أصداء

عام على رفض الاستبداد.. سؤال الإقصاء ومآلات التعدد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد عام على توالي ثورات ما بات يُعرف بالربيع العربي وعند استعراض بانوراما الثقافة السياسية خلال الأشهر المنصرمة نجد ان أسس الخطاب السياسي العربي "الرسمي" لا زالت في معظمها على حالها ولا زالت بعيدة كل البعد عن تطلعات الشعوب، وإذا كان من غير الممكن قلب المفاهيم واحداث ثورة فعلية على مستوى الوعي بين ليلة وضحاها فإنه من غير المقبول خلع "رموز الأنظمة " والبقاء على المضامين التأسيسية للبلطجة السياسية.

وبعد امتداد نصف قرن من استحواذ فكر "التخوين" على الخطاب السياسي والثقافي منحت "السلطة" من خلاله نفسها حق محاكمة "الآخر" ونفيه وتشريده، فإن مضامين البنية الاقصائية للخطاب لازالت قائمة ولو بشكل جزئي بعد الثورات حيث يجد من هو في موقع "القرار" المسوغات لمحاكمة من هو في الموقع "الآخر" بحج متنوعة وذرائع مختلفة.
فهل هي النتائج التي نريد ؟ تبديل في الوجوه دون احداث تغيير حقيقي في بنية الوعي وترجمة عملية تستوعب قبول الآخر بديموقراطية بالغة دون ضغينة ؟ وهل ستفترس الثورة ديموقراطيتها باقصاء القوى الاقل حظا في الوصول الى البرلمانات الجديدة ؟

دول ما بعد الثورات ليست على ما يرام وأمامها استحقاقات حاسمة وأهمها ارساء التعددية ورفع المعاناة الاقتصادية؛ والبدء من تونس الخضراء وثورة الياسمين فعلى الرغم من انها الثورة الأكثر نجاحا وأقل دموية وأكثر علمانية فإن الثورة فقدت كثيرا من عبيرها حيث طرحت مشكلة الليبرالية وأهمية التعددية السياسية وعلاقة الديني بالسياسي.
أما في مصر فإن فوز الاسلاميين في الانتخابات(46% للاخوان المسلمين و 23 % للسلفيين) يجعل أمورا كثيرة على المحك، فعلى الرغم من أهمية احترام خيار الكثرة الكاثرة ألا ان هناك قلقًا متزايدًا لدى بعض الليبراليين والعلمانيين الذين يخشون من توجهات لقوانيين متشددة ممكن ان تتولد فيما بعد. لذلك يصبح مطلب التعددية السياسية والديموقراطية النسبية أمرا حاسمًا مع أهمية مراعاة حقوق الحريات الفردية والحفاظ على المكتسبات العلمانية.

أما الوضع الليبي الذي لم يتغيير الا بفعل العمل العسكري المباشر، فإن السلاح القاتل لا زال منتشرا بين أيدي الناس مما يجعل الوضع الأمني بحالة حرجة، والخوف كل الخوف من الدخول في نفق دامٍ في ظل رفض بعض الفصائل تسليم سلاحها.

أما اليمن فإن العلاقة بين السلطة ومعارضتها تشهد أكبر قدر من "المراوغة " والتحايل وتمييع المواقف في ظل تشابك محموم بين الأوراق المطروحة بين حوثيين وقاعدة وقبائل وغيره، مع تسويف غير مبرر لكل ما من شأنه ان يؤدي الى انتقال حقيقي للسلطة ولعل آخره التلويح بتأجيل الانتخابات المزمع اجراءها الشهر القادم مما قضى على أحلام كثيريين.

أما دموية المشهد السوري فيندى له جبين الانسانية، فالثورة لم تتمكن من الحفاظ على سلميتها مما ينذر بحرب أهلية يخسر فيها الجميع ويستنزف بلد طالما لوح نظامه "بالممانعة" وجعل من المقاومة " حجة لبقائه وهو لن يتورع عن سوق كل البراهين لشعبه على فشل الثورات العربية الأخرى، و وضعهم امام خيارين أحلاهما مرّ زؤام أما الحرب الدامية اما السكوت عن الاستبداد. ولا زالت "نظرية المؤامرة" هي عنوان كل عمل و السد المنيع في وجه كل تغيير فالانوية السلطوية بحالة استنفار لمواجهة أعداء مفترضين على الدوام.
ان معظم "الانظمة" الآيلة للسقوط تنظر الى مواطنيها المعارضون لها، على أنَّهم فئة خارجة عن القانون والنظام، و يجب تأديبهم، فيما هي استمدت سلطتها من انتخابات"شكلية" بنتائج "خيالية"، تحت أنظمة طوارئ الدائمة، هذه النُّظُم السياسية تُعاقب شعوبَها وتقمعها كثيرًا وتهينها، و تعمل على ان تَحُول بين الشعوب وبين النضج والوعي وتُبقيها في طور الطفولة الحضارية.

على أية حال فإن التخوفات مما ستؤول إليه الحال بعد الثورات من حكومات ودساتير يبقى أقل سوءًا من البقاء في ثلاجة أنظمة احترفت الخداع والقتل المنظم، وان الشعوب التي لم تعد تقبل في المساومة على حريتها وتجد في أي حال مخالف لحالها أقل وطئًا مما هي عليه الآن.
وان صح وصف لهذا العام فإنه عام رفض "تكنولوجيا السلطة الرعوية" وآليتها حيث يطغى "مفهوم الراعي والقطيع"، فيما تعتمد السلطة على علاقة فردية لا علاقة قانونية، وفي وقت ويتحول الخطاب الإيديولوجي الى راية حرب، وتكون العلاقة بين المُخَاطِب والمُخَاطَب علاقة أمر ونهي والجواب الوحيد المقبول هو الامتثال والقبول، في ظل انتشار للعنف الذي يظهر في كافة اشكال "البلطجة"hellip;

أخيرا لعل ما يرجوه كل حرّ هو ان لا تكون الحكومات اللاحقة شبيهة بسابقاتها وان يكون التغيير قد تحقق فعلا برفض كل بلطجة وادانة كل قمع في ظل قبول التعددية السياسية بحيث لا ينتج تفرد حزب واحد وسيطرة فكر أوحد ولو حقق نجحا ساحقا في الانتخابات البرلمانية، ولعل القيم الانسانية تحتم ارساء التسامح والتعددية في كل مستويات المجتمع المدني و يكون المواطن فرد له حقوق محترمة، وتكون تربية الفرد فيه قائمة على حريّة الاختيار وعملية صنع القرار.
ومن حق الشعوب ان تحلم كما حلم حكيم الهند " طاغور" من قبل حين قال :
"حيث العقل لا يخاف، والرأس مرفوع عال
وحيث المعرفة حرّة
وحيث العالم لم يمزّق التعصب جدرانه
وحيث تخرج الكلمات من أعماق الحقيقة
وحيث الكفاح المستمرّ يمدّ ذراعيه نحو الكمال
وحيث لا يفقد جدول العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة
وحيث يقود العقل نحو ساحات أفسح من الفكر والعمل
تحت سماء الحريّة تلك.... يا إلهي... أيقظ وطني"

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف