أصداء

البطة العرجاء.. قصة السّياسة في تونس

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يوصف السّياسي في الثقافة الانقلوسكسونية - الأمريكية بصفة البط و العرج حين يكون غير قادر على تجسيم مشاريعه لالتفات الجميع إلى المواعيد الانتخابية فقط , غير أننا نجد

الأمر يتدرج في تونس إلى عرج دائم لا طارئ. فعل يشبه العاهة المستديمة , لان ما يحصل من توجب ثوري, كان أكثر من طاقة الجسم السّياسي التونسي ككل. و أكثر من

طاقة الاستيعاب الفكري و الإيديولوجي و الحركي له , كما أن تراص المواعيد و الفترة المرجحة لذلك بدت منذ البداية غير موضوعية, بل فائقة التفاؤل و التنميط - سنة واحدة يا

للهول - خاصة و أنّ الثورة التونسية غيرت الأمور بصفة واضحة عبر هَرْيِ مجال السّلطة و الدّولة بصفة جلية, و تحويلها فقط إلى بيروقراطية إدارية تعالج الأمور بصفة

الآلة.....انها البطة العرجاء نفسر في تونس عرج البطة بأنها ذات مرة بدلت خطوتها فنسيت مشيتها الأولى. و لم تستطع استرجاعها , هذه النكتة الشعبية تجد الكثير من " معقوليتها " و رجاحتها في توصيف ما آلت إليه الأمور من خطوات مضطربة للسّلطة القائمة كما المعارضة , فكلاهما يمارسان الخطاب و نقيضه. و كلاهما فقد مرجعيته الأولى بدعوى التجريب و

التطور و المعقولية و توجب الواقع و النُواس بين التكتيكي و الاستراتيجي. وكلاهمااستجاب بلا مقاومة إلى إغراءات زمن العلامات و الوسائط الجديدة. و إلى أنوار السلطة

الخلاّبة. مما افقده القدرة على الفعل الايجابي و المحسوس في الواقع. ينسحب الأمر هنا على كل الطيف الحزبي التونسي المتمترس في مقولات اليمين و اليسار و المنازل المعلقة.

و الغريب أن كم العلامات و المصطلحات و آليات التفسير المتواجدة في أدبيات الأحزاب ما زالت هي أساس التجميع و التأطير المُمنهج رغم اختلافه عن تقريرات الواقع و هو

فصام فكري لا يمكن إلا أن ينتج فصاما عن تطور المجتمع.

فتشكّل الطبقة السّياسية الجديدة في تونس و تشاكله مع الواقع الثوري الجديد مازال في بداياته, تبدو الطريق طويلة لتطوره حتى أمام الأطياف القديمة له, فحتى تلك التي

صاحبت تطور مفهوم الدّولة أصبحت بعد أشتاتا. لم تدرك أنها فقدت تمثيليتها في إطار التنظيم الجماعي, و أنّ اغلب إشاراتها أصبحت ذات صبغة فردية. اعني أن امتلاءها

بالتواريخ الشّخصية للنضال و العمل السياسي, هو الذي يحدد حتى الآن وجودها كشخصيات سياسية فقط, و أنها لم تستطع حتى أن تكتسب شرعيتها الشعبية. كما أن اغلب الأحزاب المعروفة مازالت تستعمل مبدأ الكاريزما القيادية الموروثة عن التجمع والإرث البورقيبي بمعنى دوران الفلك الحزبي على مدارات قياداته لا مؤسساته.الإسلاميون مثلا لم يستطيعوا التجمع خارج الشخصيات, و تركز مدى فعلهم على الولاء للأمير في صيغته البسيطة و البدائية ؛ وهو ما سينعكس على وجودهم جسما سياسيا موحدا و على قدرتهم على القراءة مستقبلا و تواطؤهم بمعنى المقرر في علم الاجتماع مع الواقع كما ينسحب الأمر على أطياف اليسار التي تداخلت مع عبر تاريخها مع العمل النقابي والجمعياتي و مارست فيه وجودها. و لم تستطع أن تختار خاصة الأطياف الراديكالية منهاو الصغيرة أن تفعل كما في ديارها الأولى العمل الأهلي و الضغط لمجتمعي. بل أرادت إردافه بالتشكل السّياسي رغم إدراكها أنها لن تضيف كثيرا بل تهدد وجودها في معارك الانتخاب. كما أن توحدّها سيكون صعب السّيطرة في خضم توزعها بحسب الشخصيات.

أمّا القوى التي تتخذ من الوسط مكانا فإنّها على ما يبدو لن تكون بعيدة عن ضياع الخطوة, لأنها تتمسك فقط بمقولات الوسطية و المدنية دون إضافات جادة إلى مكنون الدولة و مفهومها و عدم امتلاكها الخبرة الكافية لرفع تحدي المخاض العسير. كما أن اضطرارها للولاءات و التحالفات, لن يمكنها إلا من أماكن الظل في السياسة و لعلها قادرة الآن فقط على استغلال اضطراب الواقع السياسي و ضعف الأداء السّياسي للجميع.

حسنا..... لقد حصلت الثورة خارج السّياسة. ثم حلّلتها و شرحتها السّياسة ووجدت أنها هي التي صنعتها. هكذا حصل الأمر...نعم بهذه البساطة و بكل هذه السّخرية المرّة. لا تريد هذه الملحوظة أن تسلب بفوضوية دور السّياسة في الإدارة العامة. لكن تريد أن تشير إلى أن غيابها عن الفعل الثوري مازال يسجل استمراره و بكل حدة.

انطلقت الثورة كحركة شعبية احتجاجية تطورت إلى علاقة ثأر و دم بين الشعب و السلطة و هو الأمر الذي لم يكن يستطيع أي جسم سياسي أن يحققه و يخلقه , كانت الطبقة المهمشة هي التي فتحت صدرها للرّصاص و لعنف الدولة البوليسية و رفعت سقف مطالبها شيئا فشيئا لكن بسرعة , و دعت بطريقة خلاقة إلى رحيل رأس النظام و أزلامهو الذي تطور إلى نوع من الثأر الدائم بين المهمشين, و أجهزة الدولة في عمومها حتى بعد حصولها على شرعية انتخابية,المؤكد أيضا أن هذا الغياب سببه الأصيل عدم قدرة السّياسي في تونس على التواجد خارجأطر أفكاره و التزامه الحزبي. بمعنى التخلّص من تبعات عملها على الواقع و تشريحهبأدوات لم تعد صالحة أبدا للاقتراب و الإحاطة. لأن ما حصل فعلا هو أمر لم تكتمل بعد إرهاصاته و لم تكتمل بعد معالمه لأنه بصدد الانجاز, و بصدد التشكل و أن كل ما حصل من تطورات و من مواعيد سياسية و انتخابية واهتزازات اجتماعية ليس إلا عوارض للحالة الثورية التي تمر بها المنطقة العربية.

بات من الواضح أن تصور المصطلح الإيديولوجي و السياسي و الحقوقي لقدرته و اشتماله على مبدأ الإحاطة العلمية بالظاهرة قد تهاوى بطريقة مأساوية. و أن سياقات المعقولية كماسياقات اللامعقولية و هما ينتميان بطبعهما إلى ذات السّياق أي إلى مجال الخطاب قدتهافتا لأنهما لم يكتسبا بعد الخبرة الثورية, لتحديد الانتماء إلى مقولات الثورة الثلاثة الحرية و العدالة و الكرامة و لاشتمالهما على المتناقضات و الحذلقة و القرقعة اللفظية فقط.

مازالت تلك الصورة - التيمة لأحد متسولي مدينة تونس و هو يرد على نيران البوليس بقطعة خبز تحافظ على توهجها و ستظل كذلك أقوى من كل المقاربات و أقوى من كل احتمالات سيطرة على الشارع.

يعاني الجسم السياسي في تونس من ركام و غبار لم يستطع التخلص منه, لأنه لم يقدر على الدخول في الحركة الاجتماعية, و تحسّس المرجع الاجتماعي. و الذي يحصل غالبا هو الوقوع في التشويش و التخبط عندما يبدأ النقاش و التحاور؛ و هو ما أفضى إلى ضياع المسالة و تداعيها و أرجائها. حصل هذا فعلا في كتابة الدستور الذي استلزم على ما يبدو نفقات خيالية كان يمكن أن تساهم في التنمية الاجتماعية كما أنّ قبة المجلس لم تحظ أبدا بتقدير الرجل العادي و لا بتبجيله و إنما في الكثير من الأحيان باستخفافه و حنقه الشديد و هو تدليل على ما يحدث من هوة بين عامة الشعب و بين نخبته السياسية.

و هو الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي و السياسي. يبدو كل شيء في غير كماله و في غير ما يجب أن يكون. و تتردد الأمور بين الخبط و السقوط و التردي و الهشاشة حتى المؤسسات التي بدت أنها جسم قائم قانونا لم تتحلى أبدا بالقوة اللازمة لضبط الأمور و حتى إدارتها على الوجه اللازم و المأمول.

ما تزال الطريق طويلة على تكوّن مفاهيم الجمهورية الثانية التي تبنى , و في كثير منها بلا مثال هندسي واضح مما جعل حظائر البناء الوطني تتخبط في عشوائية نرجو أن لا تمس

الأساسات...........

سعيف علي

تونس الحرة

saiifali@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف