مقارنة بين افكار ابن خلدون واخوان الصفاء؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في كتابه "اخوان الصفاء وابن خلدون" الصادر عن مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية، بغداد 2011 قدم الاستاذ الدكتور فؤاد البعلي دراسة مقارنة قيمة ناقش فيها الجوانب الاجتماعية لأفكار ابن خلدون وآراء أخوان الصفاء، التي تتعلق بالمؤسسة الدينية ومؤسسات الأسرة والتربية والتعليم وسياسة الدولة والمجتمع، منقبا وجامعا ومنسقا لتلك الآراء المبعثرة في طيات الكتب القديمة، مقارنا آراء أخوان الصفاء بآراء ابن خلدون ومن سبقهما وجاء بعدهما من مفكرين وفلاسفة عرب ومسلمين وغيرهم من المستشرقين .
من هم اخوان الصفاء؟
اخوان الصفاء وخلان الوفاء جماعة من الفلاسفة المسلمين تكونت في البصرة في القرن العاشر الميلادي، الذين اتفقوا على التوفيق بين العقيدة الاسلامية والحقائق الفلسفية وخاصة الفلسفة اليونانية التي تأثروا بها، مثلما تأثروا بالفلسفة الهندية والفارسية. وكانت لهم اهتمامات متنوعة في العلم والفلسفة والرياضيات والفلك والسياسة والمجتمع وتوجت افكارهم الفلسفية في 52 رسالة عرفت بـ"رسائل اخوان الصفاء"، التي تعد بمثابة موسوعة للعلوم الفلسفية، ساعين فيها الى "اسعاد النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس"، خاصة في مرحلة ما بعد تفكك الدولة العباسية وصعود البويهيين الى الحكم، وفي محاولة للتقريب بين الدين والفلسفة، بعد تحجر الفكر اللاهوتي وانتشار مقولة السيوطي "من تمنطق فقد تزندق".
لقد كانت حركة اخوان الصفاء انعطافة انسانية عظيمة سارت على نهج فلاسفة اليونان في تثبيت الفكر الحر حيث قالوا :"انه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الاسلامية فقد حصل الكمال". وبالرغم من ان اخوان الصفاء كتبوا رسائلهم للعامة من الناس، إلا ان الكثير من الفلاسفة والمفكرين تأثروا بها وخاصة الغزالي.
مقدمة ابن خلدون
بحث ابن خلدون في مقدمته موضوع العمران البشري والاجتماع الانساني(علم الاجتماع بالمفهوم الحديث) ، مؤكدا على ما يلحق العمران البشري والاجتماع الانساني من أحوال اجتماعية واقتصادية وسياسية، مستخدما الطريقة الاستقرائية التي تعتمد على الملاحظة المباشرة والخبرة والتجربة.
ان علم العمران البشري الخلدوني يبحث فيما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران، لأن موضوعه هم البشر في وجودهم الذي يقوم على الاعتماد المتبادل والتعاون الانساني وتشكيل الجماعات وبناء المدن والحضارة وما يرتبط بها من شؤون الحكم والادارة والانتاج والتوزيع وكل ما يرتبط بشؤون المجتمع والعمل والأسرة والتربية وغيرها. والعمران البشري والاجتماع الانساني ضروري للبشر ، بدويا و حضريا ، ، لان الانسان مدني بالطبع وهدفه تكوين الحياة الاجتماعية التي تقوم على التعاون والتضامن والدفاع التي تقتضيها المصلحة العامة. ولذلك اصبح وجود السلطة ضروريا لدرء العدوان والدفاع وتنظيم المجتمع، وهذا معنى التملك(الدولة). واخيرا ضرورة التطور والتغير للنظم والدول والحضارات وذلك بسبب تطور وتغير العوامل الاقتصادية والدينية والسياسية.
أما بالنسبة للدين، فيرى ابن خلدون بان الفرد يكتسب دينه من أسرته:" فكل مولود يُولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه"، وان الله خلق العالم وتركه يجري حسب القوانين الاجتماعية دون تدخل منه. فالدين وسيلة للضبط الاجتماعي، وان الانسان اقرب الى قيم الخير من قيم الشر، وبواسطة الدين يسهل انقياد الافراد واجتماعهم. مؤكدا على ان الدعوة الدينية لا تتم من غير عصبية.
وتقترب آراء اخوان الصفاء من آراء ابن خلدون في أهمية الاسرة في اكتساب المعرفة والتمييز بين المحمود والمذموم. غير ان اخوان الصفاء وصفوا المرأة باوصاف سلبية، في حين اكد ابن خلدون على أهمية الأسرة وميز بين العلاقات الاجتماعية الأولية والثانوية وخاصة العلاقات القرابية.
وفي أهمية وتأثير البيئة الاجتماعية في التربية والتعليم والتطبع بالاخلاق، كل حسب نشأته وبيئته، أكد اخوان الصفاء على التقليد والمحاكاة في نقل العادات والتقاليد الاجتماعية. كما وضعوا أهمية كبيرة على دور الموسيقى وتأثيرها في النفوس، وخاصة على طرق التربية والتنشئة الاجتماعية. فالموسيقى دواء للنفس. فهي تبعث شعورا بالخشوع فتزيد من رقة القلوب والعواطف، مما يؤدي ذلك الى تمتع الانسان باخلاق هادئة وعلاقات اجتماعية طيبة.
اما ابن خلدون فقد أكد على أهمية التنشئة الاجتماعية باعتبارها عملية اكتساب المعرفة والاخلاق وانتحال المذاهب والفضائل. وهي عملية تبدأ من الولادة وتستمر في اكتساب طرائق التفكير والعمل والسلوك وخاصة عن طريق اللغة التي تمكن الفرد من التعبير عن المشاعر والاغراض. واعتبر تعليم العلم "صناعة"، لان باستطاعة العقل البشري اكتساب المعارف، مؤكدا على الطرق الفعالة في التعليم، مقترحا الابتعاد عن طريقة الحفظ على ظهر قلب، واستخدام المناظرة والمحاورة والابتعاد عن استعمال الشدة. وبهذا يقترب ابن خلدون في آرائه في التربية والتعليم من آراء المفكرين المعاصرين.
اما بالنسبة للطبقات فقد صنف اخوان الصفاء الناس الى مراتب، كل حسب مولده، ومرتبة والديه، مما يبقى الاغنياء والفقراء على حالهم. ونتيجة لذلك جاءوا بفكرة التعاون لاسعاد الناس ودعوا الى مجتمع فاضل يكون فيه الافراد خيرين وفضلاء. وهي فكرة مثالية تأثروا فيها بمدينة افلاطون الفاضلة. كما راى اخوان الصفاء بان لكل دولة بداية ونهاية، فاذا بلغت اقصى غاياتها اخذت بالانحطاط وتتبع فيها الدولة الرئيس وتتغير بتغير نفسيته، ومصيرها يتوقف على التنازع بين طالبي الملك.
واذا كانت افكار اخوان الصفاء الاجتماعية بسيطة وغير عميقة، فان افكار ابن خلدون الاجتماعية اكثر عمقا ومنهجية، حيث راى بان الانسان "مدني بالطبع" وقال بضرورة الاجتماع الانساني للحصول على المعيشة والحفاظ على الحياة وتنظيمها ووضع قوانين تتحكم بمسيرة المجتمع الانساني. وقسم المجتمع الى بدوي وحضري وكلاهما يعملان من خلال التعاون لتكوين العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقد وضع ابن خلدون نظرية متكاملة للدولة التي اعتبرها اكثر من مجرد رئاسة. فهي تعني التغلب والحكم والقهر، وانها تقوم على العصبية التي تستند على صلة الدم والقربى. والدولة عنده مؤسسة اجتماعية طبيعية تقوم على التعاون بين افرادها، وان لها "دورة اجتماعية" تنمو وتزدهر ثم تأفل وتنحط فتموت مثل الانسان.
هل سطى ابن خلدون على افكار اخوان الصفاء الاجتماعية؟!
يجيب على هذا السؤال الاستاذ فؤاد البعلي في الفصل الاخير من كتابه، وهو بمثابة رد ونقد وتفنيد لاراء محمود اسماعيل الذي اتهم ابن خلدون في كتابيه "اخوان الصفاء رواد التنوير في الفكر العربي" القاهرة 1998و" نهاية أسطورة ابن خلدون" القاهرة 2000 ، بانتحال افكار واراء اخوان الصفاء، معتبرا ان سائر النظريات التي نسبت الى ابن خلدون منقولة عن رسائل اخوان الصفاء، اذ ان ابن خلدون كان قد اقتبس عناوين الفصول من الرسائل. كما ان اخوان الصفاء اعتقدوا قبل ابن خلدون بان ldquo;النظام الاجتماعي الجائر يحمل في طياته بذور الانهيار والسقوطrdquo;.
وقد انتهى الى القول بان كتابات المفكرين عن ابن خلدون هي محض ترويج واخفاء جريمة السطو التي اقدم عليها ابن خلدون، وهي الهالة الزائفة التي نسجها هؤلاء الدارسون وتوجوا بها المعجزة الخلدونية.
ان هجوم محمود اسماعيل وقسوته على ابن خلدون، حسب البعلي، ليس له مبرر، بل هو تجن على الحقيقة، حيث يشهد العشرات من المفكرين والمستشرقين الكبار بانجازات العلامة ابن خلدون في علم التاريخ والعمران البشري والاقتصاد والسياسة وغيرها.
واذا كان هناك تشابه في بعض الافكار الاجتماعية بين اخوان الصفاء وابن خلدون فمرد ذلك الى ان كل نظرية جديدة لا تنبثق من عدم، لأن المعرفة البشرية هي تراكم خبر وتجارب انسانية وكل فرد يضيف اليها شيئا جديدا حتى تتكامل، وما المخترعات العلمية سوى تركيب وتطوير واضافة على مخترعات سابقة.
التعليقات
المعرفة تراكم
خوليو -مقولة علمية صحيحة التي تقول أن المعرفة هي تراكم خبرات ومعارف سابقة أضيف عليها خبرات واكتشافات جديدة ، وهذه ساهمت فيها كل شعوب الأرض ،وطبعاً شعب أكثر من شعب حسب الظروف والإمكانيات والفرص المتاحة ، هذه النظرية مضادة لنظرية أخرى تدعي أنها جاءت بعلم خاص بهم، خلطوا بينه وبين العلوم التجريبية بشكل مقصد لإعطاء صفة علوم على علم شاعري خيالي بعيد كل البعد عن التفكير السليم ، نظريته هذه تقول أن ما قبلهم كان يسبح في الظلمات وجاء هذا العلم نازلاً على مغارة يزورها اليوم ملايين لينقذ البشرية ويخرجهامن الظلمات ويدخلها في النور ، وعلى الرغم من أن نظرية العلوم والمعرفة تؤكد التراكم المعرفي الإنساني (ولللإنصاف كثير ممن اشتغلوا على العلوم مثل أبو القاسم الزهراوي وابن النفيس وابن خلدون وابن سينا يعترفون بهذه النظرية) لايزال أهل العلم اليوم من أساتذة جامعات وما يسمونهم بجيش من العلماء يعتقدون أن العلم هو العلوم ولا لشيء سوى لتشابه الكلمات ، وعينك تشوف هذا العلم فيه البرق رجم للشياطين والشمس تغرب في عين حمئة والذباب ذو الجناحين كداء ودواء. شيئ مشابه عندما ينسبون مسألة العقل إلى ألا تعقلون ؟ وكل عام والجميع بخير بمناسبة عيد ذبح الخراف .
الفرق بين الأفكار والمؤلف
حازم محمد -يقول الدكتور الحيدري دفاعا عن إبن خلدون (( حيث يشهد العشرات من المفكرين والمستشرقين الكبار بانجازات العلامة ابن خلدون في علم التاريخ والعمران البشري والاقتصاد والسياسة وغيرها.)) وهذا الكلام يخص الأفكار المنسوبة له ولايعني تزكيته من شبهة الإقتباس أو السرقة !
ابن خلدون والعرب
عراقي متشرد -هاجم ابن خلدون العرب وهو القائل:لو خربت عربت بالرغم من أنه كان من القبائل العربية الأصيلة، ولهذا فان بعض العرب قد شنوا عليه هجوما شديدا ،ومنهم وزير المعارف في العهد الملكي في الثلاثينات المرحوم خليل كنة الذي طالب بحرق جميع مؤلفاته ونبش قبره بسبب تهجمه على العرب، وسار على منواله بعض الفلاسفة العرب،وهو أمر لا مبرر له كما أظن.أعتقد أن بعض ما قاله بحق العرب صحيح الى حد بعيد.
التناصات كثيرة جداً
شاكر لعيبي -جميع الأفكار الواردة في مقالة الأستاذ الكريم الحيدري، وبعض أفكار التعليقات، واردة في كتاب شاكر لعيبي "الفن والحرف الفنية لدى ابن خلدون: المدينة الخلدونية الفاضلة" (مدبولي 2010) الذي هو تطوير لدراسته المنشورة في كتاب جماعي بعنوان "الصنائع والحرف الفنية لدى ابن خلدون (بإشراف)، منشورات المعهد العالي للفنون والحرف بقابس 2006. لذا اقتضى التويه من طرفي.
فرق
نبهان بن جهلان -شتان بين ابن خلدون و اخوان الصفا ..ابن خلدون كان يتبع المنهج العلمي العقلاي بينما اخوان الصفا تاثروا بالتنجيم و الاساطير و فلسفة فيثاغورس
التناصات كثيرة
فريد محمد حسون -عرض الدكتور الحيدري لمحتويات كتاب "مقارنة بين أفكار أبن خلدون وأخوان الصفا"، لربما زميله البعلي، كان أكثر من موفق. أما صاحب المعلقات الطويلة والخالية من الطعم والذي حمل عنوان تعليقه التناصات كثيرة يبدو انه يرمي الأخرين بما يقوم به هو من تدبيج مقالات عصماء تحمل أسمه. يأخي كان المفترض ان تسكت وتبلع ما تقوم به بالسر. هل تريد ان أسطر لك أسماء وعناوين الكتب التي حملت تناصات كثيرة من كتب التراث وسجلت عليها أسمك؟ مع الشكر والتقدير لإيلاف
مقال مقتبس
د. على شامل -المقال مقتبس من بحث موسع للدكتور فالح عبد الجبار
القذف بالباطل..
بن يحيا -كلما قرأت رد (بعض النكرات) إلا و لمست فيه مدى الحقد و الضغينة لدى هذا (النكرة) حيال الاسلام و المسلمين...الكاتب يتكلم في واد و النكرة يتكلم عن الغار و الشمس و الذباب...ربما يعاني من مرض نفسي أو كابوس إسمه الاسلام...جهل مركب و العياذ بالله...
مقال تنقصه العلمية
د. عبد الله نصر -مقال تنقصه العلمية والحرفية والدراسة رغم وضوح اقتباسه ونقله كاملا