أصداء

مأزق اردوغان الداخلي في تفاقم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تركيا التي كانت حتى وقت ليس بالبعيد من الدول التي يتوقع لها تطورا اقتصاديا ومجتمعيا متقدما ومتميزا عن بقية الدول الشرق اوسطية، بدأت اليوم تواجه بالعديد من التحديات الداخلية التي لابد وستترك اثرها على تلك الرؤية التي تخيلها البعض في يوم من الايام ( ومنهم كاتب هذه السطور ). اذ كانت تركيا وحتى وقت اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البحرين تتدخل بطريقة توحي للمتبع، انها تريد امتصاص الاثار السلبية التي يمكن ان تترتب على تداعيات تطور تلك الاحتجاجات التي تحولت الى مصدر مهم من مصادر التوتر الايراني - السعودي فيما بعد. الا ان اصرار تركيا على الدخول ضمن مشروع صياغة الشرق الاوسط الكبير وفقا للرؤى الامريكية - الخليجية في فترة مابعد الانسحاب الامريكي من العراق، قادتها الى الانزلاق في شر الفخاخ التي وضعتها للاخرين. الامر الذي يشير الى ان حزب العدالة والتنمية يواجه اليوم متاعبا لانهاية لها تتمثل عناصرها الاساسية في القضايا التالية:

1.تنامي الموقف الشعبي الداخلي الرافض للسياسة التركية ازاء سوريا. اذ ان حزب العدالة والتنمية يقوم وبعلم واعتراف العديد من الاوساط الرسمية التركية بالعمل على تسليح وتدريب وايواء العناصر التي تقاتل في سوريا، ومن بينهم اعداد غير قليلة من الجهاديين العرب التابعين لتنظيم القاعدة. لذا وجدنا بان هذه السياسة التي يصر عليها اردوغان قد دفعت باعداد غفيرة من سكان بعض المدن التركية، كما هو الحال مع سكان مدينة انطاكيا، الى الخروج بتظاهرات غفيرة تنديدا بهذه السياسة التي يطالب عدد كبير من الاتراك بتغييرها واعادة التعامل مع سوريا بواقعية اكبر. وهو مادعا البعض الى القول " ان الازمة السورية كشفت لنا حقيقة التنوع الذي نعيشه في البنية السكانية لتركيا عبر الحساسيات السياسية التي اثارتها تلك الازمة. اذ ان تلك الازمة برزت اثارها في انطاكيا بشكل مباشر دون غيرها، والسبب في ذلك يعود الى جذور هذه المدينة. ففي العام 1923 تشكلت دولة تركيا الحديثة، والملاحظ هنا بان محافظة هاتاي ( لواء الاسكندرون ) التي تقع فيها انطاكيا لم تكن بعد جزء من تركيا، بل الحقت بها في العام 1939...، لذا فهي الى اليوم تمتاز بانتشار مشاعر الانتماء الى سوريا بين مواطنيها ".

د. دياري صالح مجيد

2.اظهرت استطلاعات الرأي في تركيا ان هنالك تراجعا كبيرا في اعداد الاتراك الذين يؤيدون التوجهات المتطرفة لدى القيادات التابعة لحزب العدالة والتنمية في دعوتها للقيام بعمليات عسكرية ضد سوريا، في حال تكرر حادث اطلاق القذائف على المناطق الحدودية التركية من داخل الاراضي السورية. وهو مايعني ان حزب العدالة والتنمية قد بدأ يعيش حالة من الانقسام التي ستفرض عليه التفكير بكيفية ردم الهوة المتزايدة بينه وبين الجماهير التركية. خاصة وان الانتخابات القادمة لم يبقى لها الا فترة قليلة لا تكفي قيادات هذا الحزب في تحقيق مثل هذا المسعى.

3.مشكلة تزايد اعداد اللاجئين السوريين وما تحمله من اعباء اقتصادية وامنية غير قليلة بالنسبة للدولة التركية عموما. خاصة وان تركيا قد بدأت تشعر بنوع من التوجس من التمدد الجغرافي لمخيمات اللاجئين السوريين باتجاة تخوم المدن التي يعيش فيها العلويون الاتراك. حيث بدأت تفكر جديا بامكانية اندلاع صدامات شعبية بين الطرفين في ظل استمرار خطابات التهديد التي يتوعد بها قيادات المعارضة السورية للعلويين. علما بان عددا غير قليل من العلويين في تركيا يعودون بالاصل الى جذور سورية خاصة في منطقة الاسكندرون التي ضمت الى تركيا بعد انتهاء الاحتلال الفرنسي لسوريا. وهي قضية اخرى من القضايا الداخلية الضاغطة هناك.

4.الدور المتصاعد لحزب العمال الكردستاني في المدن التركية المختلفة التي ينتشر فيها نشاط هذا الحزب. على اعتبار ان الصراع غير المنتهي مابين هذا الحزب والحكومة التركية الحالية هو الاخر يشكل مصدر ازعاج مستمر للسياسة الداخلية التركية. وهو ملف له ابعاده وامتداداته الاقليمية ذات الجذور الجيوبولتيكية. كما انها قضية بدأت تتفاعل بجدية مع الحديث عن مستقبل الاكراد في سوريا في حال الاطاحة بحكم النظام السوري هناك، وامكانية استثمار حزب العمال الكردستاني مثل هذه اللحظة في اعلان دولة كردستان الكبرى.

5.في ظل الدور التركي المتنامي في الازمة السورية وما رافقها من تصاعد لمشكلة العنف الطائفي هناك متزامنا مع ماهو موجود اصلاً في العراق، بدأت بوادر انقسام داخلي تركي تبرز بشكل واضح وتهدد بنية الهوية التركية الجمعية التي اريد لها ان تكون عابرة للاعراق والطوائف المختلفة ومبتعدة عن التعريف الديني الذي يهدد بأثارة حساسيات تسعى تركيا الى الابتعاد عن اثارتها داخلياً. اذ اثبت احدى استطلاعات الرأي التي اجريت في احدى الجامعات التركية مؤخرا لمعرفة مدى شعور الفرد بالفخر كونه تركي، وجود تباين اقليمي مهم في الاجابة عن هذا السؤال. اذ اظهر هذا المسح ان هنالك تراجعا بنسبة 10% لدى الاتراك فيما يتعلق بشعورهم بالفخر بتعريفهم على انهم اتراك مقارنة بنفس المسح الذي اجري سابقا. ففي المناطق التي يقطنها غالبية من الكرد وصلت النسبة فقط الى 23% قال فيها من تم استفتائهم بانهم يشعرون بالفخر ليعرفوا على انهم ترك. رغم ذلك كان المؤشر العام قد اظهر ان 3 من كل 4 يشعرون بالفخر. في حين وصلت نسبة من يشعرون بالفخر في تعريفهم بانهم اتراك الى 85% في وسط الاناضول. حل بعدها اقليم تركيا المطل على البحر المتوسط ثانيا بنسبة 80%. وجد في ذات المسح بان المجتمع التركي يزداد يمينية وتعريفا لذاته على اساس ديني. اذ وجد بان 85 % من الاتراك يعرفون انفسهم وفقا للاساس الديني. في حين كانت هذه النسبة في العام 2006 فقط 83%، و 80% في العام 2001 و 78% في العام 1996 و 75 % في العام 1990. وهو ما جعل اردوغان ذاته يحذر من الطائفية التي قد يولدها مثل هذا الانتشار لفكرة التطرف الديني في الهوية التركية، الذي يعد برأيه من بين اهم مهددات المستقبل في تركيا.

6.السطوة التي يريد حزب العدالة والتنمية ان يفرضها على المجتمع بقالب ديني لازالت بعد تلاقي الكثير من مصادر الاعتراض والتمسك بأرث الدولة الكمالية، والدليل على ذلك مايجري هذه الايام من استذكار واحتفالات بمناسبة يوم تأسيس الدولة التركية الحديثة. وهي الاحتفالات التي اراد حزب العدالة والتنمية ان يمنعها، لكنه تفاجأ بأن هنالك اعداداً متزايدة قد تحدت هذه الخطوة وخرجت الى الساحة الرئيسية في اسطنبول للتعبير عن وقوفها بوجه الرؤية الحاكمة للبلاد اليوم. وهو مادفع رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا لمخاطبة اردوغان وحكومته قائلا " ان هؤلاء المواطنين المحتفلين لا يحملون الا الاعلام التركية في ايديهم، في حين تملك الدولة التركية كل مصادر القوة بما فيها الجيش و الشرطة التي تستخدم الغازات المسيلة للدموع. فما السبب الكامن وراء استخدام العنف بحقهم، هل يشن هؤلاء الحرب ضد الدولة؟... وقال منتقدا الحكومة بحدة : هل قرأت الحكومة من قبل اتفاقية اماسيا التي وقعت بتاريخ 22 يونيو / حزيران 1919 والتي نصت على ان السلطة العليا تعود للشعب؟ فهل يعرفون ما معنى هذا؟ ان النظام الجمهوري يعطي الاهمية للشعب، فلماذا يُعاقب الشعب اليوم؟ ". يمثل هذا الحدث مصدرا مهما من مصادر الاشارة الى الصراع الداخلي بين حزب العدالة والتنمية ومعارضيه ممن يخشون على الطابع العلماني للدولة ويرون في توجهات اردوغان وسياساته مصدرا من مصادر تهديد اسس بناء الدولة التركية الحديثة.

7.تزامنت مع هذه الظروف الحديث عن السياسات الانتهازية التي يمارسها حزب العدالة والتنمية الذي اعلن مؤخرا على لسان اردوغان بانه قد يذهب لاجراء حوار مباشر مع زعيم حزب العمال الكردستاني " عبدالله اوجلان " بهدف الحد من اعمال المنظمة الكردية. وهو ذات الفعل الذي قامت به الحكومة التركية فيما يعرف بمباحثات اوسلو مع الاكراد للفترة 2009-2011 والتي تم بموجبها الاتفاق على وقف اطلاق النار بين الطرفين. وهو مادعى حزب الشعب الجمهوري الى التهديد بفضح اسرار هذا الاتفاق الذي اكدت بان عدم الالتزام بتطبيق بنوده السرية من قبل اردوغان نفسه وعدم اطلاع الاتراك عامة على طبيعته، كانت السبب وراء اندلاع موجة العنف الاخيرة.

8.وقد رافق هذا التطور بروز ظاهرة جديدة في الداخل التركي اتسمت بانتشار اضرابات الجوع في السجون التركية التي اتفق فيها المسجونين الاكراد على الاستمرار بتنفيذ اضراب عام عن الطعام، في محاولة منهم للتعبير عن استيائهم من اداء الحكومة الحالية فيما يتعلق بشروط وظروف الاعتقال و طبيعة الطعام والخدمات المقدمة لهم. وهو امر ادخل الحكومة التركية في حالة من الارباك بسبب مايمكن ان يمثله هذا الملف من عنصر ضاغط على حكومة اردوغان التي تدعو الاخرين الى الاقتداء بممارساتها الديمقراطية وتحاول ان تتستر على حجم الخراب المستشري في مؤسسة القضاء والسجون التركية. لذا نجد بان نائب حزب السلام والديمقراطية الكردي في تركيا قد صرح بالقول " ان كل لحظة وكل ثانية تعد ذات اهمية كبيرة بالنسبة لنا في هذا النضال. لذا على الناس ان يتركوا اي شيء يمكن له ان يشغلهم عن المشاركة في التظاهرات المؤيدة لهذا الاضراب، والا فاننا لن نستطيع ان نوقف هذا الغياب لضمير الدولة التركية. نحن امام خيارين اما ان نوقف هذه السياسة او ان نموت مع بقية زملائنا المسجونين ".

بالتاكيد هنالك مزيد من الملفات التي تعد مصدر ضغط متنامي على حكومة اردوغان داخلياً، اذ ان ماذكر يعد من بين اكثرها بروزا على سطح السياسة التركية اليوم دون ان ينفي ذلك امكانية حصول مفاجئات جديدة قد تزيد من مأزق اردوغان خلال الاشهر القادمة. وهو ماسيضع تركيا امام مفترق طرق جديد فيما يتعلق بسياستها الاقليمية وانعكاس ذلك على تأجيج مشكلاتها الداخلية من عدمه. والا فان الاستمرار في ذات النهج بالتاكيد سيكون اشبه بصدمة المستقبل التي ستترك اثارها السلبية على تركيا لا محالة.

كاتب واكاديمي عراقي
Dr.diearrysm_iraqiwriter@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف