فضاء الرأي

أسلمة شعارات الثورة السورية وأدبياتها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا يبدو مسعى التخويف من النزعة "الإسلامية" للحراك الشعبي في سوريا مقتصراً على خصومها فحسب، تلك حقيقة وواقع بات يدركه السوريون وهم يرون دماءهم تسيل على جنبات مظاهراتهم التي عرفت زخماً جماهيرياً كبيراً قبل أن تسير بهم دروب الحراك في دهاليز المواجهة العسكرية والاحتراب الداخلي، بقصد أو من دون قصد. فحتى الحلفاء والمناصرون من خارج سوريا، وهم طيف متنوع من أقصى الشرق الآسيوي (كاليابان) وحتى أقصى الغرب على ضفتي الأطلسي، مروراً بالدول العربية التي تفاوت حجم تأييدها، كانوا ولا يزالون يخشون مما يسمونه "تفاقم" نزعة الأسلمة لحراك سلمي شعبي لمجتمع متعدد الإثنيات والطوائف والمذاهب، وما عرف احتقاناً او احتراباً طائفياً داخلياً فيما سبق.
لا يمكن القول بداية إن أدبيات الثورة السورية قد راكمت بما يكفي لتعبر عن نفسها أولاً وعن حشود مؤيديها تالياً، فما كتب حتى الآن مجرد "نثار" أدبي و"خواطري" وجد في وسائل التواصل الاجتماعي "متنفساً" له في ظل انشغال الجميع بالعمل الميداني في الوقت الراهن، وعليه، فإن الخوف أو التخوف من "امتلاء" بعض الأدبيات بالمصطلحات والشعارات الإسلامية غير دقيق في ظل قلّته أولاً، ووجود مقابل "علماني" أو "إنساني" يعلي من شأن مفاهيم الديمقراطية والحرية والتعدد وقبول الآخر والتسامح المجتمعي، على الرغم من كل ما جرى، وهو أمر يمكن تلمسه بسهولة لدى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي وبعض ما كتب حتى الآن.
من المهم التأكيد على أن مسعى "استدعاء" الإسلاموفوبيا والتخويف من مساعي الأسلمة و"السلفنة" لكل مناحيها كان هدفاً للآلة الإعلامية الرسمية وكل من حالفها من أدوات إعلامية إقليمية في كل من لبنان والعراق وبعض الدول العربية التي كانت ترفع لواء "العروبة" و"القومية" في مواجهة خصومها ليسقط هذا القناع مع تهاوي حصون القومية في العالم العربي بمجيء ربيعه، فبدأ التجييش الطائفي والحرص على إبراز توافد الجهاديين إلى سوريا من كل بقاع العالم، ومواجهة المشروع الإخواني- السلفي في سوريا، وتحفيز الأدوات المذهبية والطائفية لمواجهة الحراك السوري الذي كان على المستوى الشعبي والنخبوي رافضاً لمفردات خطاب إعلامي يجرمه ويصفه بكل أوصاف التطرف والتشدد والمغالاة، على مبدأ "رمتني بدائها وانسلت"، فيما كانت ذات الأدوات الإعلامية توجه خطابها في الوقت نفسه، إلى جمهورها الأقلوي والقومي (ولو من حيث الظاهر) للوقوف في وجه الهجمة الإسلامية التي تتعرض لها سوريا، في اصطفاف طائفي ومذهبي وحتى حزبي وجد الشعب السوري نفسه في مواجهة خصوم يمتلكون كل وسائل المواجهة أمام صوت هتافاته وشعاراته البسيطة.
"الموت ولا المذلة" شعار سوري بامتياز لا يعدم المنقب عن جذوره التاريخي مستنداً له، والمفاجئ أن المستند سيكون هذه المرة مفارقاً لكل ادعاءات الخصوم وتخرصاتهم، فجذور الشعار الهتاف تعود إلى الإمام الحسين بن علي، رضي الله عنه، في المعركة الشهيرة التي استشهد فيها وهو يقول: " ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك" وهو شعار لطالما ردده الشيعة في مناسبات استذكار الإمام الحسين رضي الله عنه، لكنه شعار مركوز في غياهب اللاوعي المجتمعي السوري، وخرج تحت شعار عريض ومعلن مسمياً ثورته بثورة الكرامة.
الطريف في الأمر أن كثيراً من خصوم الثورة السورية لم يفتؤوا يهزؤون من شعار "الموت ولا المذلة" بقولهم: "الموز.. ولا البازلاء".. وما دروا أنهم بذلك يمسون شعاراً يرددونه بألسنتهم دون أن يجاوز عقولهم أو محاكماتهم لما يسخرون منه!؟ محاولين الإيحاء أن لبّ الحراك السوري هو مطالب شعبية اقتصادية بالدرجة الأولى.
لن أتوسع في سرد الشعارات التي يرددها السوريون في كل مظاهرة تخرج في كل جمعة، ولا في عناوين الجمع التي اكتست عناوين وحدوية ومناطقية وإثنية للتأكيد على بعدها عن التطرف والانقسام والمذهبة التي يحاول خصومها لصقها بها، يكفي أن تطالع على اليوتيوب، وهو المصدر الرئيس للتوثيق بالنسبة للسوريين في الوقت الراهن، بعد أن تحرروا من عباءة أي إعلام موجه، حتى لو كان يخدمهم ويؤيدهم، فما يسمى بـ"قسم الثورة"، وهو شعار يردده المتظاهرون في كل تجمع يتسنى لهم الخروج فيه، يطفح بالتأكيد على معالم نضج سياسي رغم شعبية الحضور في كثير من الأحيان، وباستثناء لفظ القسم "أقسم بالله العظيم" بداية القسم، و"إعلاء كلمة الله" في نهايته، ترن عبارة لها وقع قل نظيره بالنسبة لجمهور متحمس في ظروف استثنائية "ألا أكون طائفياً وأن أكون متسامحاً" دون أن تقلل من وقعها عبارة "وأن أنتقم ممن سفك دماء السوريين"، فالانتقام شيء.. والحقد الطائفي أو المذهبي أو الإثني شيء آخر، وهو لا يعدو (أي الانتقام) أن يعبر شعبياً عن مفهوم العدالة والقصاص لا أكثر.
نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها، وهي أن الخطاب الرسمي السوري يطفح بالتركيز على شعار "آخر معاقل العلمانية" في المنطقة، وهو شعار لا يقل استفزازاً بالنسبة لشعوب المنطقة بأسرها ومن كل التوجهات الفكرية، في ظل ضعف تمثيله وحضوره على مستوى الخطاب الشعبي وما يحمل من دلالات "إقصائية" للدين من الموروث الجمعي لشعوب المنطقة، الأمر الذي قد يبرر، من وجهة نظر البعض، لكثير من الشعارات والخطابات التي قد تكتسي طابعاً إسلامياً من باب النكاية.. ليس إلا.


... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اتعبت نغسك جزافا
حكيم -

مقالة ضعيفة غير مقنعة لا اعتقد ان الكاتب نفسه مفتنع بها و يعرف ان طرحه غير مقنع و لا واحد عنده اطلاع يصدقه فكون التمرد الرجعي في سوريا هو اسلامي حتى النخاع فهو حقيقة واقعة و لا يمكن حجبها بوضع صورة جورج صبرا في الواجهة الذي تم تعينه من قبل الماسونية العالمية التي تحرك الثورة للتعمية و التغطية على اسلامية الثورة و للتمويه ان للاقليات ايضا لها وزنها

أسلمة الثورة
سوري ديموقراطي -

السورية لم تعد فقط شعارات للأسف. الجماعات الراديكالية و التكفيرية والألوية السلفيةالإسلامية التابعة لما يسمى بالجيش الحر التي تدعي بمحاربة المجرم بشار أصبحت تفرض إرهابها على مناطق واسعة في سوريا. هذه الجماعات تريد بناء إمارة إسلامية في حلب, نهبت وحطمت الكنائس في حلب والحسكة وبإسم الإسلام اصبحت تحارب االأقليات غير المسلمة كالإزيدية والمسيحية. أين بقيت ثورة الشعب السوري من أجل الحرية ضد المجرم بشار؟ هل حارب الشعب السوري الطاعون لكي تحل مكانه الكوليرا؟ وشكرا لإيلاف العزيزة منبر الرأي الحر.

أسلمة الثورة
سوري ديموقراطي -

السورية لم تعد فقط شعارات للأسف. الجماعات الراديكالية و التكفيرية والألوية السلفيةالإسلامية التابعة لما يسمى بالجيش الحر التي تدعي بمحاربة المجرم بشار أصبحت تفرض إرهابها على مناطق واسعة في سوريا. هذه الجماعات تريد بناء إمارة إسلامية في حلب, نهبت وحطمت الكنائس في حلب والحسكة وبإسم الإسلام اصبحت تحارب االأقليات غير المسلمة كالإزيدية والمسيحية. أين بقيت ثورة الشعب السوري من أجل الحرية ضد المجرم بشار؟ هل حارب الشعب السوري الطاعون لكي تحل مكانه الكوليرا؟ وشكرا لإيلاف العزيزة منبر الرأي الحر.