نحو احياء دور الطبقة الوسطى في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يكاد علماء الاجتماع السياسي يجمعون على ان اهم سمات المجتمع المتمدن المتنور والمتطور يكمن في وجود طبقة وسطى فاعلة.
بيد ان الاجماع على اهمية دور الطبقة الوسطى في مختلف المجتمعات، لم يؤد الى تعريف شامل جامع مانع للمصطلح، ويعود السبب الى اختلاف المدارس الفكرية التي تناولت هذا الموضوع، فعلماء الاقتصاد يشيرون عادة الى ان الطبقة الوسطى هي التي يتم تحديدها في ضوء مستوى الدخل، وبالتالي فان الدخل هو الذي يحدد التقسيم الطبقي للمجتمعات. ومع فائدة هذا التقسيم الذي اتت به المدرسة الاقتصادية، فانه يبقى قاصرا عن فهم واستعياب وتفسير دور الطبقة الوسطى، وعليه فقد ذهبت المدراس الحديثة الى ضم مجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، كالمستوى التعليمي، مستوى الدخل والانفاق، عدد افراد الاسرة، نوعية النمط الاجتماعي السائد، وضع مؤشر لمدى الانغماس في الحياة الاجتماعية والسياسية.. الخ من المعايير.
ويبدو ان هذا التيار الثاني حاول تجاوز النمط الاحادي لتقسيم الطبقة الوسطى، لانه العلماء وجدوا ان مؤشر الدخل لايعبر تعبيرا فعليا عنها، ومن هنا كان لابد من الاعتماد على معايير اخرى أعطت لمفهوم الطبقة الوسطى ابعادا اخرى اكثر شمولا.
ومنذ تأسيس الدولة العراقية، فان محاولة تمدين المجتمع العراقي، وصناعة طبقة وسطى فاعلة كانت تمر بين مد وجزر، وهي وان أخذت مسارا تصاعديا منذ بدء الثلاثينيات الى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، فانها شهدت تراجعا مع عسكرة المجتمع في الثمانينيات، وتآكلا شديدا في فترة التسعينيات نتيجة الحصار مع تريف واضح للمدن اتضحت معالمه بشدة في هذه الفترة، وازداد حدة مع انكفاء دور الطبقة الوسطى وانشغالها بتوفير لقمة العيش، بحيث لم يرى لها دور في الحراك المجتمعي في ذلك الوقت، ومن هنا يسهل علينا تفسير التعبير العنفي الشديد داخل المجتمع العراقي في فترة لاحقة، إذ لم يأت نتاج صدفة بل هو امتداد طبيعي لعسكرة المجتمع ليتبعه حصار اخذ كثيرا من المنظومة القيمية الايجابية للمجتمع العراقي، لينتج لنا مجتمعا فقد الكثير من نقاط تماسكه وقوته، وبدء يتجه شيئا فشيئا نحو تفضيل العنف كاولوية في حل النزاعات او التعبير عن رفض اي موقف، سواء على مستوى الانماط الفرعية داخل الاسرة او القبيلة أو المحلة او المدينة، او على مستوى الانماط الرئيسة داخل المجتمع.
ولو عدنا الى المعيار الاقتصادي، فان فترة السبيعينات شهدت ازدهارا مضطردا للطبقة الوسطى، مع ازدياد حالة المدنية، ومحاولة تمدين الريف، مع حملة محو الامية وووصلو الكهرباء الوماء والخدمات الصحية، ومعها الاساليب المدنية، وكان للموظفين النصيب الاكبر من الدخل والحضوة الاكبر في الحراك الاجتماعي، انتقلت فيما بعد في فترة الثمانينات الى العسكر لنشهد عصر العسكر غذ استحوذت المؤسسة العسكرية على معظم الناتج القومي بسبب الحرب العراقية الايرانية، واضحى العسكر اكثر الطبقات مدخولية، في حين مالت فترة التسعينيات الى صالح الفلاحين فاصبحوا اكثر الطبقات حصولا على الدخل، مع تنامي ترييف واضح للمدينة، أما بعد الاحتلال فقد اصبحت الطبقة السياسية والادارية الجديدة،بالتحالف مع طبقة رجال الدين هم اكثر الناس دخلا، وشاعت ما اطلق عليه ابن خلدون قبل عقود بريع المنصب، أي ان المنصب في العراق اصبح طريقا للغنى والحصول على دخل عالي دون عناء يذكر او كفاءة حقيقية، غير انه تزامن ايضا عودة وان كانت بطيئة نوعا ما للطبقة الوسطى من ناحية الدخل، أو محاولة نحو احياء دورها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
والسؤال المطروح هنا ما الذي يعيق احياء دور الطبقة الوسطى في العراق، والجواب هنا يحمل اوجها معقدة ، إذ ان الطبقة الوسطى وهي تحاول إعادة احياء نفسها، تواجه سلسلة من العقبات الداخلية والخارجية، فالطبقة الوسطى نفسها منقسمة بذاتها، ومنغمسة احيانا في صراع جهوي أو طائفي أو فئوي، وبالتالي هذه الطبقة تخلت الى اجل غير منظور عن دورها الريادي في احياء المجتمع المدني، لانها انشغلت في ميادين هي ابعد بكثير عن مهامها الحقيقية، وقد يقول قائل ان الانقسام امر طبيعي، والجواب نعم لكن طبيعة الانقسام ذو صبغة ماضوية وليس سمة حضارية. اما العامل الخارجي فيتسم بضغوط البنى التقليدية والبنى الاخرى التي تعتقد بأن نهوض الطبقة الوسطى يعمل بالضرورة نحو ازاحتها عن المشهد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فتعمل على تحجيم هذا الدور وتكبيله والتقليل من شأنه والتحذير منه تحت مسميات شتى.
لاشك ان عودة الطبقة الوسطى يكاد يكون امرا مفروغا منه، لكن هناك عدم يقين بأن هذه العودة ستؤدي الى إحياء الانماط المدنية او الانماط الايجابية داخل المجتمع العراقي، وهي عودة رهينة بمتغيرات داخلية وخارجية. ونأمل في قابل الايام ان نقول: عادت طبقتنا الوسطى والعود أحمد.
التعليقات
الطبقة الوسطى
سهير -فعلا نحن بحاجة الى احياء دورها.. والعنوان ذكي إذ اشار الكاتب الى احياء دورها وليس الى احيائها لان الطبقى الوسطى لم تمت لكن دورها هو الذي تقلص .. وبالفعل مؤشر الدخل لم يعد كافيا وإلا ماذا يمكن ان نفسر اصحاب دخول مرتفعة ، لكنها لا تمتلك وعيا او انها لاتحمل شهادة وهم في العراق كثر، نتمنى ان نقول ايضا كما قال الكاتب ان يعود دورها والعود احمد .. صدقني دكتور باسل القراءة لك ابحار في عوالم ثلاثية الابعاد
كلام صائب
د. امال -كلام صائب دكتور تخلت هذه الطبقة عن دورها في المجتمع العراقي ، وانشغلت بميادين ابعد بكثير عن ميادينها الحقيقة والا ماذا تفسر عمل الكثير من اصحاب الاختصاص وحملة الشهادات بغير مهنهم الحقيقة ،كالاطباء والطبيبات وغيرهم ،كان من الافضل وانت تحلل لنا باتجهاتك المختلفة ان تعطينا تفسير واضح عن هذا الموضوع مع الشكر
اغتيال الطبقة الوسطى
احمد الزيتوني -اي مقاربة ابستمولوجية لموضوعة الطبقة الوسطى تخبرنا ، ان الطبقة تعرضت لاكثر من محاولة اغتيال بقصد انهاء دورها في المجتمع،لان الطبقة الوسطى تعتبر هي العمود الفقري في بناء المجتمع الحديث بفضل الدور الإقتصادي الذي تقوم به و القيم الإجتماعية و الأخلاقية التي تتمسك بها،و التي تعتبر هي المثل الأعلى الذي يوجه و يقود أفراد المجتمع نحو أهداف معينة و تابثة مستمدة من التراث الإجتماعي و الثقافي ومن الرؤية الواضحة للمستقبل و ما ينبغي ان تكون عليه حياة الناس في عالم الغد.
المدنية هي الحل
معجبة -كلك على بعضك حلو والاحلى الغزل بعيونك..... مقال بصلب الحقيقة عندما ضاع المجتمع المدني وطغت العسكرة والترييف تراجع العراق.. كلما ارى بغداد الخمسينات والستينات والسبيعنات في الصور والافلام كم اشعر انا تراجعنا.. والله كلامك على الجرح
تركنا الاهم
راشد القحطاني -المقال ذهب الى تقسيم المجتمغ طبقيا، ونحن بحاجة في الدول العربية الى توحيد مجتمعاتنا بدلا من هذه التقيسمات المضرة ، ودولنا في الخليج لايمكن الحديث عن طبقة وسطى لانه لا وجود للتقسيم الطبقي، الافضل الحديث عن تنمية المجتمعات بدلا من التركيز على طبقة