التراجع الأمريكي..هل يسمح بتحالف « تَظّلُّمات»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لطالما كان الهاجس الذي يشغل فكر المخططين الاستراتيجيين في أمريكا هو كيفية الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على العالم، وعلى أوراسيا التي يعتبرها بريجنسكي الأهم للسيطرة العالمية، ولكن مكانة أمريكا وهيبتها العالمية تراجعت، وعلى ذلك دلائل، منها:
- التراجع الاقتصادي، والأزمة المالية، وهي علامة على التراجع العام، كما أنها سبب فيه، يقول الكاتب الأمريكي فريد زكريا: "إن التدهور الاقتصادي الذي حلّ بالولايات المتحدة الأمريكية، هو الأكثر فظاعة منذ أزمة سنة 1929م، وأدى إلى ضياع ما يقرب من 40 تريليون دولار" "كتاب: عالم ما بعد أمريكا: تغير القوى العالمية. فريد زكريا".
- وهذا التراجع الاقتصادي اضطر الولايات المتحدة إلى تخفيض سقف أهدافها العالمية، وقلَّص من قدرتها على خوض حروب، ولا سيما انفرادية. ويتنبأ زكريا في كتابه السابق " بأن الولايات المتحدة ستعمل مضطرة في "عالم ما بعد أمريكا" للدخول في شراكات سياسية، مع قوى صاعدة في المستقبل، في القرن 21، فرضية صحيحة. ولذلك، فهو يوصي بعدد من الخطوات الواجب على صانع القرار الأمريكي القيام بها من الآن، أهمها البدء بإقامة تحالف متين وحقيقي بين الولايات المتحدة ودول أخرى ناشئة، يشبه إلى حدّ بعيد التحالف الأمريكي الإسرائيلي.".
- ولا يخفى أن القوة نسبية؛ فصعود قوى جديدة، من شأنه أن يخفف من سطوة القوة الأمريكية، ولو لم يؤهلها ذلك بعد،( ولا سيما، وهي لا تنجح في تشكيل تحالفات متماسكة وفاعلة) إلى الحلول محل القوة الأكبر. ويرى الأكاديمي جوزيف ناي، مؤلف كتاب "مستقبل القوة" الذي نُشر مؤخرا، في حوار مع مجلة "المجلة": "أن هناك تغيرين أساسيين للقوة في القرن الحادي والعشرين.
أحدهما هو التحول بين الدول من الغرب إلى الشرق، والذي يمكنك أن تطلق عليه تعافي آسيا، فقد عاد وضع آسيا إلى التوزيع الطبيعي، نظرا لأنها كانت تمثل نصف سكان العالم وبالتالي نصف إنتاجه، وهو ما غيرته الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.
والتغير الثاني للقوة هو توزيعها بعيدا عن كل الدول الغربية إلى أطراف من غير الدول، نتاجا للانخفاض الاستثنائي لتكلفة عمليات الحوسبة والاتصالات والتي نتجت عن ثورة المعلومات الحالية.".
وثمة مؤشرات متعددة على تراجع قدرة الولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك منذ حربها على العراق، حين تداعت شخصيات خبيرة من الحزبين لإنقاذ واشنطن من الوضع العراقي؛ فكانت لجنة بيكر/ هاملتون(أواخر 2006م) التي ترأسها وزير الخارجية الأميركية الأسبق، جيمس بيكر والسيناتور الديمقراطي، لي هاملتون، واشترك في إعداد التقرير أربعون من الخبراء السياسيين والعسكريين.
وأول ما يلفت الانتباه في تقريرها أنه صيغ بلغة أكثر تواضعا، من صيغ الخطاب السياسي السائد على ألسنة القادة الأميركيين، وتجلى ذلك بوضوح في تغيير الحديث عن الأهداف الأميركية في العراق، من جعل العراق "منارة" للديمقراطية في الشرق الأوسط إلى مجرد المحافظة على الدولة العراقية من التفكك..
أما الخيار الذي تبناه التقرير فخلاصته أن تسحب الولايات المتحدة معظم قواتها من العراق مطلع عام 2008م، بعد أن تجهز الجيش العراقي تجهيزا كاملا، وتترك ما بين عشرة وعشرين ألف من المدرِّبين والمستشارين العسكريين الأميركيين، ليكونوا عقل القوات العراقية المفكر والمخطط..
.وكان فوز أوباما إيذانا بانتهاء مرحلة من السياسة الهجومية، في عهد بوش الابن، إلى مرحلة أوبامية طَبَعت بالحذر، وغير قليل من التردد، الملفاتِ الخارجية، وحاولت تَجنُّبَ الحروب، إلا أن تكون بالتحالف الدولي، ولفترة محدودة، وأهداف محددة، كما كان في مشاركة أمريكا حلف النيتو إسقاط نظام القذافي.
ولم تخلُ الفترة القريبة، وفي منطقتنا العربية والشرق أوسطية من دلائل، على اهتزاز الهيبة الأمريكية منها قتل السفير والدبلوماسيين الأمريكيين، في القنصلية الأمريكية في بنغازي، في سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، وما أعقبه من رفض كل من اليمن والسودان، وحتى ليبيا نزول المارينز لحماية السفارات في تلك البلدان، كما رفضت الباكستان استمرار تحليق الطائرات الأمريكية، دون طيار، وإن كانت هذه المواقف الجديدة لا تعني ضعف علاقات تلك الدول بالولايات المتحدة.
مع أنَّ هذه المواقف لا تكفي لإثبات حالة من الانفلات من النفوذ الأمريكي؛ فتلك الدول لا تزال تتعاون مع واشنطن في مجالات متعددة، وتساعدها في الملفات الأمنية.
فهل ينشأ تحالف "تَظَلُّمات"؟
وعلى المستوى العالمي ثمة دول قد تكون مرشحة لإنهاء الهيمنة الأمريكية، ولكنها لا تتوفر منفردة على مجموع العناصر والأدوات المادية والسياسية الثقافية التي تتمتع بها أمريكا، ولكن تحالفا من مجموعة من الدول المستاءة قد يتشكل، كما يحذر بريجنسكي:" من المحتمل أن يكون أخطر السيناريوهات هو الذي يتمثل في التحالف بين والصين وروسيا وربما إيران أيضا؛ فيكون تحالفا مضادا للهيمنة لا تجمعه الإيديولوجية، وإنما تجمعه التظلمات، أو حالات الضيم التي يكمل بعضها البعض الآخر" لعبة الشطرنج.
إلا أن توفر الظروف الموضوعية والتوافقات في المصالح والرؤية الموحدة تجاه القضايا العالمية والأزمات ليس بالأمر اليسير، وحتى لو تصادف وجود هذه العوامل التي يمكن أن نسميها سلبية؛ لأنها ليست دائمة، ولا مُبادِرة، ولا فكرية، وإنما هي ردة فعل، على التفوق الأمريكي، حتى لو توفرت، فإنها تظل غير دائمية، وغير موفرة للتماسك والفاعلية اللازمة.
ولا تكفي مواقفُ السلب(الرفض)، حول مسألة معينة، كالأزمة السورية، لتكريس روسيا والصين وإيران لاعبا دوليا ذا رؤية قادرة على حل المشكلات، وانتزاع القيادة العالمية، من دولة كأمريكا استطاعت أن ترث الاستعمار البريطاني، والفرنسي...ولا تزال على الرغم من أزمتها المالية تتوفر على إمكانات اقتصادية كبيرة. وإن كانت أمريكا تعمل، (ولا سيما في ظل سياسة أكثر واقعية)، على إشراك الدول الكبرى معها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، دون أن تفقد القيادة.
وربما تصلح تجربة الاتحاد الأوروبي لمقاربة هذا الاحتمال (المتمثل في نشوء حلف منافس لأمريكا)، حيث لم يتأهل لسياسة خارجية موحدة وفاعلة.
o_osaamah@hotmail.com.