فرويد بين الحداثة وما بعد الحداثة 1-2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يقدم لنا سيغموند فرويد (1856- 1939) فلسفة مغايرة تتعارض مع المفاهيم الفلسفية التي تقول بطبيعة الانسان العاقلة وان الانسان يتميز عن الكائنات الحية الاخرى بامتلاكه العقل واللغة، منطلقا من السلوك البشري ليس موجها بالعقل، كما يظن بعض الفلاسفة، وانما بما هو اقوى من العقل واكثر تأثيرا في السلوك البشري: انها الدوافع، التي هي غرائز لا عقلانية تؤثر على حياتنا الاجتماعية وحضارتنا الانسانية، وعبر عنها بالرغبة والاحتياج والتوق.
نظرية الدوافع
اذا اراد الانسان فهم السلوك فعليه فهم الدوافع التي تختفي وراءه. وعادة ما تكون دوافع السلوك واضحة، حين تشير الى حدوثها، ولكن غالبا ما تكون الدوافع مبهمة، وهذا هو احد محاور نظرية فرويد. واذا كانت الدوافع حالات عقلية داخلية تنظم السلوك وتضفي عليه معنى ما، فانه يمكن ادراك عقلانية السلوك على ضوء الدوافع الذي ادى اليه وتقديم تفسير له. ولكن غالبا ما يكون التفسير غير كامل لكل ما تاتي به من افعال. وسبب ذلك الدخول في عمليات غير واعية تقوم بها الدوافع التي تعمل في داخلنا ونحن على غير معرفة بها. ان فصل الدوافع عن الوعي الذاتي، تحديدا، هو توسيع مجال التفسير القائم على الدوافع بطريقة جذرية. وان فكرة فرويد المرتبطة باللاوعي تعني وجود مخزون من الدوافع التي تفسر الافعال وتجعل لها معنى.
وفي حديثه عن اضفاء المعنى، يؤكد فرويد على ظاهرة تبدو بلا معنى، والتي لا يظهر انها تمثل دافعا معروفا. فمثلا حين نفسر حلما اونقوم بزلة لسان، فاننا في العادة، نكون غير قادرين على فهم الدافع او الدوافع وراء ذلك. ولكن فرويد يقول بان ذلك مجرد مظهر سطحي. فهناك، في الواقع، دوافع تكشف عن المعنى الكامل لهذه الاحداث التي تبدو عشوائية، لكن الفاعل غير واع بها. هذه هي الفرضية الجوهرية في نظرية فرويد التي نحاول شرحها وتوضيحها بإيجاز شديد.
يرى فرويد بان جميع دوافع الانسان يمكن ارجاعها الى غريزتين اساسيتين هما:
1-غريزة الحياة "الحب" (Eros)، وهي الغريزة الجنسية التي تحافظ على الذات والنوع.
2 -غريزة الموت "الهدم" (Tod)، وهي غريزة العدوان والتدمير.
وتمثل هاتان الغريزتان الاساسيتان، وهما غريزتان متنافرتان ومتجاذبتان في عالم الكائنات الحية معا، الدوافع البشرية. فالاولى تمثل قوة الجذب والاخرى قوة التنافر.
تتضمن غريزة الحياة - الحب، ما يدعوه فرويد اللبيدو ( Libido) وهو الطاقة الحيوية والنفسية لدى الانسان، ومنها الغريزة الجنسية. وقد توسع فرويد في موضوع الغريزة الجنسية. فهي لا تقتصر على وظيفة التناسل فقط، لان هناك سلوك جنسي لا يؤدي الى التناسل، كالاستحلام والعادة السرية وغيرها. كما ان الغريزة الجنسية تنمو منذ الولادة وليس عند سن البلوغ، كما هو متعارف عليه، ومعنى هذا وجود فرق بين النشاط الجنسي وعملية الاخصاب التي لا تظهر الا بعد سن البلوغ. والغريزة الجنسية هي مصدر كل حب وحنان، مثلما هي مصدر كل الشرور كالغيرة والكراهية والعدوان. ويوسع فرويد في وظيفة الغريزة الجنسية واثرها في الحياة بحيث يجعلها تشمل جميع مظاهر اللذة الحسية والعاطفية. حتى التبول فيه لذة جنسية، لانه يؤدي الى تخفيف حدة التوتر الجنسي.
اما غريزة العدوان عند فرويد فهي ميل فطري وغير مكتسب، ولذا يصبح الانسان عنده "عدو لاخيه الانسان" بالفطرة، ورسالة المجتمع هي تهذيب هذه الدوافع وتشذيبها. وتظهر غريزة العدوان في الرغبة في التحطيم والتدمير للاشياء وايذاء الآخرين. وليست الحروب، من وجهة نظر فرويد، سوى مظهر من مظاهر السلوك العدواني.
يخلص فرويد الى ان السلوك البشري هو نتيجة للصراع بين هاتين الغريزتين او التعاون بينهما. فغريزة الحياة تنزع الى البناء، اما غريزة العدوان فتنزع الى التدمير والهدم، ووظيفة المجتمع هو التغلب على السلوك المدمر وتقديم السلوك الذي يبني ويهذب.
ويعتقد فرويد بان هناك حقائق جنسية لا تتفق مع ما هو شائع بين الناس. فهناك اشخاص يميلون الى اشخاص من نفس جنسهم، وهناك اشخاص تتسم كل رغباتهم بالطابع الجنسي، ولكنهم يغفلون عن استعمالها بشكل طبيعي. واخيرا هناك رأي شائع، هو ان الرغبة الجنسية تبدأ في سن المراهقة وهدفها التناسل، وهذا غير صحيح. فالرغبة الجنسية تبدأ في سن الطفولة وتعبر عن نفسها باشكال مختلفة، ولذلك من الضروري التمييز بين ما هو " جنسي" وما هو "تناسلي" وان الحياة الجنسية لها وظيفة خاصة هي الحصول على اللذة ومن ثم تدخل هذه الوظيفة في خدمة الانجاب.
الشعور واللاشعور
وتنتظم الشخصية عند فرويد في ثلاث مجموعات فرعية هي: " الهو" Id ويتضمن الغرائز، والانا Ego ويتضمن القوى الضابطة للسيطرة على مطاليب الغرائز وتوزيع الطاقة العقلية. والانا الاعلى Superego الذي يختص بالقيم والمثل العليا التي تعمل على اطالة سلطة العائلة والثقافة.
وتأخذ العمليات النفسية عند فرويد كيفيات ثلاثة " فهي اما شعورية (واعية) او لا شعورية (غير واعية) او ما قبل شعورية، وترتبط العمليات الشعورية الواعية بالادراك الحسي ( العقلي)، وبالاشياء في العالم الخارجي.
والعمليات اللا شعورية لا ترتبط بالادراك الحسي، وانما تكون حالة وئام بين اللاشعور والهو. اما الانا فتلعب دورا مهما في اللا شعور حيث تترك انطباعاتها على الهو، وهي الرغبات التي تخزن في اللا شعور، ويطلق عليها فرويد بالمكبوتات.
اما ما قبل الشعور فهي العمليات النفسية التي تقف بين الشعور واللا شعور وتكون الجزء الداخلي من الانا - وتشمل العمليات الفكرية التي تتصل بالذكريات اللغوية وغيرها.
ويضع فرويد اهمية كبيرة على اللاشعور الذي يختزن القيم والمثل والعادات والميول والرغبات المكبوته. وبمعنى آخر "يختزن كل ما نحب ونكره"، فهو اذن مستودع لكل ما مر بنا من خبر وتجارب ايجابية وسلبية، منذ الولادة وحتى اليوم، ومن مهامه توجيه افعال الانسان السلوكية باشكال مختلفة، دون ان يعي بها.
ويقسم فرويد اللاشعور الى لاشعور شخصي، وهو المكبوتات، ولا شعور جمعي، وهو الافعال والاعراف الجمعية ، كتفضيل بعض الاطعمة على غيرها او احترام قواعد صحية معينة او الاعتقاد بالاساطير والخرافات والتشاؤم من بعض الاشياء وغيرها من الافعال السلوكية غير الواعية المخزونة في العقل الباطن.
مراحل النموالجنسي
ويقسم فرويد مراحل النمو عند الفرد الى اربع مراحل رئيسية هي، المرحلة الفمية او الشرجية، وهي مرحلة نشاط جنسي وليس تناسلي، يرتبط فيها الطفل بامه، تتبعها فترة كمون. ثم المرحلة الاوديبية او القضيبية التي تستمر حتى سن المراهقة. ويعتبر فرويد هذه المرحلة من اخطر مراحل النمو الجنسي، اذ يبدأ الاهتمام بالاعضاء الجنسية وتطور العقد النفسية ونشوء الامراض النفسية تليها مرحلة المراهقة التي تستأنف فيها الحياة الجنسية نشاطها من جديد وتمثل بداية البلوغ وبداية النمو الجسدي والجنسي. وتتميز هذه المرحلة بالتمرد على الحب العائلي والتخلص الظاهري من العلاقة العاطفية مع الام والاب والغيرة منهما بنفس الوقت. ثم تاتي مرحلة النضج الجنسي والتكامل العقلي وتبلور شخصية الانسان ونضوجها.
ويعتبر فرويد مرحلة الطفولة من اهم واعقد مراحل النمو الجنسي عند الفرد، لانها مرحلة التعلم واكتساب المفاهيم والقيم والعادات بصورة لا شعورية، المباحة منها والمحرمة، التي تكون لديه تناقضا بين الدوافع البايولوجية والقيم الاجتماعية من جهة ، وبين الحاجات والوسائل المتوفوة لاشباعها من جهة اخرى. فاذا انسجم الفرد مع القيم السائدة يصبح سلوكه اعتياديا، واذا لم ينسجم الفرد معها، فان الرغبات تكتب في اللاشعور. وبتراكم الرغبات في اللاشعور تتكون العقد والامراض النفسية والجنسية وتؤثر على حياة الانسان وشخصيته وتجعلها مزدوجة، وغالبا ما تنعكس هذه الرغبات المكبوته في شكل صور مقنعة وملتوية تظهر في الاحلام التي هي شكل من اشكال التنفيس عن الرغبات المكبوته التي لا يستطيع التعبير عنها في اليقظة. ففي الحلم يخلع الفرد صفة الحقيقة الواقعية عن مادة الحلم، لان الحلم هو فقط ستار تختفي وراءه عملية الحلم الحقيقية، التي غالبا ما تظهر على شكل ذكريات منسية او رموز لفظية غير واضحة، وفي مادة لها نزعة شديدة نحو التكثيف تعبر عن عدد كبير من الرغبات المكبوته احيانا، او عن طريق التسامي على الواقع او استبداله بحالات من الخيال، كما يظهر في الابداع الفني وفي الشعر وحتى في الجنون، وهو حالة اعلاء وتصعيد للرغبات المكبوته عندما يتوقف العقل الواعي عن العمل للارتفاع عن الواقع او الهرب منه، وكذلك عن طريق الانحرافات والخروج على ما هو مألوف. مثلما تظهر في الرموز والاشارات وزلات اللسان والنكت، وهي رموز لما هو محرم ومكبوت.
آليات الدفاع انفسي
ويستخدم الانسان آليات دفاع نفسي من اجل اشباع رغباته وذلك بسبب المحرمات التي تقف عائقا امام تحقيقها. وهي عبارة عن عمليات لا شعورية تستخدم وسائل ملتوية او مقنعة (حيل) للسيطرة على الطاقة النفسية وعدم تعرضها الى مخاطر سايكولوجية. وبهذا فالامراض النفسية ليست سوى انواع من الحيل الدفاعية التي يلجأ اليها الانسان عندما يتعرض للخطر، واضطراره الى التعويض السلبي بمشاعر "عدوانية" موجهة نحو المصدر الذي منع الرغبات من اشباعها. وحالة الهروب من الواقع هو نكوص الى حالة الطفولة وتعويض الواقع بالخيال كالاستماع الى الاغاني العاطفية وقراءة القصص والاساطير للتبرير او التسويغ او ابعاد مرارة الفشل والتملص من مشاعر الاثم. وفي حالات اخرى اسقاط الافكار على الآخرين، او تقمص الفرد شخصية اخرى، او كبت الرغبات الذي يؤدي الى الشعور بالالم بدل اللذة، وهو عقاب يوجهه المرء لنفسهن كحل وسط بين متطلبات الضمير وبين الغرائز وفي حالة فشل الفرد في التحكم في الرغبات الملتوية تنشأ الامراض النفسية، ومن بينها الاحباط، الذي يعني عرقلة تحقيق هدف من الاهداف بصورة واعية، وبخاصة حين تكون الطموحات اعلى بكثير من قدرة الافراد على تحقيقها.
ونتيجة للصراع بين الرغبات وبين عدم تحقيقها او السماح لها بالتنفيس تتولد حالات نفسية او صراع نفسي يحاول الانسان حله عن طريق التكيف معه، فاذا لم ينجح في ذلك يتحول الصراع الى توتر وقلق، يؤدي احيانا الى انفجار.
والامراض النفسية والعصبية ليست امراضا عضوية ولذلك يطلق عليها علماء النفس بـ "العصاب" Neurose واشد انواع الامراض النفسية خطرا هو الهستريا Histiria الذي يظهر كاعراض واضطرابات بدنية وعقلية ليس لها سبب عضوي. يتبع
التعليقات
دراسات وبحوث
رياض البغدادي -الاخوة الاعزاء في ايلاف ...هذا ليس رأي لتضعونه في حقل رأي انما هذه دراسة او بحث يمكنكم استحداث باب تسمونه بحوث او دراسات لتضعون مثل هذه الكتابات فيها ... تقبلوا خالص التقدير
دراسات وبحوث
رياض البغدادي -الاخوة الاعزاء في ايلاف ...هذا ليس رأي لتضعونه في حقل رأي انما هذه دراسة او بحث يمكنكم استحداث باب تسمونه بحوث او دراسات لتضعون مثل هذه الكتابات فيها ... تقبلوا خالص التقدير