رحلة في التاريخ الياباني (3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي لليابان
عرضنا في الأجزاء السابقة من المقال كيف عانت اليابان من إرهاصات مماثلة لتاريخنا المعاصر، ولنكمل عزيزي القارئ رحلتنا في التاريخ الياباني فقد يستفيد شعبنا العربي من هذه الرحلة المتشابكة والمعقدة في محيط التاريخ بطوفانه وأمواجه المتلاطمة. ففي الثالث من شهر يناير عام 1868 ألغي نظام أمراء الشوجن في اليابان، وقام شباب السموراي بتعزيز نظام الحكم الإمبراطوري، كما قووا سيطرتهم على حكومة البلاد. وسمي الإمبراطورالجديد، بالإمبراطور ماتسوهيتو، وكان شابا لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وقد عين بعد وفاة والده بطريقة غامضة، بعد أن اتهمت بعض العناصر المناوئة بتسميمه. وبدأت خلايا المقاومة ضد التغير الجديد، لتصبح مدينة ايدو مركز المقاومة ضد الإمبراطور، كما أستقر أنوموتو تاكاكي في مقاطعة هوكايدو ليقيد المقاومة، وحاول إعلان جمهورية جديدة منفصلة، وحصل الاعتراف من الأمريكيين، ولكن انتهت محاولته بالفشل.
وفي عهد الإمبراطور الجديد، الذي سمي بعهد ميجي، وتعني عهد التنوير، برزت اليابان كأمة قوية، فأنهي نظام الإقطاع، وألغيت طبقة العسكر السموراي، وشكلت حكومة مركزية قوية، لتبدأ التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . وفي عام 1881، أنشاء الحزب الديمقراطي اللبرالي، وتلاه بعد عام، إنشاء حزب الإصلاح الدستوري، لتبدأ المعارضة في اتهام الحكومة بإبقاء السلطة المطلقة في يدها، وباسم الأمبراطوز. وأستمر الشعب الياباني العمل بجد واجتهاد، وسجل انتصارات كبيره في الإنتاج، واشتدت المنافسة مع الغرب. وفي عام 1909 كتب المؤلف سورو كارا يقول: "أنظروا لليابان.....تحاول جاهدة أن تشق طريقها لتكون قوة عالمية.......فهي كضفدعة تحاول أن تنمو لتكون بحجم البقرة.....وطبعا ستنفجر.....هذا الصراع يؤذيني ويؤذيك.....فليس هناك وقت للاسترخاء." والسؤال هل فعلا ستنفجر؟
وفي عام 1912، خلف الإمبراطور يوشيهوتو والده، بعد موته من أختلاطات مرض السكري. ولم يكن الإمبراطور الجديد بصحة جيدة، فقد أصيب بالتهاب السحايا في صغره، وكان دائم المرض، وساءت حالته، فاستلم أبنه هيروهيتو الحكم في عام 1921، ليتوج إمبراطورا بعد وفاة والده في عام 1926. وقد سمي عهد الإمبراطور الجديد بعهد السلم المجيد، ولكنة كان في الحقيقة حقبة حروب متتالية، فقد وافقت اليابان أن تكون حليفة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، ولكن لم يكن لها دور يذكر في الحرب، فاستغلت اليابان فرصة انشغال الحلفاء بالحرب، لتغزو الأجزاء المحتلة من قبل ألمانيا من الصين، بالإضافة للجزر المحتلة من قبل الألمان في المحيط الهادي.
وقد كان انشغال الحلفاء بالحرب فرصة لنمو الاقتصاد الياباني، وبعد انتهاء الحرب تدهور الاقتصاد الياباني، وزادت النقمة ضد فساد ما سمى بالديمقراطية الغربية، كما دعي العسكر بضرورة التوسع في الدول المجاورة لتوفير الموارد الطبيعية اللازمة. ففي عام 1931 فجر الجيش الياباني حافلة قطار واتهموا الصينيين ليقووا قبضتهم على منطقة منشوريا في الصين، وسيطر العسكر على البلاد وبدون رقيب، مبررين تسلطهم لحماية اليابان من المستشارين الشياطين الذين يحومون حول الإمبراطور، ولإنقاذ البلاد من السيطرة الغربية الفاسدة.
وقد بدأت تبرز أفكار فلسفية لتبرير التوسع لحل مشكلة زيادة السكان، وخاصة بعد أن منع الغرب اليابانيين من الهجرة أو المتاجرة في السوق الدولية. وقد أعتقد بعض اليابانيين بضرورة الحرب لتخليص العالم من السيطرة الغربية وبالأخص الأميركيين، وخاصة بعد أن تأثر بعض المسئولين من أراء قديمة لراهب بوذي عاش في القرون المتوسطة، اسمه نشيرين، واعتقدوا بضرورة الحرب العظيمة التي ستنهي جميع الحروب في المستقبل، بالإضافة للحاجة الضرورية لليابان للموارد الطبيعية المتوفرة في الدول المجاورة، لتستطيع الاستعداد لهذه الحرب الكبيرة ضد الولايات المتحدة. بالرغم من أن الكثير من اليابانيون كانوا يعتقدون بضرورة استخدام الطرق السلمية لقيادة الدول الأسيوية نحو مجابهة السيطرة الغربية في المنطقة.
وقد برزت اليابان وبنجاح في عام 1936 بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، ولكن مع الأسف تبعتها عدة أزمات أخرى، بعد أن كان دخل معظم أفراد الشعب محدود جدا، مع أن البعض القليل كانوا يستمتعون بثراء فاحش. ومع ازدياد عدد السكان خلقت مشاكل أضافية معقدة، كما أدي التقدم الصناعي لتقوية سيطرة الحكومة على المصانع والشركات، فعملت الحكومة على فرض سيطرتها والمحاولة للتخلص من المنافسة الغربية، وفي نفس الوقت قوى العسكر سيطرتهم على الحكومة. وفي عام 1936، وقعت اليابان اتفاقية مع ألمانيا وايطاليا لتبادل المعلومات حول تحركات السوفيت.
وفي عام 1937، دخلت اليابان حرب ناجحة ضد الصين، بعد حادثة جسر ماركوبولو، التي بدأت بإطلاق النار بين الجيش الياباني والصيني. وفي عام 1940، وقعت اليابان معاهدة مع ألمانيا وايطاليا للدفاع عن بعضهم البعض في حال أي اعتداء أمريكي، بالإضافة لتأكيدهم بدعم اليابان لقيادة منطقة شرق أسيا. وقد شجع ذلك اليابان لغزو الجزء المحتل من فرنسا للهند الصينية، مما أدى لفرض الولايات المتحدة الحضر على تصدير النفط والحديد وبعض المواد الضرورية الأخرى لليابان. وفي عام 1941، وبعد الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي، توغلت اليابان في الهند الصينية. فقامت الولايات المتحدة بتجميد جميع ممتلكات اليابان في أمريكا، ومنعت أية بضاعة أمريكية من دخول اليابان. وقرر الرئيس روزفلت وبصفة غير رسمية بقصف المصانع اليابانية لتدمير إلية الصناعة الحربية.
وتحت ضغوط نقص الطاقة في البلاد وعدم توفر الموارد الطبيعية، قررت اليابان الانسحاب من الهند الصينية، ولكن أصرت الولايات المتحدة على ضرورة الانسحاب من الصين أيضا. فلم يجد اليابانيون إمامهم إلا خيار الحرب لمنع التوسع الأمريكي في المنطقة، وتوقعت اليابان بأن تحقق النصر، كما انتصرت من قبل على السوفيت. وفي السابع من ديسمبر 1941 بدأت اليابان الحرب البلسيفكية بضرب الجيش البريطاني في كتو بورا بمالي، وقد أعقبتها بعد تسعين دقيقة بضرب الأسطول الأمريكي ببيرل هابر، والتي أدت لجرح وقتل مئات الأمريكيين وتحطيم جزء كبير من أسطولهم وطائراتهم الحربية. واستمرت اليابان بالغزو وبالتتالي للفلبين، وتايلاند، وجواهم، وهنكونغ، وبرنو، وسنغافورة، وسو مطرا، وتيمور، وبالي، وباتا فيا، وروجن، وجاوا.
وفي السابع من شهر مايو عام 1942، هزمت اليابان ولأول مرة في معركة بحر الكورال، واستمرت الهزائم المتتالية بدءا من معركة الميدوي، فقررت اليابان وقف مخططاتها لغزو كلدونيا الجديدة، فيجي، سامو، استراليا، ونيوزيلندا. كما فقدت اليابان سيطرتها على ساببن في المريانس. وفي الخامس عشر من أكتوبر عام 1944، انهزمت اليابان في معركة ليت في الفلبين، مع خسارة كبيرة في أسطولها الحربي، بالرغم من استخدامها للطائرات الانتحارية مع الطيارين الكاماكيز "رياح الإله".
وفي اليوم العاشر من شهر مارس عام 1945، بداء الأمريكيون الهجوم على المدن اليابانية وعلى رأسها مدينة طوكيو، مما نتج عن ذلك قتل مئات الآلاف من المدنيين العزل، وفقد الملايين لسكنهم، بعد أن تحولت المدن اليابانية إلى أراض محروقة، كما غزى الأمريكيون جزيرة اوكيناوا اليابانية. وفي يوم الخامس من أغسطس عام 1945، ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية على مدينة هروشيما، وتلتها بقنبلة أخرى على مدينة نكزاكي يوم التاسع من نفس الشهر، مما أدى باليابان للاستسلام وبدون شروط.
يلاحظ القارئ العزيز بأن اليابان حاولت منع التسلط الغربي على منطقة شرق أسيا، كما حاولت توحيد المنطقة تحت قيادتها. وتصورت بأن غزو جيرانها والسيطرة على مواردهم الطبيعية ستؤدي لانتصارها في معركتها مع الغرب. ولكن كما قال رون فون عن سياسات بسمارك في توحيد ألمانيا وانتهائها بدمار الحرب، بأن لا أحد يأكل من شجرة اللاخلاقيات بدون حصانة. فهل سنتعلم من دروس التاريخ؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
.........................
................... -يا اخي وكأن البحرين لا يوجد فيها مشاكل حتى تكتب عن اليابان, واذا لم يعجبك الكتابة عن بلدك البحرين, هل لا يوجد مشاكل في العالم العربي والاسلامي استحوذت على اهتمام عقلك حتى تنفصل عن الواقع وتكتب عن التجربة اليابانية.هل يا ترى يوجد انسان واحد في اليابان أو في اي مكان في العالم يترك بلده ومحيطه الغارق بالمشاكل والهموم ويكتب عن مكان لا ينتمي له بل هو مكروه هناك
شكراً للكاتب
متابع -شكراً مرة اخرى على متابعات خليل حسن لتاريخ وتجربة اليابان، هذه التاريخ الذي لم يخل من تناقضات وإرهاصات تاريخية، فكانت ظالمة ومظلومة. إلا أنها نفضت عنها كل ما تعلق بتاريخها من شوائب لتنتفض وتحقق إحدى أهم التجارب تقدماً وحضارة في تاريخ البشرية. من يعلم، قد نفكر نحن في هذه البقاع بالإستفادة منها، رغم أنه لن يكون أكثر من مجرد حلم. لاحظوا مثلاً التعليق رقم ١ لتتأكدوا من تشاؤمي بحال هذه البلاد. إن وجود بضع أشخاص، في الواقع، من طينة هذا المعلق يكفي أن يُبقي بلادنا مثالاً نموذجياً لقلة المدنية والمعارف الإنسانية.
اذا لم تستح
بحريني سني -اضم صوتي الى صاحب التعليق الأول واستغرب ان يكون هناك بحريني مثل خليل حسن منفصل عن الواقع ومتبلد الاحساس الى هذه الدرجة.للعلم أنا سني حتى لا اتهم بالطائفية, وكنت اتمنى لوكتب فاضي البال ومرتاحه أي خليل حسن عن التدخل الايراني في البحرين مثلا أو عن البطالة..........