الوطن الليبي المنهك.. إلي أين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حذر مصطفي عبدد الجليل رئيس المجلس الإنتقالي الليبي من عواقب تفشي الفوضي وعدم الإنضباط الأمني في البلاد بسبب الإنفلات الذي تنتشر نيرانه في ارجائها.
وقال تعليقاً علي إستقالة نائبة عبد الحفيظ غوقة علي أثر تعرضه ( 10 يناير ) لإتهامات خطيرة من جانب طلاب كلية العلوم بجامعة بني غازي نعتتته بـ " الإنتهازية " لكونه كان في الأمس القريب متعاوناً مع نظام حكم العقيد القذافي واليوم مع المجلس الانتقالي ، إن الأمر جد متأزم وربما يقود البلاد إلي " حرب أهلية ".
ليبيا لم تستقر بعد ، ويبدو انها لن تستقر في القريب العاجل بسبب ظروفها وبيئتها القلبية التى تهيمن على حراكها الاجتماعي وتطورها السياسي ..
فالقبيلة هي التي تضامنت مع النظام الذي حكم قبل ثورة الليبية عام 1969 وظلت علي ولائها مع نظام حكم العقيد القذافي لأكثر من 42 عام ، مما حدا بسيف الإسلام إلي مناشدتها قبل نهاية شهر فبراير 2011 - بعد نحو اسبوعين من انطلاق الثورة - أن تسارع بالدافع عن مكتسباتها التى تحصلت عليها طوال اربعة عقود وان تعمل علي هزيمة الأفكار الداعية إلي قلب نظام الحكم لصالح فئة متمردة من الشعب.
وهي نفس الأفكار إلي دفعت العقيد القذافي إلي المسارعة بترسخ هذا المفهوم في خطابة الشهير الذي حفز فيه القبائل لقتال " الجرذان " في مكان.
من هنا نقول أن القبيلة كـ " كيان مؤثر وفعال في محيطة وبيئته " لم يكن لها دور في الثورة ، برغم أن الذين قاموا بها ينتمون إلي عدد كبير من القبائل الليبيبة !! ولكن كان لها دور ملحوظ في الحرب التي شنها الثوار بمعاونة أسلحة ومخخطات حلف الناتو ضد نظام حكم العقيد القذافي .. لذلك عندما اندلعت " الإنتفاضات الثورية " في عدد من المدن الليبية ، عمد العقيد إلي مقاومتها عبر شعارات " الدفاع عن شرف القبيلة " الذي يشكل واحد من الأسس التي تقوم عليه ركائز " زعاماتها " الذين وزع عليهم السلاح وأغدق عليهم المال ووعدهم بـ " الذهب والنساء " بعد انتصارهم علي " الخونة العملاء " .. في نفس الوقت حرضهم علي الثأر ممن قتلوا ابنائهم ، ووعدهم " عند الاحتفال القريب بالنصر " أن يدفع عنهم دية من يقتلونهم " من المخربين والمأجورين ".
لا ينكر احد ان الثورة الليبية إندلعت مطالبة بالحرية وبإسقاط النظام الذي حرمهم من حقوقهم السياسية في أبسط صورها وإختذلهم جميعاً في هيئة شخص واحد إحتكر لنفسه ولأسرته كل مصدر للحياة والتنمية والتحديث .. القبيلة تفهم هذه المطالب وتقدرها ، ولكنها لا تقدر علي إستيعابها في اللحظة الراهنة لأنها لا تملك مقومات التطوير والإنماء السياسي والمجتمعي .. لذلك تقف المصاعب الهائلة عقبة كئود في طريق بناء مؤسسات الدولة العصرية التى لم تكن موجوده أصلاً في ليبيا رغم كل الدعاوي التى روج لها نظام العقيد القذافي لأكثر من أربعة عقود.
ليبيا لم تستقر بعد ، ويبدوا أنها لن تستقر في القريب العاجل بسبب حالة الفوضي التى تقف ورائها الميليشيات العسكرية ومعتقلاتها وسجونها التى باتت هي العنوان الرئيسي للعاصمة طرابلس وغيرها من المدن الكبري ، خاصة تلك التى ساهمت في انفجار الثورة كبني غازي ومصراته وسرت والتي يندلع بينها الاقتتال من حين لآخر ..
تقول بعض التقارير أن أهالي العاصمة " ضاقوا ذرعاً بوجود هذه الميليشيات " وحواجزها الأمنية التى أقيمت لتفتيش السيارات والأهالي ، ممما دفعهم إلي التظاهر وتقديم مطالب جماهيرية إلي مصطفي عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي و عبد الرحيم الكيب رئيس الوزراء لوضع حد لما يتعرضون له من إنتهاكات .. بينما يعلن زعماء ميليشيات مثل كتائب الزنتان رفضها لهذا المطلب.
هذا الموقف المتدهور بين الجماهير العادية من ناحية والميليشيات العسكرية من ناحية ثانية والمجلس الانتقالي وحكومته من ناحية ثالثة علي مستوي جسد الوطن الليبي المنهك ، مُعرض لأن يزداد سوءاً في حالة تكررا واحد من النموذجين التاليين أو كليهما.
الأول .. واقعة تعرض مقر المجلس الإنتقالي بمدينة بني غازي للرجم بالقنابل اليدوية من جانب بعض الثوار يوم 21 يناير ثم إقتحامه والعبث ببعض محتوياته ، مما أجبر أعضاء ورئيس المجلس إلي مغادرته المكان من الباب الخلفي في حالة من الفوضي العارمة وسط حراسة أمنية غير عادية .. مما يبرهن علي أن أعلي سلطة مؤقته في البلاد ليست في منأي عن الاخطار الجمة التى يتعرض لها المواطن العادي والوطن برمته.
والثاني .. ما تعرضت له مدينة بني وليد من إقتحام لبعض العناصر المناصرة لنظام العقيد القذافي يوم 23 يناير وقيامهم بمحاصرة كتيبة الثوار القريبة منها .. فالحالة التي مرت بها المدينة تُنبأ بأن العناصر الباقية داخل البلاد من بقايا النظام المنهار لا زالت قادرة علي أن تضع المال والسلاح في يد بعض القيادات القبلية بهدف زعزعة محاولات الإستقرار الهشة التى يسعي المجلس الانتقالي وحكومته إلي استثمارها لإعادة الحياة للبلاد خاصة في ظل الأوضاع المتردية منذ نحو ثلاثة اشهر بشتي السبل.
نفس المقياس - وأعني به تزايد سوء الأحوال في الوطن الليبي - يمكن أن نلمسه عبر مسلسل الرفض الميليشياتي لبعض أو كل الشخصيات التى يكلفها المجلس الإنتقالي بتولي المسئولية السياسية أو العسكرية .. فكما إتهم طلاب جامعيون عبد الحفيظ غوقة بالتسلق والإنتهازية ، أعلن بعض قادة الميليشيات إعتراضهم علي تعيين يوسف المنقوش رئيساً لأركان القوات المسلحة الليبية في حين يراه كثيرون " أهم خطوات بناء جيش ليبي جديد ".
الجدير بالملاحظة أن الإعتراض - علي شخص المنقوش - جاء من منطلق أنه " قائد عسكري متقاعد " وأن هناك من هو أحق منه بالمنصب مثل سالم حجا رئيس المجلس العسكري لمصراته و خليفة حفتر قائد القوات البرية بالجيش الوطني ، بالرغم من أنه هو الذي قاد المعركة الفاصلة ضد قوات العقيد القذافي في فبراير 2011 وقبض عليه أعوان النظام بعد ذلك بنحو شهرين في مدينة البريقة.
لم يلمس الشعب الليبي ولا المجتمع الدولي حتى الوقت الراهن أي تحرك ملموس في اتجاه إنتقال الوطن الليبي المنهك إلي الحياة المدنية بعد مقتل العقيد القذافي ( 23 اكتوبر 2011 ) بسبب قوة وفاعلية أواصر العلاقات القبلية من ناحية وتمترس الميليشيات العسكرية وراء ما في حوزتها من سلاح ، وهو كثير جدا ، من ناحية أخري .. حتى الروابط والصلات القوية بين كبريات القبائل وكذا المواقف العقلانية التى تتمتع بها العديد من رموزها ، لم تفلح في تجميع القوي المجتمعية للبدء في مسيرة واضحة المعالم نحو بناء الدولة الحديثة.
فالإنقسامات الناجمة عن هذين الأمرين بالغي الخطورة تقف بقوة ضد مساعي التحول السياسي للوطن الليبي المنهك .. وهي لذلك مرشحة لأن تكون السبب المباشر في تأخر إصدار قانون إنتخاب الجمعية الوطنية التأسيسية التى من المفترض أن تري النور في غضون ستة أشهر من إصداره .. وهي أيضا مرشحة لأن توسع من هوة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين حول مستقبل الدولة الليبية .. وستكون المسئولة بشكل مباشر عن تأخر بناء الدولة المركزية القائمة علي المؤسسات ، لأن أي جهاز تنفيذي غير مُهيمن علي مؤسساته لن يكون قادراً علي خدمة شعبة خاصة إذا كانت بعض جموعه تعيش في رعب مما يحيط بها من سلاح غير مقنن.
نفهم جيداً مع غيرنا أن التحول المرتقب في الوطن الليبي يحتاج إلي الكثيرمن الجهد والوقت والتعاون والمساندة ، لكن ما نود أن نلفت النظر إليه أن إطالة عمر الدوافع القبلية التى تتحكم في الصراع السياسي الذي إتسعت رقعته علي إمتداد الثلاثة أشهر الأخيرة سيكون من أهم أسباب تفشي عوامل عدم الإستقرار وسيدفع الجميع إلي التناحر بالسلاح حول المصالح " الذاتية " شديدة الخصوصية بدلاً من التكاتف من أجل العمل معاً لصالح الوطن وبناء الدولة.
أزعم أن تأخير قيام الدولة الليبية الموحدة التى يسودها القانون والعدل والتساوي في الحقوق والواجبات ، والتى تحقق العدالة الإجتماعية لكل مواطنيها والأمن والأمان لكل أبنائها دون النظر لإنتاءاتهم القبلية والأيديولوجية .. سيعرض الوطن الليبيي لمزيد من التفتت.
وأزيد علي ذلك القول إن التأخر في نزع سلاح الميليشيات والتراخي في التأسيس الفوري لقيام القوات المسلحة التابعة للدولة وفق الأعتراف التى تحكم أطر ومؤسسات الدولة الحديثة ، سيؤدي إلي تنامي السطوة المسلحة لقادة الميليشيات وعناصرها القتالية علي حساب أمن المواطن ومن ثم ستتسع موجات الفوضي وبالتالي مبررات التصادم بالسلاح المتوفر بكثرة .. الأمر الذي سيجر الوطن الليبي إلي الإنتحار إما بالإنقسام والتشذي أو بالتلاشي التدريجي لصالح الإحتكارات النفطية التى لا يعنيها من الأمر إلا ما يعود علي خزائنها من أموال وعوائد.
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk