جلال الطالباني

الجلطة التي أصابت جلال الطالباني، جعلتني أُعيد دفاتري التي تحتوي على سنواتٍ من العلاقات مع هذا الرجل، وقد التقيته في مؤتمر قمة الدوحة ودعاني لزيارته في بغداد ووعدته، ولكني لم أتمكن من تنفيذ وعدي.. وقد سبق لي أن أجريت حواراً مطولاً مع جلال الطالباني نُشر في مجلة المجلة منذ عقد من الزمان في عددين متتاليين، احتَّل فيهما غلاف المجلة، وأدلى لي بتصريحات تُسلط الضوء على كيف يفكر جلال الطالباني.. وبما أن الرجل في ألمانيا للعلاج، وأتمنى له الشفاء بإذن الله، إلا أن الكثيرين من العرب غير العراقيين لا يعرفون عن جلال الطالباني سوى النذر اليسير، وأرجو من المعلقين ألا يعتبروا ما سوف أنشره عنه إفلاساً كما يحلو لبعضهم أن يصفني عندما أعمل على إعادة موضوع سبق أن كتبته!!..
هذا الحوار يسلط لقراء إيلاف الضوء على جلال الطالباني قبل أن يكون رئيساً، حيث دار بيننا هذا الحوار في منزلي بلندن.
* * *

التقيته في لندن عام ( 1992 ) قادماً إليها من دمشق حيث اجتمعت الحركة الوطنية العراقية هناك وأعدت سلسلة مبادئ للعمل المشترك من أجل اسقاط النظام في العراق.
اللقاء مع جلال الطالباني طال هموم الأمة العربية والكردية، حيث تحدث بإسهاب عن تجربته السياسية مع صدام حسين من موقع المهادن والمعارض، وتحدث عن العلاقات المميزة ما بين الكرد والعرب.
* * *

bull;إلى أي مدى من الصراحة أستطيع أن أتحاور معك؟
- بصراحة كاملة لأنني لم أخف سياستي وتعاملي مع الأحداث في يوم من الأيام.. ولم أقل شيئاً لا أؤمن به.. قد تكون التقديرات تغيرت بتغير الظروف وهذا شيء طبيعي.. فأنا ضد الحكم العراقي الحالي، ولكن لو حل محله حكماً ديموقراطياً فسأكون من مؤيديه.

bull;حتى لو أصبح صدام حسين ديموقراطياً؟!
- صدام حسين لا يمكن أن يكون تقدمياً أو ديموقراطياً.. في مرحلة من المراحل كنا نعمل مع التيار البعثي قبل أن يستلم الحكم، ولكن عندما استلم الحكم وتحول إلى ديكتاتور أصبحنا ضده.. وهذا لا يمكن أن يسجل كتغير في موقف جلال الطالباني بقدر ما يعني تغييراً في وقف التيار الآخر.

bull;من خلال تعاملك مع صدام حسين عبر مشوارك السياسي كيف تستطيع أن تصف لنا هذا الرجل؟!
- صدام حسين ديكتاتور، طموح، لا يتقيد بالمبادئ والقيم العربية والإسلامية، ميكافيللي في أسلوب تعامله، لا يهمه إلا بقاء صدام حسين على سدة الحكم مهما كلف ذلك من دماء ودموع وتدمير اقتصاد أو جيش أو شعب.. أفكاره فردية نرجسية شوفينية.. وهو بعثي بقدر ما يخدمه ذلك في التسلط والنفوذ والتحكم.. وصدام حسين مغامر داخلياً وعربياً وخارجياً!.. لا يتورع عن شن الحروب ضد الشعب الكردي، وضد الشيعة في جنوب العراق، وحتى ضد تكريت أو إيران أو العرب والمسلمين لتحقيق أهدافه.

bull;هل تستحق تجربتك مع صدام وصفه بمثل هذه الأوصاف، خاصة وأنها تميزت بحوار ثم خلاف؟!
- الحقيقة أن التجربة كانت مع النظام ككل تجربة حوار من أجل إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، عندما كان الجيش العراقي قد أصيب بهزيمة كبيرة في معارك المحمرة بمنطقة خوزستان الإيرانية ووصل الجيش الإيراني إلى الحدود الدولية العراقية، أصر الحكم في إيران على مواصلة القتال ضد العراق، مما إعتبرناه نحن تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق، إذ أن مسألة إسقاط النظام وتغييره وتبديله هي مسألة داخلية عراقية في نظرنا يتولاها الشعب العراقي بقوميتيه العربية والكردية، وبالتالي لا يجوز لقوى خارجية أن تأتي وتفرض نظاماً معيناً على الشعب العراقي.. لذلك ارتأينا قبول وساطة الشهيد الدكتور عبد الرحمن قاسملو الأمين العام للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني للتفاوض مع الحكومة العراقية، وقمنا بمحاولات جادة من أجل الحل السياسي للقضية الكردية لكننا جوبهنا بتعنّت الحكم وإصراره على مواصلة سياسته الشوفينية المعادية للشعب الكردي، وخاصة بعد أن حصل على ضمانات من أمريكا والإتحاد السوفييتي بعدم السماح لإيران بتحقيق إنتصار عسكري على الحكم العراقي.. عندما تأكد صدام حسين من ذلك وعندما زاد الضغط عليه من بعض الأطراف المجاورة، رضخ لهذه الضغوط ورفض توقيع الإتفاق الذي تم التوصل إليه بعد أكثر من سنة من الحوار في اللحظة الأخيرة.. في اليوم المحدد رفض صدام حسين التوقيع على الإتفاق الذي كان قد تم بين الجانبين الكردي والبعثي في العراق مما أدى إلى انهيار المفاوضات واستئناف القتال من جديد.

bull;استاذ جلال.. المعروف أنك محنك سياسياً، وإنك تعاونت مع تيارات متناقضة ومختلفة.. كيف لم تخرج بنتيجة مع صدام؟!
- هذه التيارات حين تعاونا معها كانت في ظروف مشابهة لظروفنا.. مثلاً نحن تعاونا مع التيار الشيوعي، ومع التيار الناصري، ومع التيار البعثي، ومع التيار الإسلامي، كل في حينه وفي ظروفه، وأنا غير نادم على ذلك، والآن لا بد من التعاون مع كل الذين يعادون الدكتاتورية في العراق. وأعتقد أن السياسي الذي يمارس العمل النضالي الحقيقي والذي يريد التغيير والتطور لا يطرح شعارات فقط، بل لا بد منه أن يكون مواكباً لتطورات الأحداث، ومتعاوناً مع القوى العاملة في مجتمعه.. لقد تعاونا مع الرئيس جمال عبد الناصر عندما كان قائداً للقومية العربية، ثم تعاونا مع حزب البعث ولكن حزب البعث اختلف مع عبد الناصر، ونحن بقينا على علاقتنا مع عبد الناصر.. أنا من السياسيين الذين دونوا أفكارهم ومواقفهم. وأتحدى أي واحد أن يحاسبني على تغيير أساسي في الخط العام الإستراتيجي.. أما التكتيكات فتتبدل كل يوم.. في الخط العام مواقفي واضحة : لم أشتغل إلا في الأحزاب الكردية.. لم أشترك يوماً من الأيام في حزب عراقي عربي، شيوعي، أو قومي عربي.. كنت دائماً في خط يساري كردي.. وكنت صديقاً لعبد الناصر وللخط القومي العربي ولازلت. سنة 1968 كنا وحدنا ندافع عن عبد الناصر في العراق، وكانت جريدتنا "النور" الوحيدة التي تنشر أخبار مصر وأخبار حرب الإستنزاف.. رغم أن الحكم البعثي كان يشتم عبد الناصر ليل نهار.. وكذلك صحف بغداد.

bull;أحلامك الكردية إلى أين؟!
- أحلامي الكردية هي أن أرى الشعب الكردي متحرراً موحداً متمتعاً بحق تقرير المصير.. هذا هو الهدف الاستراتيجي.

bull;أي هدف في الوضع الحالي وأنتم منقسمون على أنفسكم؟
- أنت تسألني عن أحلامي وهي ليست الأهداف الواقعية.. إنني أُقسم حياتي إلى أهداف مرحلية استرتيجية، وأساسية.

bull;أنتم تتعاملون مع ما يحقق لكم مكاسب لقضيتكم الكردية.. وقد تعاملتم مع صدام في فترات متفاوتة وكانت لكم معه لقاءات وحوارات واتفاق، أليس كذلك؟
- ضمن السياق الذي طرحته، ولكن اتضح لنا أن صدام على رأس قائمة أعداء الشعب الكردي، وهو عندنا على رأس قائمة أعداء الشعب الكردي بحكم سياسته المتمثلة في حرب الإبادة والقائمة على أساس انكار حق الشعب الكردي في وطنه كردستان.. وبحكم سياسته الرامية إلى تهجير هذا الشعب.. أخرون أيضاً يقفون ضد الشعب الكردي لذلك أعتقد أن الحركة التحررية الكردية تناضل من أجل أهداف حقيقية، قابلة للتحقيق، وأهداف بعيدة المدى، وهي اسقاط النظام الديكتاتوري في العراق، وإحلال حكم ديموقراطي، وإحلال مبادئ حقوق الانسان، وتحقيق حق تقرير المصير للشعب الكردي.. وهذا لا يعني أننا نترك الحلم، الحلم هو النجمة الهادية في المسيرة البشرية.
bull;عدتم مؤخراً من مؤتمر للتحالف الوطني في دمشق، واستعدادات المعارضة العراقية للبديل المنتظر بعد سقوط صدام.. فهل كان هذا التجمع بمستوى الحدث؟!
- نحن نعتقد أن المعارضة العراقية تسير الآن بخطوات موزونة نحو التحالف والعمل المشترك، وقد نجحت المعارضة العراقية في الاتفاق على برنامج أساسي وكذلك على بيان سياسي، مما يجعل منها البديل المنشود والمطلوب ضد النظام الديكتاتوري القائم في العراق وذلك للأسباب التالية :
أولاً : المعارضة العراقية تمثل جميع فئات الشعب العراقي من عرب وكرد، من سنة وشيعة، من علمانيين واسلاميين، من يساريين وليبراليين، من قوميين وشيوعيين إلى آخره من فئات المجتمع العراقي.
ثانياً : لأن المعارضة العراقية تمثل غالبية الشعب العراقي، وهي ذات جذور عميقة في هذا المجتمع.
ثالثاً : لأن المعارضة العراقية بفرضها البديل الوطني الديموقراطي محل الحكم الديكتاتوري تنقذ العراق والأمة العربية من كارثة محتمة يقودها إليها الديكتاتور العراقي الحاكم صدام حسين..
الإتفاق على البيان وإعلانه هو بداية للعمل المشترك للمعارضة العراقية، بعد ذلك ستشرع المعارضة في تشكيل الوفود لارسالها إلى البلدان العربية، والأوروبية، والأمريكية، للمطالبة بالإعتراف بالمعارضة العراقية كبديل.. المعارضة تعتقد أن من واجبها أن تطالب الديكتاتور بالإستقالة وترك الحكم بحيث تتولى المعارضة تشكيل حكومة إنتقالية ائتلافية، وتقوم بإجراء إنتخابات حرة لمجلس تأسيسي يتولى وضع الدستور الدائم والقوانين وتحديد وتعيين النظام العراقي الجديد..
وقد تكون المطالبة بالإستقالة هي المدخل لإنقاذ العراق من الحرب التي يقودها إليه صدام حسين، وبالتالي من حق المعارضة باعتبارها تمثل أغلبية الشعب العراقي أن تتولى الحكم وأن تكون البديل الطبيعي، وهو بديل وطني ديموقراطي شعبي وغير مرفوض من الخارج، منبثق من داخل المجتمع العراقي.. واستقالة صدام حسين وتسليمه مقاليد الحكم إلى المعارضة العراقية ستنقذ الشعب العراقي من الحرب، وتنقذ المنطقة من المخاطر التي نجمت عن غزو الكويت واغتصابها وضمها قسراً إلى الحكم الديكتاتوري العراقي.

bull;أن يسلم صدام حسين الحكم للمعارضة مسألة رومانسية بحته، وأعتقد أنه لن يقول لكم تفضلوا، سيكون هناك ألف وسيلة ووسيلة للرفض، وربما تؤدي إلى تصفيات جسدية؟!
- حركتنا حركة حضارية وفي هذا العصر تستقيل الحكومات عندما تفشل، وعندما تقود البلد إلى حالة مأساوية.

bull;تتكلم عن الحضارة، هل يخضع صدام حسين لمنطق الحضارة؟!
- عندما يرفض صدام حسين الاسلوب الحضاري لا يعني هذا أيضاً أن نتوحش مثله ونرفض الأساليب الحضارية في النضال.. نحن نعتقد أن هذا أسلوب جيد نثبت به للشعب العراقي أننا نريد تخليصه من الدكتاتورية، ومن الحرب.. ونحن نتوقع أن يرفض صدام حسين الإذعان لإرادة الشعب العراقي ولإرادة المعارضة العراقية.. وهنالك إحتمال 90% ألا يقدم على الإستقالة، ولكن المطالبة بالحق لا تعني دائماً الرومانسية المطلقة.. بل مطالبة وعادلة ومشروعة.

bull;أنتم في الخارج والصوت إلى الداخل يصعب وصوله لأن الشعب العراقي محاصر بإذاعة وتلفزيون وصحافة موجهة، والسفر ممنوع، هل هناك استراتيجية لإيصال هذه المعارضة إلى الداخل؟!
- المعارضة العراقية ليست في الخارج فقط وهذا خطأ شائع في الصحافة العربية، إذ يُعتقد أن أقطاب المعارضة العراقية في الخارج أو المعارضة المهاجرة هي كل المعارضة.. في الحقيقة أن المعارضة موجودة في الداخل، وللمعارضة الكردية الآن قواعدها الموجودة داخل كردستان وقرب المدن الرئيسية، وهناك مناطق محررة، ومقرات المعارضة داخل الأراضي العراقية.. مازالت لأحزاب المعارضة جذور وتنظيمات قوية موجودة داخل صفوف الشعب العراقي، وداخل المدن، والمجمعات السكنية، والريف وفي كل مكان.

bull;أعود إلى التحالف الوطني أنت تعرف أن هنك تناقضات بين الإسلاميين واليساريين والشيوعيين وحتى في صفوف الحركة الكردية نفسها؟!
- لا توجد تناقضات في صفوف الحركة الكردية، فهي موحدة منذ اكثر من سنتين في الجبهة الكردستانية التي تضم ثمانية تنظيمات كردية اساسية وثانوية، وحتى الحركة الإسلامية في كردستان العراق متفقة وتضامنة ومتحالفة مع الأحزاب الرئيسية في الجبهة.. ثم إن داخل المعارضة العراقية نقاط اختلاف، وقواسم مشتركة. نحن إتفقنا على القواسم المشتركة وتركنا نقاط الإختلاف.. لكل حزب برنامجه واستراتيجيته وشعاراته، وله أن يطالب بهذه الشعارات وفق منطق حضاري. اتفقنا بيننا على أن لكل حزب في العراق أن يطالب بتحقيق أهدافه القريبة و البعيدة بطريقة ديموقراطية وعن طريق العودة إلى الشعب.

bull;ماذا يقول جلال الطالباني عن مشروع وحدة الأكراد في كل من ايران وتركيا والعراق وسوريا على ضوء ما يحدث في الساحة من مستجدات؟!
- الوحدة الكردية حق من حقوق الأمة الكردية، ولكن هذا الحق بعيد المنال وغير قابل للتحقيق في الظروف الدولية.

bull;كيف ترى الوحدة الوطنية، الكردية بالتعاون مع القوة العربية في العراق من خلال إجتماعكم في دمشق؟!
- الوحدة الوطنية العراقية ضرورة تاريخية وحاجة ملحة.. الوحدة الوطنية العراقية تستند على جناحين، جناح كردي وجناح عربي، ودون تحقيق الوحدة والعمل المشترك لا يمكن الإنتصار على النظام الديكتاتوري، لذلك على الحركة التحررية الكردية دوراً فاعلاً وأساساً في توحيد الآراء وتأسيس وحدة المعارضة العراقية في مباحثات دمشق.

bull;كيف ترى الحكم في كردستان بعد صدام؟!
- الحكم في العراق يجب أن يكون حكماً ديموقراطياً برلمانياً، وأن تتمتع منطقة كردستان بنوع من الفدرالية.

bull;قبل سنتين كنت في أمريكا، وأثارت زيارتك ضجة وأجلت زيارة وزير الخارجية العراقي إلى واشنطن.. وقبل أسابيع فرشت لك السجادة الحمراء في مطار باريس ولهاتين الاشارتين دلالة، فعلى أي أسس تتعاون مع المجتمع الدولي، وماذا حققت؟!
- العلاقة مع هذه الدول لم تصل إلى مرحلة التعاون، خلال السنوات الأخيرة، أدركت الحركة الكردية ضرورة العمل والإتصال بكل الدول الفاعلة والمؤثرة وأضافت النضال الدبلوماسي إلى النضال المسلح والفكري، والإعلامي والتنظيمي.. بعد أن كانت محرومة لفترة طويلة من العلاقات الدولية.. لهذا طرقت أبواب باريس وموسكو ولندن وبرلين وواشنطن.. في واشنطن عرضنا القضية الكردية على الأوساط الأمريكية، وبحثنا مسألة مهمة وهي أن المساعدات الأمريكية للعراق تساعد الحكومة على شن حرب الإبادة ضد الشعب الكردي.. الحكومة الأمريكية كانت تزود العراق بالمواد الزراعية التي كانت تنتج سابقاً في كردستان وتغطي حاجة العراق مثل الحنطة والشعير والأرز والفواكه والتبغ.. فاستغنت الحكومة عن إنتاج كردستان، واستطاعت تدمير الريف والإقتصاد الكردي، فكان ضرورياً شرح هذه النقطة للإدارة الأمريكية.

bull;هل كان ذلك التدمير مقصوداً؟!
- أعتقد أن الحكم العراقي كان يقصده، والأدارة الأمريكية كانت غافلة، وعندما شرحنا الموضوع للأمريكان وضحت هذه النقطة.. الهدف الثاني من الزيارة كان معرفة أسباب معاداة السياسية الأمريكية للشعب الكردي فتعجبوا.. قلنا لهم أنكم تساعدون الحكومة التركية ضد الشعب الكردي، وساعدتم شاه إيران ضدنا، وتساعدون الحكم العراقي ضدنا أيضاً، فقالوا هذه علاقة دولية وحاولوا أن يفهمونا أنهم مع الحقوق الكردية ضمن الدولة العراقية.. لكنهم دافعوا كثيراً عن الحكم العراقي، ودافعوا كثيراً عن صدام حسين، وقالوا أنه لابد من التعامل معه لأنه رجل مهم بالنسبة للسياسة الأمريكية في المنطقة، وهو يقف ضد الزحف الإيراني ويحفظ المصالح الحيوية للغرب في المنطقة، وبالتالي أكدوا لنا أنه يجب أن نتعامل معه وأن نتفاوض لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية.. أما زيارة باريس فكانت بناء لدعوة رسمية من الحكومة الفرنسية لوفد الجبهة الكردستاني برئاستي وعضوية ممثلي الحزب الديموقراطي الكردستاني، وحزب الشعب الديموقراطي الكردستاني، والحزب الإشتراكي الكردستاني.. وكانت بقرار سياسي من الرئيس فرانسوا ميتران الذي استقبل الوفد في وزارة الخارجية الفرنسية وفي الاليزية، وفي البرلمان، كذلك استقبل الوفد من قبل السيدة الأولى.. وأعتقد ان لهذه الدعوة دلالة.. وهي أن القضية الكردية لم تعد قابلة للتجاهل، فالشعب الكردي يبلغ تعداده في منطقة الشرق الوسط أكثر من 25 مليون، ولا يمكن أن يبقى إلى الأبد منسياً ولا بد للدول التي تهمها المحافظة على الأمن والإستقرار في المنطقة من بحث المسألة الكردية.

bull;ألا ترى أن الأكراد يستخدمون في كثير من الأحيان كأوراق ضاغطة على حسب الأهواء والأجواء السياسية؟!
- أعتقد أن العالم مليء بالتناقضات والعلاقات المتداخلة بين الشعوب والحركات والحكومات ولا يستثنى من مسألة الإستغلال أي خلاف أو نزاع في العالم.. الأمريكيون استغلوا النزاع الصيني.. السوفييتي وفي فترة من الفترات حاول الإستعمار البريطاني استغلال الحركة القومية العربية عندما حرضت الشريف حسين ( شريف مكة ) ضد الخلافة العثمانية..

bull;وهل هذا تبريراً؟!
- اسمح لي أن أكمل، لترى رأيي في الموضوع.. حاولت الحكومة الأمريكية استغلال الحركة الناصرية، والخلاف العربي، الاسرائيلي، والعديد من الدول تحاول استغلال القضية الفلسطينية وكذلك القضية الكردية. إن فكرة إستغلال الحركة الكردية، وواقعة إستغلال الحركة الكردية موجودتان، المهم ألا تُخدع القيادة الكردية، وأن لا تنحرف عن الخط النضالي.. نحن عندما نتعامل مع الحكومة الإيرانية، نعلم أنها تريد استغلال القضية الكردية، ونحن نريد استغلال ( الجمهورية الإسلامية )، كلٌّ له مقاصده.. وعندما تعاظمت الحركة الكردية وأصبحت بحاجة إلى مساعدات خارجية في الستينات، عرضت الحكومة الإيرانية مدها بتلك المساعدات، وهنا أود أن أكشف سراً لا يعرفه أحد، وهو أن أول من توسط بين الأكراد والشاه من المسؤولين والحكام العرب هو الملك حسين.. نحن نرفض العمالة أو أن تتحول الحركة الكردية إلى ألعوبة بيد الآخرين، ولكن لا أرفض تعامل الحركة الكردية مع العالم وفق مصلحتها الخاصة.

bull;جلال الطالباني تربطه صلات وطيدة ببعض أركان الحكم العراقي وخاصة نائب رئيس الجمهورية طه محيي الدين معروف ويقال أنك على اتصال به؟!
- ما تفضلت به من اتصال أو لقاء غير صحيح مطلقاً.. كانت لي علاقة جيدة مع السيد طه محيي الدين معروف في قديم الزمان.. ولا بد أن تعرف أن طه محيي الدين كان أحد المؤسسين للحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي الذي عملنا كلنا في صفوفه.. وعندما كنت طالباً في الصف السادس الإبتدائي كان طه محيي الدين معروف عضواً في المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني.. ولكنه ترك العمل الحزبي وظل على علاقة وثيقة بالمناضلين الأكراد.. وقد فُصل سنة 1962 عندما كان سكرتيراً أول في السفارة العراقية في لندن بسبب تعاطفه مع الثورة الكردية وفي سنة 1963 كان أحد أعضاء الوفد الكردي الذي كنت أرأسه في أوروبا.. وقد رُشح من قبلنا في العام 1968 للوزارة وعندما تم استدعاؤه من السفارة إلى العراق عام 1974، اتصل بنا ونصحناه بعدم الإشتراك في الحكومة، ولكنه رفض نصيحتي واشترك في الحكومة.. ومنذ ذلك الوقت انقطعت علاقتنا، وعندما كنا ندير المباحثات مع النظام العراقي عام 1984 رفضنا حتى اللقاء به.
وما قيل عن اللقاءات أنفيه جملة وتفصيلاً، لسبب بسيط هو أن محيي الدين يخاف حتى من ذكر اسم جلال الطالباني خوفاً من أن يصل الخبر إلى صدام حسين فيقطع رأسه.
bull;يقال أن كردستان رغم المقاطعة الإقتصادية العالمية للعراق أصبحت المنفذ لعمليات تهريب واسعة نظير الذهب الكويتي، فهل لديك أية معلومات حول هذا الموضوع؟!
- لديَّ معلومات عن وجود حركة تهريب واسعة في منطقة كردستان. ولكن لا أعرف أنها نظير الذهب الكويتي المسروق.. ثم إن حركة التهريب كانت موجودة دائماً في كردستان بسبب تواجد الأكراد في المناطق الحدودية.. وقد ازدادت حركة التهريب الآن لأن الشعب الكردي في كردستان العراق يتعرض للمجاعة.. ولكن كمية المواد المهربة لا تكفي لمعيشة السكان الأكراد في العراق، فكيف بالسوق العراقية؟.. أعتقد أن أخبار حركة التهريب مبالغ فيها في كردستان ونحن لا نمنع حركة التهريب لأن شعبنا الجائع في كردستان له الحق في ألا يموت من الجوع.

bull;يقال : إن الطاقية التي يرتديها الشاعر الجواهري تُصنع بأيادٍ كردية، وتُقدم له كهدية منكَ سنوياً!!
- هذا صحيح.. فبيني وبين الجواهري صداقة ومحبة، وقد كتب لي أكثر من قصيدة، ومن أشهرها قصيدته التي ابتدأها : ( شوقاً جلالُ ) الخ..

bull;هل من خطة مرحلية تسير بموجبها المعارضة العراقية لسقوط النظام؟
- لقد بدأت منذ زمن طويل، ونحن بصدد استثمار نتائجها.

bull;متى على وجه التقريب؟
- اصبر.. وردد مقولة شاعركم : ( ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ ).

bull;هناك أقاويل كثيرة حول النشاط الاسرائيلي في كردستان، وأقاويل أخرى حول لقاءات اسرائيلية كردية؟!..
- لا أنفي، ولا أُأَكد، ولكن هذا الموضوع قد بولغ فيه، ومما لا شك فيه أن نشاط المخابرات الاسرائيلية ( الموساد ) متوغل في مناطق كثيرة في العالم، فلماذا تُستثنى كردستان من ذلك النشاط!!.. أما نحن على صعيد جلال الطالباني وحزبه فلا يمكن أن نوافق على أن تكون لنا علاقة بالصهاينة، فنحن مع الثورة الفلسطينية في خندق واحد، وعلاقتي برجالاتها وطيدة جداً.