استدعاء الفكر السلفي في الأزمة السورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فجر البيان الصادر عن قوى عسكرية "جهادية" في العاصمة الاقتصادية لسوريا (حلب)، وعلى رأسها "جبهة النصرة" و"كتائب أحرار الشام" وغيرهما من الكتائب الجهادية المقاتلة في سوريا ضد مشروع الاتئلاف الجديد لقوى المعارضة والثورة السورية، رغم تبوء الإسلاميين لمركز الثقل فيه، وترؤس الشيخ الداعية أحمد معاذ الخطيب له (خطيب الجامع الأموي بدمشق)، فجّر سجالاً كبيراً بين دعاة المدنية ودعاة الأسلمة في سوريا، في ظل وضع عسكري مضطرب، وآخر "إنساني" أفظع من أن يوصف، و"إغاثي" هزيل ومتواضع لمئات الآلاف من اللاجئين الهائمين على وجوههم.
ورغم نفي بعض الكتائب المشاركة في البيان ما جرى، جملة وتفصيلاً، إلا أن معظم الكتائب "النافية" للبيان الداعي لأسلمة مشروع الدولة السورية ما بعد النظام الحالي، لم تكن من الكتائب ذات النهج السلفي أو الجهادي، بل لم تعرف بامتلاك عناصرها لأي مشروع إسلامي أو رؤية سياسية خاصة لما بعد الصراع الدائر في سوريا.
وعلى الرغم من غرابة الفكر السلفي عن الحاضنة السورية وعدم انتشاره سابقاً بين أفراد المجتمع السوري المعروف باعتدال تدينه ووسطيته وقربه من الحاضنة الصوفية لأفكار رموزه الدينيين منذ أيام الحكم العثماني لبلاد الشام وسائر المنطقة، إلا أنه لا يمكن راهناً إنكار نمو الفكر السلفي وتمدده في سوريا عبر العديد من المنافذ الفكرية والاجتماعية والسياسية، وتبلور هوية مجمتعية له مستفيداً من تراجع التيارات الدينية التقليدية أمامه.
لا يمكن إغفال أن سر ضعف انتشار التيار السلفي في سوريا عائد إلى سنوات القهر والمحاربة الطويلة التي تعرض لها من قبل النظام السوري، والتي وصلت حد منع الكتب والمنشورات السلفية، وملاحقة شيوخه ودعاته، بل واتخاذ مواقف أكثر صرامة من الدول والجمعيات والتيارات الداعمة له، وبالذات في دول الخليج العربي، وهو ما منح أنصار هذا التيار في الأزمة السورية الراهنة "رافعة" اجتماعية مثالية لطالما ساهمت في دعمه في كثير من دول الانتشار، وهو مفهوم "المحنة" الذي رافق رجالات التيار السلفي ورموزه بدءاً من شيخ السلفية الأول الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى، مع المعتزلة أيام العباسيين، ومروراً بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومحنته بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد، وإعلانه الجهاد على حكام المغول "المسلمين"، وصولاً إلى السلفية المعاصرة والتي تمرست في مواجهة المحتل والغازي الأجنبي، وبالذات في دول المغرب العربي.
تسرب المقاتلين الأجانب "الإسلاميين" بالذات إلى سوريا لم يعد سراً يذاع أو أمراً يتكتم عليه أو حتى تخجل منه المعارضة السورية وأجنحتها العسكرية المتناسلة، فأرض سوريا وفق فهم مقاتلي السلفية الجهادية، أضحت "أرض جهاد" لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي أمام أنهار الدماء السائلة فيها، ورغم ضآلة نسبتهم حتى الآن، بحسب مقاتلي كتائب الجيش الحر والمجالس العسكرية في الداخل السوري، إلا أن انطباعات ومشاهد عديدة عن أسلوب قتال ما يمكن تسميته "الكتائب السلفية" وتحركها، ورفضهم التعايش أو التمازج أو حتى التماهي مع بقية الكتائب المقاتلة في سوريا، يبعث على "الطمأنينة" في نفوس الكتائب السورية التي تكونت من انشقاقات عن الجيش النظامي، أو من المدنيين المتطوعين، بعد امتداد شرارة المعارك إلى قراهم ومدنهم.
فهذه الكتائب التي تتخذ من الفكر السلفي عنوان عريضاً لها لا مطمح سياسي لها في مستقبل سوريا، كما يرى المقربون منها والعالمون بخفايا أمورها من مقاتلي الكتائب الأخرى، والعقيدة القتالية التي يحملها أفرادها عقيدة "طوباوية" ترى في تحقيق الشهادة وبلوغ الجنة هدفاً أساسياً لكل مقاتل فيهم، إلى درجة سريان العديد من الأنباء (وربما لا تعدو كونها مجرد شائعات) عن شراسة مقاتلي هذه الكتائب وتقدمهم أي عملية كبيرة في مواجهة النظام؛ نظراً لخبرتهم الطويلة وتمرسهم في مواجهة الخصوم والأعداء وعدم رهبة الموت، ما جعل الكثيرين يهابون جانبها حتى من قبل الموالين أو رفقاء السلاح، كما يقال.
استدعاء الفكر السلفي للحضور إلى مجتمع معقد إثنياً وطائفياً ومذهبياً، وفي نفس الوقت، متسامح إلى أبعد الحدود ومنفتح، كالمجتمع السوري، كان هدفاً لجميع الأطراف بلا استثناء، فالنظام بتسمية هذه المجموعات "بالجماعات الإرهابية المسلحة"، والإعلان عن محاربته لها في ظل ما يسمى "المؤامرة الكونية" عليه، يجد في الإعلان عن أسماء وهويات قتلى هذه الكتائب السلفية في سوريا فرصة لحشد التأييد الدولي في معركته على الإرهاب الدولي، ونظيره المناطقي الضيق وفق الاصطفاف المذهبي أمام امتداد التيار السلفي وتمدده في غير أماكن تمركزه الجغرافي.
وأنصار المعارضة السورية وجدوا في قدومهم "متنفساً جديداً" للدعم المادي واللوجستي، وحتى الميداني العسكري في ظل خبرتهم الطويلة في ميادين القتال العالمي. ورغم أن الاعتقاد السائد أن أسماء الكتائب المقاتلة في سوريا، وانتشار "التكبير" على نطاق واسع في العمليات القتالية، ووضوح "النفس الديني" في القتال على العديد من الجبهات في سوريا تشي بتمدد الفكر السلفي في المجتمع السوري، إلا أنها لا تعدو كونها مظاهر "تدينية" أكثر منها "سلفية" لدى كثير من المقاتلين، لا يخشى معها تحول المجتمع السوري إلى مجتمع "منغلق" أو "نابذ" للأقليات الدينية أو المذهبية أو الطائفية، ما لم تستمر دوامة العنف في سوريا في حصد المزيد من الأرواح البريئة يومياً، وهو ما بات السوريون يلحظونه في تأخر المجتمع الدولي عن التدخل لإيجاد حل لأزمتهم التي طال أمدها، وتسرب الشكوك حول رغبته (المجتمع الدولي) في إحداث تغيرات مجتمعية عميقة في الوجدان السوري، الذي دخل الآن "مرجل المحنة" بما يعنيه من تطورات وانقلابات قد لا يمكن السيطرة عليها مستقبلاً.
... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com
التعليقات
لا أزمة في سوريا مع السلف
معاوية -معظم النقاط التي وردت في المقال صحيحة، ولكن المجتمع الدولي لم يتدخل بناء على طلب تل أبيب ولأسباب معروفة وإتخذ من جبهة النصرة ذريعة وحجة لتبرير عدم التدخل رغم أنهم يعرفون جيداً أن عددهم لا يتجاوز الخمسة آلاف مقاتل ، ونسبتهم جداً ضئيلة في الجيش الحر المنشق...السلفية لم تكن موجودة أصلاً في سوريا، حتى الإخوان كان تمثيلهم ضعيف في البرلمان في الستينات، وأذكر أنني التقيت ببعضهم في السجن الذي لم يميز بين شيوعي وإخونجي وقومي عربي، كان القاسم المشترك بينهم أنهم من السنة ، وكان من بينهم خيرة أبناء الوطن أذكر منهم عميد كلية التاريخ الحكيم وعبقري الرياضيات الحديثة الطنطاوي وغيره ممن استشهد معظمهم في مذبحة تدمر الرهيبة. أما السلفية فجاءت الينا حديثاً مع عودة بعض الإخوان السوريين الذين تسلفنوا في دول اللجوء بعد مجزرة حماة ، لأن العمل في المجال الديني وغيره أحياناً في دول اللجوء يخضع لإمتحان أسئلته كأسئلة السفارة الأمريكية للحصول على تأشيرة. أما الوهابية فلا وجود لها في سوريا سمعتها ورددتها عناصر المخابرات السورية لأول مرة على أثر التحقيق مع فلول القاعدة الهاربة من افغانستان. لذا أرى أن السلفية ظاهرة عرضية مؤقتة ستزول بزوال النظام، لأن المجتمع السوري مسيحي ومسلم محافظ ويميل الى التحرر والإنفتاح، وأذكر أيضاً في الستينات الفنان الكبير رفيق السبيعي عندما غنى له منتقداً ـ حبوباتي التلموذات كان أولها يا حلوين قصرتوا كتير الفساتين ـ . فالنظام هو من يروج لها لتشويه الثورة وأبطالها. وبالمناسبة، هناك في اسرائيل من هم أكثر تشدداً من السلفية وأكثر عدداً ويشتركون في الحكم ولا يشكلون خطراً على الدولة.
لا أزمة في سوريا مع السلف
معاوية -معظم النقاط التي وردت في المقال صحيحة، ولكن المجتمع الدولي لم يتدخل بناء على طلب تل أبيب ولأسباب معروفة وإتخذ من جبهة النصرة ذريعة وحجة لتبرير عدم التدخل رغم أنهم يعرفون جيداً أن عددهم لا يتجاوز الخمسة آلاف مقاتل ، ونسبتهم جداً ضئيلة في الجيش الحر المنشق...السلفية لم تكن موجودة أصلاً في سوريا، حتى الإخوان كان تمثيلهم ضعيف في البرلمان في الستينات، وأذكر أنني التقيت ببعضهم في السجن الذي لم يميز بين شيوعي وإخونجي وقومي عربي، كان القاسم المشترك بينهم أنهم من السنة ، وكان من بينهم خيرة أبناء الوطن أذكر منهم عميد كلية التاريخ الحكيم وعبقري الرياضيات الحديثة الطنطاوي وغيره ممن استشهد معظمهم في مذبحة تدمر الرهيبة. أما السلفية فجاءت الينا حديثاً مع عودة بعض الإخوان السوريين الذين تسلفنوا في دول اللجوء بعد مجزرة حماة ، لأن العمل في المجال الديني وغيره أحياناً في دول اللجوء يخضع لإمتحان أسئلته كأسئلة السفارة الأمريكية للحصول على تأشيرة. أما الوهابية فلا وجود لها في سوريا سمعتها ورددتها عناصر المخابرات السورية لأول مرة على أثر التحقيق مع فلول القاعدة الهاربة من افغانستان. لذا أرى أن السلفية ظاهرة عرضية مؤقتة ستزول بزوال النظام، لأن المجتمع السوري مسيحي ومسلم محافظ ويميل الى التحرر والإنفتاح، وأذكر أيضاً في الستينات الفنان الكبير رفيق السبيعي عندما غنى له منتقداً ـ حبوباتي التلموذات كان أولها يا حلوين قصرتوا كتير الفساتين ـ . فالنظام هو من يروج لها لتشويه الثورة وأبطالها. وبالمناسبة، هناك في اسرائيل من هم أكثر تشدداً من السلفية وأكثر عدداً ويشتركون في الحكم ولا يشكلون خطراً على الدولة.