فضاء الرأي

المثقف السوداني... أسئلة ما بعد نظام "الإنقاذ"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ربما كان من المهم على النخب السودانية أن تفترض هذا التساؤل - على ضوء ما يحدث في السودان الآن - التالي: هل السودان اليوم يعيش تحولات طارئة وعرضية، أم تحولات بنيوية تهدد وجود السودان ككيان أصلا، بعدما انقسم إلى سودانين؟ وإذا كان الظن الراجح هو التساؤل الثاني؛ فهل ستكون استجابة النخب السودانية لمقاربة هذه المعضلة ببيانات سياسية أم بتأملات تحفر أفكارها في عصب الأسئلة وتجترح إجابات وآراء وأفكارا معرفية، لا آيدلوجية؟
وفي أغلب الظن أن هذه الأفكار ستضع الطبقة السياسية بجميع أطيافها في موقع إدانة أخلاقية بامتياز. ذلك أن ما يحدث في السودان الآن هو في الأصل نتيجة لتفاعلات داخلية كانت تعتمل على نحو مسكوت عنه من ناحية، ونتيجة أيضا لتحولات اجتاحت المنطقة العربية بفعل انهيار نظام القطبين بنهاية الحرب الباردة التي تزامنت نهايتها تزامنا بائسا مع انقلاب نظام الانقاذ في العام 89، من ناحية أخرى.
وبرغم الخراب والحرائق التي نراها اليوم إلا أن الحل العميق لها - للأسف - يقتضي طرح أسئلة أنطلوجية (كيانية) في النظر إلى هذا الواقع المركب وصولا إلى تشكيلاته الأولى وما كانت تنطوي عليه من بذور التناقضات. وبالتالي ستكون أفكار المثقف التي تحفر عميقا في سبر المشكلات آخر ما ينتبه له السياسي. فالمثقف هو في الأصل كائن هامشي - لا بالمعنى السلبي - وإنما بمعني أن الإصغاء لأفكاره يحتاج زمنا طويلا ـ بحسب رولان بارت ــ حين قال: (إن دور المثقف: أن يتحمل هامشيته). لكن هذا بطبيعة الحال لا يمنع المثقف من الانخراط في الحياة السياسية، ولا حتى في التنظيم السياسي، بشرط أن يفرق ذلك المثقف تفريقا واعيا بين دوره كمثقف معني بإنتاج الأفكار لوطنه وشعبه، وبين انتماءه السياسي.
والحقيقة أن هذه المهمة في حياتنا السياسوية العربية أشبه بمهمة البهلوان، أي تلك القدرة على القفز من فوق المطبات والعوائق دون الوقوع فيها؛ فإذا كان المثقف الأوربي قد أنتج صيرورة لحياة سياسية سوية، بحيث سمحت له تلك التحولات العميقة في ممارسة السياسة كعلم وبنية تحتية؛ القدرة على الانتماء للتنظيم، وإنتاج الأفكار في نفس الوقت، فإن المثقف السوداني للأسف لم يحقق هذا الفرز. أي أن الواقع السياسوي الذي يحتاج إلى بنية تحتية غير ناجزة ـ كان على المثقف إنجازها أولا ـ وضعه أمام مهمة ذات طابع استراتيجي قد لا تسمح له بالانخراط في التشكيلات الحزبية التي تمارس الإقطاع السياسي.
وهذا بالتالي سيحيلنا إلى ظاهرة الاستقطاب التي شكلت انسدادا نظريا أمام رؤية وطنية للواقع الموضوعي.؛ فذلك الاستقطاب الذي ما رسته النخب السياسية والفكرية بكل أطيافها اليسارية والإسلامية والقومية والأفريقية، كان ينطوي على بنية آيدلوجية إقصائية.
إذ لم تكن أحلام الإسلامويين ممكنة التحقق دون الإنخراط في الحداثة ومعرفة شروط العالم الحديث، وإدراك ماتختزنه فكرة السودانوية كنمط للعيش المشترك. ولذلك عندما حاولوا تطبيق أفكارهم بمعزل عن تلك المعطيات كانت النتيجة كارثية كما نراها اليوم.
كذلك مارس اليسار السوداني (الماركسي) إقصاء ً آيدلوجيا إذ لم يكن يهجس بالإسلام الذي هو عميق الجذور في نمط الحياة السودانية، الأمر الذي يحيلنا إلى غياب قراءة وطنية مفترضة .
ذلك أن ما تفترضه القراءة الموضوعية للواقع السوداني كان لابد أن يستصحب فهما للدين والتراث السوداني ضمن قراءة تحترم النتائج المعرفية للأبحاث النزيهة للإسلام وخطابه ونصوصه، من أجل إدراج مسألة الإصلاح الديني في عمل عام يحد من التحولات الكارثية التي صاحبت صعود الإسلام السياسي وأدت إلى انقلاب الانقاذ في العام 1989م.
بمعنى آخر أن خطاب الإسلامويين كان خطابا طهوريا متعاليا، فيما كان خطاب الماركسيين خطابا منفعلا بأطروحات مؤدلجة ومشدودة إلى تنظيرات الاستقطاب في الحرب الباردة، أكثر من الالتفات إلى البنية الداخلية والعميقة للمجتمع السوداني والتي كانت تنطوي على نزعات تقليدية كامنة ومتصلة برؤية أوتقراطية للدين والقبيلة والطائفة. و ما ظهر في النهاية من هذه النزعات المتخلفة للطائفية والقبلية والأصولية اليوم، كان ضمن الآثار الكارثية لممارسات الإنقاذ وتخريبها لبنية الدولة أو بالأحرى صورتها الهشة.
كذلك بانهيار عهد الاستقطاب ونهاية الحرب الباردة، وما كان يوفره ذلك من حد أدنى مكَّن من مد ظل الدولة ورعايتها على المجتمع آنذاك، بسبب دعم القطبين، من ناحية، وعطفا على ما خلفه الاستعمار من بنيات مؤسسية للدولة التي بناها على صورته من ناحية ثانية، تكشف لنا تماما المأزق الحقيقي، بحيث أن ما بدا لنا واقعا طبيعيا في تلك البحبوحة من العيش والأمن التي صاحبت عقود ما بعد الاستقلال؛ كان في الحقيقة واقعا هشا تداعي بزوال الحرب الباردة فبرزت، مرة أخرى، البنيات التقليدية الأوتوقراطية للدين والقبيلة والطائفة لتحل محل تلك الحياة الوديعة.
بيد أن والكارثة الحقيقية كانت في ذلك التزامن البائس بين انقلاب الإنقاذ ونهاية الحرب الباردة في العام 1989م. تلك الحرب التي كشفت عن حاجتنا الحقيقية إلى المعرفة بدلا من الآيدلوجيا، وإلى إعادة تعريف معنى الطبقة الوسطى، وتعريف مفهوم الدولة، وبالجملة إلى إعادة التساؤل حول ما إذا كان السودان الذي عرفناه قبل انقلاب (الإنقاذ) ونهاية الحرب الباردة ينطوي على معان حقيقية للحداثة والدولة والمواطنة والديمقراطية، أم كان تركيبا هشا ً منعت من تداعياته وبروز آفاته القبلية والطائفية والإسلاموية عقود عصر الاستقطاب؟
لقد اكتشفنا فجأة أننا مجتمع أوتوقراطي متخلف وغير حديث، في حين لم تكن هناك مفاجأة بقدر ما كان هناك قصورا في إدراكنا المعرفي والحقيقي لمعنى الحداثة والديمقراطية والمواطنة. بالإضافة إلى حاجتنا لثقافة معرفية نقدية تنزع وتفكك كل تلك الآفات الأوتوقراطية عن مجتمعنا عبر الإبداع والإعلام والتعليم وغير ذلك. وهذا ما أكتشفناه مؤخرا للأسف.
Jameil_2004@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تأريخكم ألحبشي
ra -

سؤال لماذا سميت دولتكم بألعربي سودان رغم قبل إسلامكم كان إسمكم غير هذا ألحبشة ثم أين أسمائكم وتأريخكم ألحبشي

الأخ ra رقم 1
محمد خير -حفيد طاهارقا -

شكراً لك على سؤالك. البلادالمعروفة اليوم بإسم ( السودان ) لم يكن إسمها قط عبر تاريخها أبداً بلاد الحبشة كما تفضلت في تعليقك ، صحيح نحن في السودان لدينا علاقات تاريخية وطيدة ومميزة نفخر ونعتز بها مع إخواننا وجيراننا أهل الحبشة و تاريخياً بلاد الحبشة /هابشينيا / Abyssinia هي المنطقة الجغرافية الواقعة مابين القطر المعروف اليوم بإسم أريتريا وبين المحيط الهندي ، أي بلاد القرن الأفريقي وهي أريتريا بلاد الحبشة بلاد الصومال وجيبوتي. أما من الأسماء القديمة التي عرفت بها البلاد التي إسمها اليوم السودان فهي : بلاد (بــُـنـْــت) وتعني في الهيروغلوفية بلاد الذهب وقيل أيضاً تعني بلاد الإله (؟) ، وكان إسمها أيضاً (نبْته) وسُميت أيضاً (طيبة) وأرض (بلاد النوبيين) وسُميت (كوش) وسُميت في التوراة المقدسة بلاد ( إثيوبيا) وإثيوبيا التواراتية إمتدت من المنطقة المعروفة اليوم بإسم (إبوسمبل) في القطر المصري وشملت كل الشمال والشمال الشرقي للبلاد المعروفة اليوم بإسم جمهورية السودان ووشملت أيضاً البلاد المعروفة اليوم بإسم أريتريا وجمهورية إثيوبيا الحالية ، ومن الملوك الفراعنة النوبيون ذوي االبأس الشديد كان الملك النوبي باعانخي ملك نبتة الذي أخضع كل ممالك مصر السفلى تحت لواءه وأيضاً كان إبن أخيه الملك طاهارقا المذكور في التوراة المقدسة في Kings 19:9; Isaiah 37) ( والسبب هو أن الملك الإسرائيلي حزقيا (Hezekiah חִזְקִיָּ֫הוּ, חִזְקִיָּ֫ה, יְחִזְקִיָּ֫ה ) أرسل يستنجد بالملك النوبي طاهارقا من ظلم غزوات الملك الآشوري (سناشريب) فقام طاهارقا على رأس جيش عظيم وطرد الآشوريين وحمى أورشليم ، وعندما جاء بعده إبن أخيه الملك النوبي (سابقون) إستنجد به الملك (حانون) ملك غزة من غزوات الفينقيين فقام هذا الـنوبي (سابقون) على رأس جيش عظيم وطرد الفينيقيين من غزة ، ومن هذه الذرية النوبية الملكة (آماني كنداكا) التي أرسلت للملك الروماني أغسطس سيزر ودعته أن يسلمها مقاليد الإمبراطورية الرومانية ، فأرسل هذا الأخير حملة رومانية هزمت جيشها هزيمة نكراء ثم عفا عنها أغسطس سيزر ، أما عن سؤالك لماذا سميت بلاد السودان بهذا الإسم فالفضل في هذا يرجع للإستعمار الأوروبي الذي تقاسم فيه الألمان والإنجليز والفرنسيين والطليان والبرتغاليون قارة إفريقيا وسموا كل إفريقيا الغربية بإسم السودان أي ماهو معروف اليوم بالدول التالية: بنين ، س

محمد خير -حفيد طاهارقا
ra -

شكرا لجوابك قرأت ذلك وكان سؤالي هل كنتم عربا وأنا لاأثق بكل ألمؤرخين ومنهم ألعرب عفوا ليس عداء بل ألتأريخ ألجغرافي وألبيوغرافيا وألجيوبولتيك مزورة ١٠٠%

شكرا
ra -

ألنوييين هم هيكلا وتأريخا وثقافة أقرب إلى ألفراعنة وألفراعنة قد يكونوا إنتهوا أو موجودين في أحفاد ألنوبيين لو فحص DNA ألنوييين هم هيكلا وتأريخا وثقافة أقرب إلى ألفراعنة وألفراعنة قد يكونوا إنتهوا أو موجودين في أحفاد ألنوبيين لو فحص جميل أن يعود تأريخ أجداد إندثر ولغة وثقافة تحللت ومحيت ليت أفريقيا تعود إلى ماقبل٢٠٠عام

محمد خير -حفيد طاهارقا
ra -

جل إحترامي لشخصك ألكريم

محمد خير -حفيد طاهارقا
ra -

كان في الماضي يسمس بلاد الحبشة وعند دخول سيدنا عبدالله ابن ابي السرح للدعوة في اهل السود انذاك سال ماهذة البلاد؟؟ فاجابو انها بلاد السود جزء من الحبشة وقال قولته المشهورة قولوا ان الاوان لنفتح بلاد السودان وهومن وضع الالف والنون يعود السبب إلى طريقة تسمية المصريين القدامى لهذا البلد ، حيث كان سكان منطقة السودان في الماضي بلون أسود نسبة إلى لون سكان مصر الأقرب للون الحنطي ... فقد أطلق المصريون القدامى عليه تانهسو أي بلاد السود بعد ذلك أصبح الاسم شائعاً فانتشر في اثيوبيا بلغة أهلها وكان يعني " أصحاب الوجوه السوداء" ومع اللغة العربية أصبح السودان. وليس ألإ،ستعمار كما تدعي