سوريا: أزمة بلا أفق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من مرور قرابة سنة على الأزمة السورية الا أنها ما زالت تراوح مكانها، فلا بوادر عن حل في الأفق، ليبقى مشهد القتل اليومي سيد الموقف.
الجميع يسأل ويتساءل عن المستقبل، وعن نهاية هذا النفق المظلم. وفي تصورنا فإن من الصعوبة بمكان التكهن في هذه الفترة بمآلات الأزمة السورية وتداعياتها، وذلك لاعتبارات عديدة:
أولا: أن النظام مستمر في نهجه الأمني لإخماد الاحتجاجات، ومبادرات الحوار والإصلاحات التي يعلن عنها لا تقنع المعارضة، لأنها جاءت كما يقول المجلس الوطني السوري بعد فوات الأوان، وبالتالي فإن القناعة السائدة لدى المتظاهرين هي الإصرار على مطلب إسقاطه.
ثانيا: غياب مرجعية موحدة وموقف واحد للمعارضة، يساهم بشكل كبير في تعثر الوصول إلى أي حل للخروج من المأزق، ويؤدي بالتالي إلى دخول الأطراف الخارجية بقوة على الخط، ودعمها لأطراف تلبي أجندتها على حساب أطراف أخرى. وهو ما من شأنه أن يثير كثيرا من الهواجس بشأن حرف المطالب الاجتماعية والسياسية المحقة التي ينادي بها الشعب السوري عن مسارها الصحيح، واستغلالها في البازارات الدولية لحصد ما أمكن من مكاسب قد تعيد تشكيل الخارطة العربية وربما الشرق الأوسط برمته.
ثالثا: أميركا منشغلة بالانتخابات، ومنكفئة على أزمتها المالية، وهي غير متحمسة على الأقل في الوقت الراهن للمجازفة بمغامرة عسكرية جديدة قد تزيد من أعبائها، وتفتح منطقة الشرق الأوسط على المجهول. سيما وأن تجربتي العراق وأفغانستان ما زالتا حاضرتين بتداعياتهما على السياسة الأمريكية في الداخل والخارج. كما أن فرنسا منهمكة هي الأخرى بالانتخابات الرئاسية .
رابعا: ان الأزمة السورية في الأساس لم تعد أزمة داخلية بل تحولت مع الأيام إلى أزمة إقليمية بل وعالمية، فالأزمة لم تعد داخلية لها علاقة بالحرية والديمقراطية والتخلص من الاستبداد والديكتاتورية، بل بات لها علاقة بالصراعات والأحلاف الدولية، فضلا عن المصالح الاستراتيجية للعديد من الدول الكبرى .
خامسا: رفض روسيا والصين لأي تدخل عسكري في سورية وإستعدادهما الدائم لاستخدام الفيتو في مجلس الأمن ، وبغض النظر عن الأسباب التي تدفع موسكو وبكين إلى اتخاذ هذا الموقف المتشدد فان ذلك عقد من مسار الأزمة السورية وأدى إلى تعقيد الأزمة من جهة، ومن جهة أخرى شكل ما يشبه الضوء الأخضر للنظام السوري للاستمرار في نهجه الأمني، ومن جهة ثالثة خفف من اثر الضغوط الدبلوماسية والسياسية الدولية على النظام السوري.
سادسا: العرب بدورهم تعاملوا بحذر شديد مع الأزمة السورية خلافا لما جرى لليبيا القذافي، إذ بقي موقفهم يتراوح بين الدعوة إلى التغيير ورفض التدخل العسكري، بل ان البعض نأى بنفسه عن الأزمة وفي الصميم وقف إلى جانب النظام السوري.
أمام هذا المشهد السوري المعقد، لا بد للجميع أن يتساءل، من المستفيد من استمرار الأزمة، وهل باتت التكاليف التي ستدفع لإسقاط النظام إن سقط، أكثر كلفة من بقائه.
في الواقع لا شك أن إسرائيل هي أكثر المستفيدين من استمرار الأزمة في سوريا، في ظل انهماك الجميع من (ممانعين) و (معتدلين) بها، وبالتالي فإن إسرائيل استغلت هذه الظروف للتفرغ لأجندة التهويد والاستيطان وخصوصا في مدينة القدس، ولعل ما يجري في القدس وتحديدا في المسجد الأقصى، ورفض إسرائيل السلام مع الفلسطينيين، وعدم الاكتراث بمحادثات الرباعية .. كل ذلك جعل من إسرائيل مستفيدة كبرى من استمرار الأزمة في سورية, ولعل هذا ما يفسر حديث بعض القادة الإسرائيليين عن أن سوريا ستكون الدولة التي سيعوض فيها الإسرائيليون كل ما خسروه في ثورات الربيع العربي .
ومع استمرار الجدل بشأن الحسابات والمكاسب والتداعيات، وفي ظل تضارب المصالح والأجندات، وتداخل الخيوط الداخلية بالإقليمية بالدولية، فإن كل ذلك يجعل من الأزمة السورية أزمة مرشحة للمزيد من التفاقم والإطالة، وهذا يعني أيضا أن النظام مستمر ولا تغيير بالقوة على الطريقة الليبية. وهو الأمر الذي يدفعنا للقول بأن الإدارة الأميركية تخوض حربا باردة استخباراتية ودبلوماسية مع روسيا والصين، وهي في ذات الوقت تسعى لإنهاك النظام أمنيا وعسكريا واستنزاف قدرات سوريا، وتفتيتها اجتماعيا وطائفيا وعرقيا؛ كما تهدف أيضا من خلال تكريس الوضع القائم إلى استمرار استنزاف محور المقاومة والممانعة، والمحور الاشتراكي القديم (روسيا والصين)، وإبعاد إسرائيل والقضية الفلسطينية عن دائرة الضوء. أما روسيا والصين فإنهما على الأرجح ستبقيان متمسكتان بمواقفهما، وتدققان حساباتهما الاستراتيجية انطلاقا من بوصلة الأزمة السورية.
أمام هذا المشهد فإن ثورة الشعب السوري المطالب بالكرامة ستبقى مستمرة، وربما تضيع مطالبه في دوامة حسابات الأمم، ومؤامراتها الكبرى غير العابئة بالشعب السوري ولا بمطالبه.
هي أزمة بلا أفق إذن، وفي انتظار أي مسار حل سواء برحيل الأسد أم بقائه فإن أنهارا من دماء السوريين ستبقى تسيل بين العاصي والفرات وربما دجلة في الأيام المقبلة.
وهنا يحق لنا أن نتساءل، هل المطلوب في سوريا حقا هو رحيل الأسد؟ أم بقائه واستمرار الأزمة ؟
التعليقات
يسقط بشار ولا مؤامرات
sawsan -الثورة هي ثورة شعبية، وهي امتداد للثورات السابقة في الوطن العربي. وسيسقط بشار عاجلا أم آجلا ولا يمكن أن نبرر بقاءه أو أن ندافع عنه بذريعة المصالح الدولية. فمن الطبيعي في أي حدث أن تبحث كل الدول عن مصالحها
لا تستحقون الرحمة
رامد -تعليق مكرر
ثورة ام ازمة
نعيم حسن -السلام عليكم استاذ عمر,,,,,في بداية المقال اسميتها ازمة و في الخاتمة اسميتها ثورة...ان كانت ازمة هناك اسباب ومفتعلين للازمة...نحن معك ان النطام مليئ بالفساد حتى راسه...ولكن هذا بحث اخر وله طرق معالجة اخرى,,والمفتعلين للازمة لديهم اسبابهم واهدافهم ولا يوجد من بينها الديمقراطية والحرية,بل هدفهم الاساسي امن اسرائيل فقط,لان النطام السوري هو الوحيد بين العرب الداهم للمقاومة,,,اما انها ثورة مثل الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا لا لانه في سوريا معظم المدن السورية هي مع النظام,,,من وجهة نظري هي ازمة يريد مفتعلها اسقاط اي نظام يدعم المقاومة بشكل او باخر وفي هذا اتفق معك..
جمييييييييل
علي خالد -جميل التحليل نسأل الله أن يكتب الخير للشعب السوري
رد على نعيم حسن
علي الرفاعي -الثورة قد تتحول إلى أزمةحين تصبح التبعات أكبر من المكاسب اعتقد ان الكاتب قاصدها