أصداء

الكون الكلي 3

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه Freidrich Nietzsche إن نصف المعرفة تنتصر على المعرفة الكاملة بسهولة لأنها ترى الأشياء بصورة أسهل مما هي عليه في حقيقتها ومن هنا فهي تعطي عنها فكرة أكثر قابلية للفهم وأكثر إقناعاً.

يشاع لدى عدد لا بأس به من العلماء اليوم أن الحياة والوعي مهمان في التنظيم الكوني العظيم للأشياء، فالعقل والذكاء والوعي، وبالتالي الحياة، في الكون المرئي تمثل حقيقة كونية هامة وهي أنه: حيثما يكون هناك كون تكون هناك حياة في شكل ما.

فلقد شهد العلم خلال القرن العشرين المنصرم ثورة حقيقية بحكم التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققه البشر خلال قرن من الزمن وتوافقت كل الفروع العلمية تقريباً على أن أغلب الأشياء الكونية التي ندرسها لم تكن دائماً كما هي عليه الآن عند رصدها ومراقبتها أو مشاهدتها. فهذه الأرض التي نعرفها ونعيش فوقها لم تكون موجودة عند ولادة الكون المرئي ولم تكن هناك حياة عليها عند نشوئها، فمن أين جاءت الحياة ومنذ متى تواجدت هذه الحياة على الأرض وكيف حصل التحول من الجماد إلى الكائن الحي وما هو سر هذه الحياة وهل هناك آثار علمية تدل على بدايتها الحقيقية وما هو شكل تلك البداية وآلياتها؟ هذه الأسئلة الحساسة وغيرها الكثير طرحت على مدار سير التاريخ الفكري، ومنه تاريخ العلوم، للبشر لأنها تدفعنا للبحث عن أصلنا، وسنكرس حلقة كاملة لهذا الموضوع لاحقاً ونطرح فيها كل النظريات العلمية، منذ القدم إلى يوم الناس هذا. وحتى النجوم التي نراها يومياً وكأنها خالدة وثابتة لا تتغير على مر الأزمان هي في حقيقة الأمر كباقي الموجودات المادية تولد وتتطور وتشيخ وتتحول وتنازع أو تحتضر ومن ثم تموت وتختفي أو تتحول إلى شيء آخركالثقوب السوداء مثلاً. وكذلك الذرات البدائية لم تكن موجودة دائماً فالكون المرئي البدائي لم يكن يحتوي على ذرات العناصر التي نعرفها اليوم بل فقط جسيمات ما دون الذرية، الأولية التأسيسية المتخمة بالطاقة، فالذرات ولدتها النجوم فيما بعد بكل أنواعها الخفيفة والثقيلة بفعل التفاعلات النووية العنيفة.فكل شيء متحرك في الكون المرئي فهو إذن غير ثابت وغير مستقر وفي حالة توسع وتمدد متسارع أكثر فأكثر، وبعد أن كان حار جداً بما لايمكن لبشر أن يتصوره أصبح اليوم بارد جداً ويزداد برودة يوماً بعد يوم. وهذا يعني أن لهذا الكون المرئي تاريخ. فهو لم يعد يستند على ظهر سلحفاة ضخمة أو ظهرت حوت عملاقة كما كان يعتقد القدماء، وليس محدداً بالمجموعة الشمسية كما أعتقد كثيرون لقرون خلت. لقد تطورت فكرة الكون منذ القرن السادس عشر 1609-1610 وتبلورت منذ عصر غاليلو غاليله الذي يعتبر الأب الحقيقي للفيزياء المعاصر مع من سبقوه من الرواد في هذا الميدان ومهدوا له الطريق.بات واضحاً اليوم أن الكون المرئي مكون من مادة وطاقة وتحكمه قوانين جوهرية ثابتة اكتشفها البشر بمساعدة لغة الرياضيات، أي أن الكون المرئي محكوم بمفاهيم الوحدة والقانون والنظام. ومن هنا أصبح هذا الكون المرئي موضوعاً للعلم بما أنه يمتلك كم من المعايير والثوابت والكموم المحددة التي تتوقف عليها دالة من المتغيرات المستقلة التي يمكن صياغتها بمفاهيم ومصطلحات قابلة للقياس والدرس. فالفكرة العلمية عن الكون التي صاغها غاليله Galileacute;e واستأنفها نيوتن Newton من خلال تطويره لأول نظرية كونية هي نظرية الثقالة أو الجاذبية التي هي إحدى القوى الجوهرية الأربعة المسيرة للكون المرئي المرصود. وتكرست النظرة العلمية للكون المرئي والمرصود بفضل النظرية العلمية الثورية في وقتها وهي نظرية النسبية العامة لآينشتين La relativiteacute; geacute;neacute;ral drsquo;Einstein التي قدمها سنة 1915 والتي اعتبرت أعظم أداة علمية قدمت في بداية القرن العشرين لترسيخ الخطاب العلمي بشأن الكون المرئي والمرصود. فهناك تقنين رياضي يفترض وجود قوانين فيزياء تطبق بنفس الطريقة في كل مكان وزمان في هذا الكون المادي المرئي وإنه يتم التعبير عن تلك القوانين الفيزيائية بلغة الرياضيات Le Langage matheacute;matique. كانت خصوية آينشتين تكمن في أنه اعتبر الثقالة أو الجابية ليست قوة بالمعنى الكلاسيكي للعبارةبل تجلي محلي لتشوه المادة الذي تجريه على الزمكان lrsquo;espace-temps لكوننا المرئي الذي يفرض بدوره حركته على المادة المكونة له، وبفعل التفاعل بين المادة والزمكان، يمكن لهذا الأخير، أي الزمكان، أن ينطوي أو ينحني أو يتحدب se courber أو يتمدد se dilater أو ينكمش أو يتلقصse cintracter. بعبارة أخرى إن تحدب أو إنحناء الزمكان يملي على المادة كيف تتحرك والمادة تملي على هندسة الزمكان la geacute;omeacute;trie de lrsquo;espace-temps كيف تتحدب، وبالتالي تسمح نسبية آينشتين بوصف الخصائص الكلية proprieacute;teacute;s globales للكون المرئي والمرصود.

في سنة 1929 اكتشف العالم إدوين هيوبل Edwin Hubble بفضل تلسكوب هوكر Hooker المنصوب على قمة جبل ويسلون،ظاهرة تباعد المجرات عن بعضها البعض بسرعة كبيرة تتناسب مع المسافات القائمة بينها فكلما كانت المسافة كبيرة كانت سرعة التباعدة كبيرة وكان هذا دليل على أن الكون المرئي المرصود في حالة توسع en expansion وليس ساكناً على التصور السائد آنذاك. واتضح فيما بعد أن الذي ينتقل ويتسع ليس المجرات بل المكان أو الفضاء نفسه هو الذي يتمدد حاملاً معه المجرات. ومنذ ذلك الحين فهم العلماء إنه في حالة نظرهم للظاهرة بالمعكوس سوف يظهر ذلك أن الكون المرئي المرصود في ماضيه البعيد كان أصغر بكثير وأكثر كثافة وأكثر سخونة مما هو عليه اليوم، ولو توغلنا في الاتجاه المعاكس فإننا سوف نصل إلى حجم معدوم taille nulle وإلى نقطة انطلاق أصلية pointe origine أي فرادة بدئية أساسية singulariteacute; initiale انطلق منها الكون المرئي وتوسع وتمدد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك شخص ثالث هو الراهب البلجيكي جورج لوميتر Georges Lemaitre الذي كان أول من صرحج بهذه الفكرة سنة 1927 والتي تقول أن الكون المرئي المرصود يمكن أن يكون في حالة توسع وتمدد انطلاقاً من نقطة بدئية أولية معدومة الأبعاد.وهو الذي تحدث بفكرة الذرة البدائية Lrsquo;atome primitif التي سبقت فكر الانفجار الكبير البيغ بانغ Big Bang. زفي سنة 1964 تم اكتشاف الخلفية الكهروموجية الكونية المنتشرة fond diffus cosmologique التي أثبتت أن للكون ماضي سحيق وإنه مر بمرحلة كان فيها في غاية الكثافة والسخونة وكانت له بداية تعود إلى 13.7 مليار سنة تقريباً.

في سنة 1950 أثبت العالم من أصل روسي جورج غاموف George Gamow أن الكون البدائي لم يكن فقط كثيف وساخن فحسب بل كان في غاية الاضطراب أي ذو طاقة هائلة eacute;nergeacute;tique حيث عاشت المادة حالة من الحمى لا يمكن تخيلها.

وضع عدد من العلماء تحفظات معرفية على أطروحة الولادة والخلق ونقطة الانطلاق التي شاعت من جراء انتشار وشعبية الصيغ الأولى نظرية الانفجار الكبير. ففي ذلك الوقت لم تعر النظرية اهتماماً ولم تحسب حساب سوى لقوة واحدة هي التي كانت معروفة آنذاك وهي قوة الثقالة أو الجاذبية وهي فاعلة وعلى مدى لا محدود حيث أن القوة الممارسة بين كتلتين لا تكون معدومة إلا كانت المسافة الفاصلة بين الكتلتين لا نهائية. ولكن لو عدنا إلى الوراء إلى ماقبل 13.7 مليار سنة فسوف نجد أن المادة كانت موجودة في ظروف فيزيائية غاية في الخصوصية والتفرد إن لم نقل خارقة للطبيعة بحيث ليس بوسع النسبية العامة لآينشتين أن تصف وحدها تلك الحالة الفريدة مكن نوعها لأن هناك تفاعلات جوهرية أخرى غير الثقالة تدخل في الحسبان. وهي التفاعلات الكهرومغناطيسية والتفاعلات النووية الضعيفة والشديدة أو القوية التي تحدد وتتحكم بسلوك المادة خاصة عندما تكون هذه الأخيرة ساخنة جداً ومكثفة جداً وفي حالة اضطراب وحركة هائجة. فالتفاعل الكهرومغناطيسي Lrsquo;interaction eacute;lectromagneacute;tique الذ اكتشفه جيمس كليرك ماكسويل James Clerk Maxwell في منتصف القرن التاسع عشر، هو أكبر كثافة وقوة من الثقالة أو الجاذبية وبفضله تعمل كافة أجهزتنا الكهربائية البيتية والصناعية وهي التي تؤمن التماسك coheacute;sion بين الذرات الخلايا والجزئيات الخليوية وتتحكم بكافة التفاعلات الكيمائية والظواهر البصرية المنتظمة على هيئة فوتونات. أما التفاعل النووي الضعيف Lrsquo;interaction nucleacute;aire faible الذي أكتشف في سنوات الثلاثينات فمداه صغيرة جداً ويقدر بحوالي جزء من المليار من مليار من المتر، أي جزء ضئيل من حجم نواة الذرة وهو تفاعل اتصال أي لا يمكن لجسيمين أن يتفاعلا إلا بعد اتصالهما مادياً وهذه القوة هي المسؤولة عن إشعاعات بيتا النووية radioactiviteacute; beta التي بفعلها يتفكك النيوترون إلى بروتون وإلكترون مع بعث مشترك لجسيم مضاد هو النيترونو المضاد أنتينيوترينو antineutrino الذي يلعب دوراً مهماً في تكوين نوى الذرات وكما يدل عليه إسمه فهو ذو خاصية ضعيفة جداً تجعل من الصعب رصده او مراقبته ولكن هذا لا يمنعه من لعب دور جوهري ومهم خاصة داخل الشمس حيث يدير تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين ولو اختفت هذه القوة من الكون فسوف تتوقف شمسنا عن الإشعاع والإضاءة. وأخيرا التفاعل النووي الشديد أو القوي Lrsquo;interaction nucleacute;aire forte وهو الأكثر كثافة وحدة بين القوى الجوهرية الكونية الأربعة وتم اكتشافه في نفس الفترة التي اكتشفت فيها القوة النووية الضعيفة ومداه قصير جداً بحجم نواة ذرة أي بنسبة 10-15 من المتر ويعمل على تماسك الذرات وكأنه صمغ لاصق glu الذي يلصق جزيئين ذريين 2 nucleacute;ons بروتون أو نيوترون متصلين مع بعضهما وتضعف هذه القوة بمجرد أن نبعد إحداهما عن الأخرى، وهو تفاعل قوي جداً.والحال إن النسبية العامة لآينشتين لم تأخذ بالاعتبار أيا من هذه القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى المذكورة بل تتعامل فقط مع الثقالة أو الجاذبية لوصف الكون المرئي والمرصود في حجمه الهائل واتساعه المهول لذلك كان لا بد من إيجاد نظرية فيزيائية مكملة تتعامل مع هذه القوى الكونية الجوهرية الثلاثة وهي نظرية الكوانتا أو نظرية الكم La theacute;orie Quantique.


يتبع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف