعنوان "زمن التغيرات في منطقة البحر المتوسط" التي تم النقاش فيها حول "الربيع العربي و"إسرائيل"". وضمت المحاضرة العديد من الدبلوماسيين والخبراء من بينهم سفراء كل من مصر و"إسرائيل" في إسبانيا، كما ضم السفير المتخصص بشئون المنطقة العربية خوان خوسيه اسكوبار.
موراتينوس بدا متشائماً مما يحدث وعبر عن ذلك بقوله: "الولايات المتحدة الأمريكية تركت مبارك يسقط، ونست "إسرائيل" التي أصبحت الآن معزولة، خاصة بعد عدم دعم تركيا لها، وأرفض دور الاتحاد الأوروبي خلال الربيع العربي؛ وذلك لعدم وجود إرادة وتفاهم إزاء عمق التغييرات التي نشأت في عدة بلدان في شمال أفريقيا". وحول الربيع العربي، أضاف الدبلوماسي الاسباني السابق: "هذا الحدث أكثر أهمية وله آثار كبيرة ومؤثرة على التكوين الجديد لخريطة العالم في القرن الـ 21، وهذه التغيرات ستؤدي إلى "واقع مختلف تمامًا" على التيارات السياسية في تلك البلدان، والاتحاد الأوروبي لم يتخذ تلك التغييرات على محمل الجد". وأردف: "تلك التغييرات التي أسفر عنها الربيع العربي تمثل فرصة ديناميكية للحصول على اتفاق للسلام وحل للصراع القائم بين "إسرائيل" وفلسطين الذي لم يتم التوصل إليه حتى الآن بسبب عدم وجود إرادة سياسية".
الإسلاميون بعد أن اقتربوا من كراسي السلطة والحكم في مصر، إثر الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتمكنهم من الأمور في كل من تونس والمغرب، اختلفت ردات فعلهم إزاء الوضع الجديد، ففيما لم تحول إسلاميي المغرب عن مبادئ حزبهم في التواضع والاقتراب شعبياً وجماهيرياً من نبض الشارع، اختلف الموقف في تونس مع تماثل بعض مواقف حزب النهضة مع مواقف النظام البائد!
مسؤولون بمنظمة العفو الدولية حذروا في بيان لهم من أن تعيين رئيس وزراء تونس حمادي الجبالي لرؤساء تحرير في التلفزيون الرسمي، يعتبر مؤشراً خطيراً لانتهاك حرية التعبير في البلاد، وسط احتجاجات واسعة للصحفيين بعد نحو عام من الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي. بيان لرئاسة الحكومة كان قد أعلن أنه تم تعيين مسؤولين في وسائل إعلام عمومية، من بينها رؤساء تحرير في نشرة الأخبار بالتلفزيون الحكومي، مما أثار غضب مئات الصحفيين الذين تجمعوا أمام مكتب رئيس الوزراء للاحتجاج على هذه الخطوة مطالبين بالتراجع عنها، دون أن تنفع معها تصريحات المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بأن التعيينات "وقتية" وأنه سينتهي مفعولها بمجرد إجراء انتخابات للصحفيين.
بالمقابل، أحدثت سلوكيات وزراء حزب "العدالة والتنمية" ذي التوجه الإسلامي، الذي يقود الحكومة الجديدة في المغرب، نوعاً من "الانقلاب" في الصورة النمطية التي تكرست في ذهن المغاربة عن منصب الوزير، حيث التزم بعض وزراء الحزب "الإسلامي" بقرارات ساهمت في كسب تعاطف العديد من الناس، من قبيل عدم استعمال السيارات الرسمية في قضاء مصالحهم الشخصية والعائلية، أو عدم تغيير مساكنهم المتواضعة، أو استعمال القطار في التنقلات السريعة، وكان رئيس الحكومة، عبدالإله بن كيران، القدوة الأولى لوزرائه، فحينما حضر متأخراً لأداء صلاة الاستسقاء في المسجد، لم يتقدم الصفوف، وللمرة الأولى يختار رئيس الحكومة الصلاة في الصف الخلفي للمسجد، ما اعتبره مراقبون مؤشراً إلى أن المسؤول المغربي الجديد سيكون مختلفاً في إدارة الملفات العامة، فيما لم تقنع حيث التصرفات بعض محللي قوى المعارضة، فرأوا فيها مجرد مظاهر لاستمالة الرأي العام دون حصول تغيير حقيقي في المنظومة السياسية المغربية، إلا أن مجرد تغيير المظاهر ونمط السلوك، من وجهة نظرنا، قد يشي بحصول تغيير حقيقي، وإن لم يكن في القريب العاجل.
... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com