فضاء الرأي

بروفيسور يامانكا وجائزة نوبل للطب

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

كتبت صحيفة اليابان تايمز في صفحتها الأولى في التاسع من شهر أوكتوبر لعام 2012: "حصل بروفيسور جامعة كيوتو الياباني، شنيا يماناكا (50)، وبروفيسور جامعة كامبريدج البريطاني، جون جودون (79)على جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا لعام 2012، لاكتشافهما بأن الخلايا الكهلة يمكن برمجتها لتتحول إلى خلايا جنينية. وقد علق مجلس جائزة نوبل بمركز كارولنسكا بالعاصمة ستكوهولم بأن "أبحاث يماناكا وجوردون في الخلايا الجذعية قد خلقت ثورة في فهمنا لكيفية تطور خلايا وأعضاء الجسم." فقد طورا طريقة لبرمجة نواة الخلية الكهلة لترجع لأصلها كخلية جنينية جذعية، ويمكن بعدها أن تتحول إلى أي نوع من خلايا الجسم الكهلة التي قد يحتاجها المريض في علاجه."
لقد تحدى جون جوردون قبل اربعة عقود من الزمن نظرية أن الخلايا الكهلة المتميزة لا يمكنها أن ترجع لأصلها الجنيني. بينما أكتشف شنيا ياماناكا بعد أربعين عاما، أي في عام 2006، كيفية برمجة الخلايا الكهلة في الفئران لتتحول إلى خلايا جنينية جذعية." فقد نجح البروفيسور ياماناكا، البالغ الخمسين من عمره، في عام 2006، من تحويل خلايا الجلد إلى خلايا جنينية جذعية. بينما أثبتت أبحاث جون جوردون، البالغ من العمر التسعة والسبعين، قبل أربعة عقود بأن الخلايا الكهلة تحافظ على ذاكرتها الجنينية، كالخلايا العصبية المسئولة عن شبكة التواصل العصبية استطاعت المحافظة على صفاتها في الامتصاص كخلايا الامعاء. وسيتناصف البروفيسور ياماناكا مع البروفيسور جورن الجائزة التي تصل قيمتها إلى 1.2 مليون دولار أمريكي.
وقد ولد بروفيسور شنيا ياماناكا في عام 1962، حينما كانت اليابان تتميز بعقد من الازدهار الصناعي، وكان الابن الوحيد لصاحب مصنع ينتج قطع غيار لمكينات الخياطة، وبالرغم من الانفجار الصناعي في تلك الفترة باليابان، أصر والده بالا يستمر في الصناعة العائلية، بل عليه اختيار طريق اخر لمستقبله. فدرس ياماناكا الطب ليصبح جراح للتجميل في عام 1987، بعد تخرجه من جامعة كوبيه، وبعدها قرر التركيز على الابحاث الطبية في جامعة كيوتو بعد وجد الكثير من مرضاه يعانون من أمراض مستعصية على العلاج. وفي عام 2010 حصل على جائزة كيوتو في الطب، بينما فاز هذه السنة على جائزة نوبل في الطب، لأبحاثه المتعلقة ببرمجة الخلايا الكهلة لتحولها إلى خلايا جنينية جذعية، وتطرح أبحاث هذا البروفيسور الياباني الأسئلة التالية للقارئ العزيز: هل من الممكن أن يحول العلم الشيخ المسن إلى جنين؟ أم هل ممكن تحويل خلية مسنة متميزة إلى خلية جنينية؟ أم هل ممكن أخد خلية كهلة من سطح الجلد وتحويلها إلى خلية جنينية، ثم تغيرها إلى خلية عصبية لمعالجة الشلل، أو خلية كبدية لمعالجة الهبوط الكبدي، أو خلية عضلة القلب لمعالجة تلف الجلطة القلبية، أو خلية تفرز الإنسولين لمعالجة مرض السكر؟ وهل ممكن أن تحول خلايا الجلد في المرأة إلى بويضات للحمل بعد سن اليأس؟ فما هو سر اكتشاف البروفيسور ياماناكا أصلا؟
لقد حصل الروفيسور ياماناكا على جائزة كيوتو اليابانية في عام 2010، وقد بهر العالم بأبحاثه الطبية ليتوقع الجميع في ذلك الوقت بحصوله على جائزة نوبل للطب، ولم يمضي عامين وإذا به يحقق ما توقعه الجميع. ليسمح لي القارئ العزيز بمقدمة عن مؤسسة جائزة كيوتو، التي دعمت أبحاث البروفيسور ياماناكا، ليحقق حلمه في الحصول على جائزة نوبل، كما ساعدت علماء يابانيين كثيرين لتحقيق احلامهم العلمية. وهنا قد يتوضح دور رجال الأعمال في مسئولياتهم الوطنية نحو بلدهم ومجتمعهم في التعليم والأبحاث العلمية. فقد أسس جائزة كيوتو السيد كوزو اناموري، الذي درس العلوم الكيماوية بجامعة كاجوشيما اليابانية، وتخرج منها في عام 1955، ليؤسس وهو في السابعة والعشرين من عمره شركة كيوسيرا (1959) المتخصصة في الطاقة المتجددة، لتصبح اليوم إمبراطورية تكنولوجية عالمية، توظف 66 ألف شخص، وتقدر مبيعاتها السنوية بمليارات الدولارات. ويشرح اناموري أسباب تأسيس هذه الجائزة بقوله: "السبب الأول لتأسيس هذه الجائزة هو واجبنا كبشر لخدمة الإنسانية، فأمنيتي أن أرد الجميل لمجتمع العولمة، الذي ساندني ورعاني، والسبب الثاني، هو حبي لرد الاعتبار للباحثين في مختبراتهم، وعلى الأقل، علي أن أكرم الذين شاركوا في خدمة البشرية، باكتشافاتهم السامية في العلوم والحضارة والروحانية، لكي أشجعهم مع باقي العلماء، ليستمروا في إبداعاتهم، ولنطمئن على مستقبل البشرية بتوازن التطور العلمي مع العمق الروحاني."
وقد لفت نظري التواضع الذي برز في محاضرة البروفيسور يماناكا، حينما شرح في خطاب قبوله لجائزة كيوتو في عام 2010 عن تجربته الحياتية وإنجازه العلمي فقال: ولدت في مدينة أوساكا، في عام 1962، وكان والدي يملك مصنعا لأجهزة الخياطة، وصارحني بعد تخرجي من الثانوية بأني لن أصلح لإدارة مصنعه، فدرست الطب، وتخصصت في جراحة العظام، وبعد أن قضيت عامين في التدريب، غيرت حادثة صغيرة مجرى حياتي. فقد طلب مني صديق أن أجري له عملية صغيرة، لا تستغرق عادة أكثر من ربع ساعة، ولسوء حظي، أخذت مني أكثر من ساعة كاملة، وبعد أن اعتذرت لصديقي، قررت أن أترك عالم الطب البشري، وانتقلت لأبحاث التجارب الطبية في الحيوانات لمساعدة المرضى المصابين بأمراض لا علاجه لها حتى الان. وبعد أن أنهيت الدكتوراه في العلوم الصيدلانية، تقدمت بعدة طلبات للدراسة بمراكز للأبحاث في الولايات المتحدة، ومع الأسف رفضت جميع طلباتي، وبعد أن فقدت الأمل في قبولي، أتصل بي بروفيسور من مركز الأبحاث الأمريكي، جلادستون، وأجرى معي مقابلة تلفونية، وقرر ضمي لفريق أبحاثه.
ويستطرد البروفيسور ياماناكا في شرح تجربته الحياتية للشباب الياباني بالقول: سافرت للولايات المتحدة، وبعد أن أنهيت أربع سنوات في الأبحاث العلمية على الخلايا الجذعية، رجعت للعمل بجامعة نارا اليابانية، فأصبت بما يسمى "بإحباط ما بعد أمريكا." فقد كنت وحيدا في قسمي، وبإمكانيات بحثية متواضعة للخلايا الجذعية، فتذكرت الحكمة الأمريكية التي رجعت بها لليابان: "العمل الشاق والرؤية الحالمة." فقررت منذ ذلك اليوم، أن أعمل بجهد شاق، لتحقيق حلمي، بتحويل خلايا الجلد إلى خلايا جنينية جذعية. وكان أملي أن أحل مشكلة الحوارات الأخلاقية حول خلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة، والتي عطلت تطورها، لأفتح المجال لتطوير تكنولوجية زراعة الخلايا لعلاج الأمراض المستعصية. فتقدمت بدعم مالي لأبحاثي من مؤسسة جائزة كيوتو، وبعد الموافقة استطعت أن أعين ثلاثة باحثين معي في القسم. وقد تحول هذا القسم الصغير خلال خمسة أعوام إلى مركز كبير لأبحاث الخلايا الجذعية اليابانية، وبه اليوم أكثر من مائتي باحث. ومع أن هناك آلاف العلماء يعملون ليل نهار، لحل لغز الخلايا الجذعية، ولكن كان الحظ من نصيبي، لكي أحصل على هذه الجائزة، وتبقى الحقيقة، بأن هذه الجائزة هي حق لجميع الباحثين الذين قضوا حياتهم في كشف أسرار هذه الخلايا.
لقد كان حلم البروفيسور يماناكا أن يحول خلايا الجلد المسنة إلى خلايا جنينية، وكأنه يحاول أن يرجع الشيخ المسن إلى جنين، فهل تمكن في تحقيق حلمه؟ للإجابة على هذا السؤال نحتاج لمقدمة علمية مبسطة. فمن المعروف بأن الجنين البشري يتكون من اندماج نصف خلية ذكرية تسمى بالحيوان المنوي، والتي تحتوي على 22 مورثة جسمية، ومورثة Y الذكرية أو مورثة X الأنثوية، مع نصف خلية مؤنثة تسمى بالبويضة، والتي تحتوي على 22 مورثة جسمية، ومورثة X الأنثوية، ليتكون من هذا الاندماج خلية جنينية كاملة. وتتميز هذه الخلية الجنينية بإمكانية انقسامها إلى 200 نوع من الخلايا البشرية، من خلايا القلب والمخ وحتى خلايا الدم والعظام، ولتتكاثر إلى ستين تريليون خلية، لتكون الجسم البشري بأطرافه الأربعة، والقفص الصدري، بمحتوياته من القلب والرئة والشرايين، والبطن بما يحتويه من الأمعاء والكبد والكلية والبنكرياس. ولنتذكر بأن الخلية هي مصنع بيولوجي، ينتج ما يحتاجه الجسم من طاقة ومواد كيماوية مهمة لبقائه وتجدد خلاياه، وتقع في مركزه المورثات، وفي محيطه مصانع الخلية. وتحتوي المورثات على برامج تشغيلية تسيطر على مصانع الخلية، وتسمى بالجينات، وتحتوي خلايا الإنسان على خمسة مليار برنامج تشغيل جيني.
وقد أعتقد البروفيسور ياماناكا بأن سر تغير الخلايا يقع في البرامج التشغيلية للجينات، وفعلا استطاع أن يكتشف أربعة برامج جينية مسئولة عن تحول خلايا الجلد إلى خلايا جنينية جذعية. وحينما أضيفت هذه الجينات الأربعة إلى الخلية الجلدية تحولت إلى خلية جذعية جنينية، كما تمكن فريقه أن يحول هذه الخلايا الجذعية إلى مختلف أنواع الخلايا من القلب والكبد وحتى الخلايا العصبية والعضلية. وبينت تجارب فريقه في الحيوانات بأنه من الممكن معالجة الشلل العصبي بزرع هذه الخلايا الجنينية الجذعية في النخاع الشوكي، ومعالجة مرض السكري بزرعها في غدة البنكرياس. وستكون التطبيقات العملية المستقبلية لهذا الاكتشاف مذهلة، فمثلا إذا أصيب مريض بتلف أحد أعضاء جسمه من القلب والأعصاب إلى الكبد والكلية والبنكرياس، فيمكن أخذ عينة من سطح جلده، وتحويلها لخلايا جذعية، ثم زرعها لتتكاثر في العضو التالف أو في دمه لتشفيه. كما ستساعد هذه الخلايا على معرفة آلية الكثير من الأمراض المستعصية، وإنتاج أدوية جديدة لمعالجتها، وتطوير فحوصات جديدة لتشخيصها، واكتشاف تأثير الأدوية على المريض نفسه، بدل الاعتماد على الخبرات السابقة للمرض الآخرين فقط. ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
سفير البحرين
سالم مصطفى -

هكذا يكون السفراء وإلا فلا فائدة منهم ، للمرة الالف نشكر سعادة السفير، والحقيقة دولة البحرين لم تأخذ حقها الاعلامي الحقيقي ففيها من الخبرات والكفاءات الكثير ، ربنا يحفظها

سفير البحرين
سالم مصطفى -

هكذا يكون السفراء وإلا فلا فائدة منهم ، للمرة الالف نشكر سعادة السفير، والحقيقة دولة البحرين لم تأخذ حقها الاعلامي الحقيقي ففيها من الخبرات والكفاءات الكثير ، ربنا يحفظها

لحب والعطاء قمة الانسانية
لارا -

السبب الأول لتأسيس هذه الجائزة هو واجبنا كبشر لخدمة الإنسانية!!) والذي سيفتح ابواباً من المعرفة في الطب لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية وتخفيف معاناة المرضى، يالله ما أعظم ان تفكر وتعمل لخدمة الإنسانية ،هذا هو الحب الحقيقي وهو ان نحب نحن البشر بعضنا البعض في هذا العالم كله بالعطاء وتخفيف آلام الناس، بدون تمييز ديني او عرقي او طائفي اوعنصري او جنسي . شكراً لهذا العالم الإنساني الكبير بعلمه وتواضعه وحبه للبشرية، ويا ليتنا نحن نتعلم معنى الحب الحفيفي لبني البشر، من خلال العطاء مع الحب بدون تمييز اياً كان، عندها فقط نستطيع ان نكون بني آدميين انسانيين بضمائر حية. والف شكر وقبله على جبين هذا الطبيب والباحث الإنساني ولكافة زملائه في اليابان والعالم .وشكراً لكاتب المقال الكريم ولإيلاف.

لحب والعطاء قمة الانسانية
لارا -

السبب الأول لتأسيس هذه الجائزة هو واجبنا كبشر لخدمة الإنسانية!!) والذي سيفتح ابواباً من المعرفة في الطب لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية وتخفيف معاناة المرضى، يالله ما أعظم ان تفكر وتعمل لخدمة الإنسانية ،هذا هو الحب الحقيقي وهو ان نحب نحن البشر بعضنا البعض في هذا العالم كله بالعطاء وتخفيف آلام الناس، بدون تمييز ديني او عرقي او طائفي اوعنصري او جنسي . شكراً لهذا العالم الإنساني الكبير بعلمه وتواضعه وحبه للبشرية، ويا ليتنا نحن نتعلم معنى الحب الحفيفي لبني البشر، من خلال العطاء مع الحب بدون تمييز اياً كان، عندها فقط نستطيع ان نكون بني آدميين انسانيين بضمائر حية. والف شكر وقبله على جبين هذا الطبيب والباحث الإنساني ولكافة زملائه في اليابان والعالم .وشكراً لكاتب المقال الكريم ولإيلاف.

شكرا
salman romi -

تحية وتقدير لهذا العالم المبدع وشكرا لكاتب المقال الدكتور خليلسلمان الرومي كندا

شكرا
salman romi -

تحية وتقدير لهذا العالم المبدع وشكرا لكاتب المقال الدكتور خليلسلمان الرومي كندا