الأزمة السورية بين بوتين وأردوغان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقف العلاقات التركية - الروسية على بحر من العداء التاريخي منذ الحروب المتتالية بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية مرورا بمرحلة الحرب الباردة عندما كانت تركيا تقوم بدور الشرطي الأطلسي في مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق وليس انتهاءا بالصدام المتعدد المستوى تجاه الأزمة السورية ومجمل السياسات في الشرق الأوسط، ولعل مصدر هذا العداء والصدام هو التناقض في الاستراتيجيات والاختلاف في السياسات والمصالح والرؤى.
زيارة بوتين إلى أنقرة يوم الأثنين بعد أن تأجلت بسبب التوتر الذي جرى بين البلدين على خلفية إجبار السلطات التركية طائرة سورية مدنية متجهة من موسكو إلى دمشق وكان على متنها 17 راكبا روسيا قبل نحو شهر وتفتيشها بحجة وجود أسلحة على متنها، هذه الزيارة والتي تأتي في إطار الاجتماعات الدورية لمجلس التعاون الإستراتيجي الإعلى الذي تأسس عام 2010 تأتي في وقت حساس بسبب تفاقم الخلاف بينهما على كيفية حل الأزمة السورية وإصرار تركيا على اتخاذ المزيد من الاجراءات العسكرية، ولعل أخرها نشر أنقرة صواريخ باتريوت على أراضيها، وتحديدا في المناطق الحدودية مع سورية، وهو الأمر الذي قالت روسيا عنه أنه يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. دون شك ، العلاقات الاقتصادية والمصالح المشتركة والكبيرة بين البلدين، تشكلان عاملا مهما في هذه العلاقات، خاصة إذا ما علمنا ان روسيا هي الشريك التجاري الأول لتركيا، بعد ان بلغت حجم التجاري بين البلدين نهاية العام الماضي ثلاثين مليار دولار، وتؤمن تركيا ما بين ستين إلى سبعين بالمئة من مواردها في مجال الطاقة من روسيا التي هي الأولى عالميا في مجال انتاج النفط والمصدر الأهم للغاز في العالم. لكن رغم أهمية هذا العامل المهم ودوره في تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين فان ثمة صراع مرير على العديد من المناطق الاستراتيجية في العالم ولاسيما الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ولاسيما دول القوقاز التي تعم على بحر من النفط والغاز، حيث الصراع العالمي على مد خطوط الطاقة من هذه المناطق إلى الدول الاطلسية بشقيها الأوروبي والأمريكي. القيادة الروسية وانطلاقا من مصالحها، موقفها واضح من الأزمة السورية، لعل أهمه معالمه، الرفض المطلق للتدخل العسكري والتمسك بإيجاد حل سلمي عبر مرحلة انتقالية من خلال حوار يفضي إلى مثل هذا الحل، حيث طرحت مرارا اتفاق جنيف كأساس يمكن الاعتماد عليه للحل، وهو ما كرره المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في تقريره الأخير أمام الأمم المتحدة، في حين القيادة التركية التي انخرطت في الأزمة السورية واحتضنت منذ البداية المجلس الوطني السوري والجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة تتهرب من هذا الحل، وتعمل لإسقاط النظام على الأرض وتخطط لمشهد سياسي سوري مستقبلي يوائم سياسة حزب العدالة والتنمية في مرحلة ما بعد النظام السوري، وهي سياسة تهدف إلى إيصال مجموعات لها ايديولوجية دينية محددة وتحديدا حركة الأخوان المسلمين إلى الحكم. روسيا التي تخشى من هذا البعد الإيديولوجي في السياسة التركية ولاسيما في ظل وجود قرابة خمسين مليون مسلم في جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت حتى وقت قريب جزءا من الأراضي الروسية، تنظر بعين الخوف إلى تداعيات هذه السياسة على أمنها القومي، وهي في مواجهة ذلك تعمل على دفع الأمور باتجاه الحوار بين النظام والقوى السورية المعارضة التي تجنح نحو بالحوار مثل هيئة التنسيق الوطنية وحتى المنبر الديمقراطي من أجل حل الأزمة السورية سلميا، وهي تفعل ذلك تحارب على جبهة مجلس الأمن الدولي دبلوماسيا إلى جانب الصين من خلال الفيتو الجاهز، وقد استخدمته مرارا في مجلس الأمن، فضلا عن دعم مهمة المبعوث الدولي والعربي في البحث عن نقطة ينطلق منه الحل السلمي. دون شك، سيحاول اردوغان القول لبوتين ان المعطيات والمتغيرات والوقائع بشأن الأزمة السورية قد تغيرت، وان على روسيا الاستجابة لكل ذلك كي لاتتكر معها تجربة ليبيا، لكن الثابت ان روسيا التي تخوض صراعا استراتيجيا مع الغرب الذي تركيا جزءا وظيفيا في منظومته الاستراتيجية، روسيا هذه وانطلاقا من مصالحها الاستراتيجية ستعمل من أجل عدم تكرار التجربة الليبية، وهو ما يجعل من لقاء بوتين - اردوغان في شقه السوري لقاء تثبيت المواقف لا أكثر، فاردوغان لا يستطيع التراجع عن مواقفه بعد أن قطع العلاقات نهائيا مع النظام السوري، فيما لن يقدم بوتين هدية مجانية له خاصة وانه يتحدث من منطلق الحاكم القيصري والدولة الاستراتيجية القوية.