فضاء الرأي

نتنياهو والخيارات القاتلة!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لنعترف بداية أن عملية "عمود السحاب" التي دشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة قد تفضي إلى تدمير مستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السياسي قبيل موعد الانتخابات العامة المزمع إجراؤها مطلع العام القادم.
نتنياهو وحلفاؤه الواثقون من فوزهم في انتخابات الكنيست ذهبوا إلى غزة لتنفيذ "نزهة" عسكرية تعزز من رصيدهم السياسي عبر اغتيال واحد من أخطر رجالات كتائب القسام (الجعبري)، لكن النزهة العسكرية انقلبت تورطاً كبيراً في رمال غزة المتحركة بعد أن نجحت المقاومة الفلسطينية في الرد المؤلم على الغارات الإسرائيلية بشكل موجع ومفاجئ، وتحطيم أرقام قياسية جديدة في مدى صواريخها التي وصلت ما بعد تل أبيب شمالاً انطلاقاً من غزة.
تقارير صحافية إسرائيلية أفادت أنه بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الحملة تحدث رئيس حكومة "إسرائيل"، نتنياهو، مع عدد من زعماء الدول، وألمح إلى موافقته على وقف العملية العسكرية "عمود السحاب" ضد قطاع غزة في حال أوقفت الفصائل الفلسطينية في القطاع، وفي مقدمتها حركة حماس، إطلاق الصواريخ باتجاه "إسرائيل".
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن نتنياهو قوله في محادثات هاتفية مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والمستشارة الألمانية، ورئيس الحكومة الإيطالية، أنه سيوافق على وقف إطلاق نار شامل في القطاع، في أقرب وقت، مقابل توقف الفصائل الفلسطينية في القطاع عن إطلاق الصواريخ وإطلاق النار باتجاه دوريات عسكرية إسرائيلية عند الحدود بين "إسرائيل" والقطاع، وطالب بضمان وقف إطلاق نار طويل الأمد وألا يستأنف خلال أسابيع معدودة.
أما المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، فقد أشار إلى أن الحقائق الأساسية أمام صناع القرار تتمثل في أن "إسرائيل" استنفدت عملياً تفوقها النوعي الذي وضعه أمامها الجيش وجهاز الأمن. وأن الشرعية الدولية للعملية العسكرية الإسرائيلية على وشك الانتهاء. وأن أي توغل بري في القطاع ومخاطر المس بالسكان المدنيين ليسا مقبولين لأوباما ونظرائه الأوروبيين. كما أن "إسرائيل" ستخاطر بالدخول في مواجهة مع مصر، وباحتمال إسقاط الملك الأردني عبد الله الثاني. وختم بأن آخر هذه الحقائق هي أن حركة حماس ما تزال تطلق الصواريخ، ولا توجد لديها أية نية لأن تتوسل من أجل وقف إطلاق النار مثلما قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك.
ولفت (شيفر) إلى أنه "لا شك في أن صورة انتهاء المعركة الحالية ستؤثر على قرار الإسرائيليين وما إذا كانوا سيمنحون في الانتخابات القريبة نتنياهو فرصة أخرى ثالثة في مكتب رئيس الحكومة، وهو سيأخذ هذا الأمر بالحسبان لدى إقدامه على اتخاذ أي قرار حول متى وكيف سيبشرنا بانتهاء العملية العسكرية".
المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، عمير ربابورت، أشار إلى أن "عملية "عمود السحاب" العسكرية وصلت إلى مرحلة مصيرية، وأن الغارات الجوية استنفدت نفسها، وتزايدت الاتصالات من أجل وقف إطلاق النار، وأصبحت الكرة في ملعب المستوى السياسي الإسرائيلي، الذي يتعين عليه أن يقرر إمّا تسريع الاتصالات لوقف إطلاق النار، وإما شن عملية عسكرية برية.
الاعتقاد السائد في الجيش الإسرائيلي هو أن العملية العسكرية حققت غاياتها وبالإمكان إنهاؤها من دون عملية عسكرية برية. لكن رغم ذلك، وفي موازاة الاتصالات، فإن الجيش الإسرائيلي استكمل نهاية الأسبوع الماضي عملية تجنيد القوات المطلوبة لشن عملية عسكرية برية، التي من المقرر أن تستند إلى قوات نظامية. وغالبية قوات الاحتياط التي تم تجنيدها غايتها استبدال القوات النظامية في مهمات جارية.
القيادة الإسرائيلية السياسية في موقف محرج للغاية، وبالتالي فإن خيارات الخروج من المعركة تتقلص أمامها بشكل كبير، فهي إما أن تستمر في قصف المدنيين في غزة للضغط على المقاومة الفلسطينية وإيقاف صواريخها، إلا أن هذا الخيار محدود الفاعلية، وتمت تجربته خلال الفترة السابقة في أكثر من مناسبة، ولم يُجدِ نفعاً مع المقاومة.
وإما أن يعلن نتنياهو وقف إطلاق النار من جانب واحد، مع الاحتفاظ بحق الرد على المقاومة الفلسطينية في قصفها للمدن والبلدات الإسرائيلية. وهذا الخيار من شأنه أن يجنب نتنياهو حرج تطويل المعركة، إلا أن أهم سلبياته أن المبادرة لن تكون للجيش الإسرائيلي بل لصواريخ المقاومة التي بإمكانها إقلاق راحة ومضجع نتنياهو متى شاءت، وبالتالي انتقال موازين القوى والضغط إلى الطرف الفلسطيني.
حتى توقيع اتفاق تهدئة مع المقاومة الفلسطينية، سواء كان شفهياً أو مكتوباً، وسواء كان بضمانات أمنية، كما جرت العادة، أو سياسية كما تطالب "إسرائيل" حالياً، فإنه خيار صعب، وذلك لأن المقاومة على ما يبدو لن ترضخ لشروط "إسرائيل"، وستناضل من أجل تضمين شروطها في هذا الاتفاق.
أما خيار شن عمل عسكري بري، ورغم أنه لم يعد مطروحاً على الطاولة بالنسبة لبعض المحللين الإسرائيليين بسبب تطورات الوضع الميداني والسياسي، إلا أن الجيش الإسرائيلي قد يضطر لدخول تكتيكي قصير يستهدف من خلاله مناطق "ميتة" و"ساقطة" عسكرياً تحت وابل ناري كثيف وتغطية اعلامية واسعة لتخويف المقاومة وإشعارها بأن العملية البرية قد بدأت، لكن هذا الخيار يصطدم بإمكانية صمود المقاومة، وعدم انطلاء هذه الخديعة، وبالتالي سيخرج من القطاع دون تحقيق مآربه، أو سيضطر لزيادة التوغل وهو ما لا يريده الجيش.
نتنياهو أمام خيارات صعبة للغاية، وقد تكون "انتحارية"، ورغم الثمن الباهظ الذي يدفعه أهل غزة ومقاومتهم إزاء القصف الإسرائيلي الذي أضحى عشوائياً مع استنفاد أهدافه العسكرية، إلا أن خيار إيقاف الحرب بات في يدهم، والخوف كل الخوف أن يستمر عنفوان "الثور الإسرائيلي" بعد أن استدعى جنود الاحتياط، في محاولة لتسجيل مكسب أو فوز ولو معنوي أمام الناخب الإسرائيلي، فتقوده المغامرة إلى مكان آخر.. قد لا يكون بعيداً عن حدوده المشتعلة في الشمال!.
.... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف