الأزمة السورية بين تصادم المواقف وتعدد الاحتمالات (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الاولى
تتضارب التحليلات والمواقف حول المأزق السوري، فيما تستمر حمامات الدم بلا حساب، وباستخدام الدبابات والطائرات. وإنه لمن المكابرة أن نجازف بتقديم لوحة دقيقة تماما عما يجري وعن حقيقة حسابات الدول الكبرى ودول المنطقة تجاه الحالة السورية. ومن يقرأ الصحف العربية والأجنبية ويستمع لنشرات الأخبار، يصطدم بالتضارب في الروايات والمعلومات- مع الاتفاق على واقع حمامات الدم المراق في أنحاء سوريا. أما الاستناد لمقالة تنشرها هذه الصحيفة أو تلك، ومهما كانت محترمة، أو لما يكتبه هذا المحلل أو ذاك، للخروج بأحكام جاهزة، فهو ما يخالف قواعد التحليل السياسي ومهدد بالتبسيط والتسطيح. ولكن مشكلة القضية السورية، كما يقول عبد الرحمن الراشد، "أنه لا يوجد مالك لها ، يدافع عنها ويحملها في المحافل الدولية المهمة. وبالتالي الشائع عنها جملة استنتاجات ليست صحيحة مبنية على التجربة الليبية والتجربة الأفغانية من قبل."
وقد أضاف الإعلان الأميركي الرسمي عن تسرب عناصر من "قاعدة" العراق لسورية لمحاربة الأسد ضجة وموجة جديدتين من التعليقات والتخريجات- علما بأن الإعلان يخص تفجيرين كانت المعارضة قد نسبتهما للنظام نفسه، ولكن لا نعلم كم من مقاتلي القاعدة ذهبوا لهناك، وكم تبلغ قوة قاعدة العراق أصلا لتضرب العراق في كل أنحائه، وفي الوقت نفسه، لتنقل مقاتلين منها لسوريا؟ بل وكنا نسمع بيانات عراقية رسمية متتالية ومتباهية في السنوات الأخيرة عن ضربات ماحقة أصابت القاعدة في العراق وأنهكتها.
صحيفة الديلي تلغراف المحافظة في مقال لها بتاريخ 8ا شباط المنصرم تصفي حساباتها مع كاميرون وتوني بلير: الأول بسبب ليبيا وسوريا، والثاني بسبب الحرب على صدام. ففي مقالة للمحرر السياسي لهذه الصحيفة يمحور الكاتب تحليله حول الإعلان الأميركي المذكور عن وجود قاعدي في الساحة السورية. وهو يشير لتعقيدات الوضع بسبب ذلك، ويعلن خوفه من أن تكون القاعدة هي الرابحة الحقيقية من المواقف الأميركية والبريطانية المنددة بالنظام السوري ومذابحه. الكاتب بيتر أوبورن يستخلص من التصريح الأميركي عن تواجد ما للقاعدة ليقفز للاستنتاج التالي: " إذن، فهذا اعتراف رسمي: لقد تم الاعتراف بأن القاعدة حليف بريطانيا وأميركا في رغبتنا في إسقاط الحكومة السورية." فأي استنتاج!! عند الكاتب يكون الاعتراف بوجود ما للقاعدة هناك اعترافا رسميا بالتحالف الفعلي والواعي مع القاعدة ضد الأسد!! وكون القاعدة أيضا قد تحولت، من شريكة الأسد وإيران في تدمير العراق منذ 2003، إلى راغبة في استغلال الوضع السوري لصالحها هو دليل، عند الكاتب، على وجود تحالف فعلي غربي- قاعدي ضد العدو المشترك ، كتحالف السوفيت والنازية عام 1939[اتفاق روبنتروف ومولوتوف] كما يقول نصا!! وهذا يعني أيضا أن كل معارضي النظام السوري، محليا وإقليميا ودوليا، منساقون- عن وعي وتصميم - للتعاون مع القاعدة ما دام هناك ضلع ما للقاعدة في الساحة، وهو ضلع غير معروف بعد مدى قوته وانتشاره. والقاعدة، في نظر الكاتب، هي أيضا ضد إيران وحزب الله وحماس، وإذن فكل معارضي هذه الجهات هم حلفاء فعليون للقاعدة، وكل هذه الجهات ضحايا مسكينة لمؤامرة دولية واسعة بمشاركة الموساد وشركات السلاح الغربية وأموال الخليج!!! ويذهب هذا التحليل إلى أن الولايات المتحدة تكرر تجربة أفغانستان حين دعمت المجاهدين ضد السوفيت ثم انقلبوا عليها فيما بعد، واليوم تستخدم القاعدة لإسقاط النظامين السوري والإيراني لتعود واشنطن بعدئذ لسحق القاعدة.
مقابل هذا التحليل، ينبري كتاب عرب لاتهام أميركا باختراع " فزاعة " القاعدة لكي لا تقوم بالتدخل الفعلي في سورية، ومنهم من كتبوا أن هيلاري كلينتون " تختفي خلف الظواهري".
في رأيي أن الغرب- والجانب الأميركي خاصة- كان يفضل بقاء مبارك وبن علي بشرط إجراء إصلاحات ديمقراطية ومكافحة الفساد، وهذا ما كانت تضغط باتجاهه الإدارة الأميركية زمن بوش بالنسبة لمصر. ولكن عندما انفلتت الأمور، وتداعت تلك الأنظمة، فإن الولايات المتحدة رأت نفسها مضطرة لمد اليد للمنتصرين، وهم الإخوان، بأمل تقليل الخسائر وبوهم كسبهم. وأخمن أن هذا هو أيضا ما كانت تفضله بالنسبة لسوريا، أي قدرا من الإصلاحات والانفتاح وليس إزاحة النظام، ولكن إبقائه ضعيفا، بأمل ضرب تدخله في لبنان وبوهم فك تحالفه مع إيران. كما يجب عدم نسيان البعد الإسرائيلي هنا، وهو هام جدا. فإسرائيل، وخلافا للحكايات والإشاعات عن إرسال الموساد مع السي. أي. إي. فرق الموت لسوريا[؟!!]، كانت مرتاحة لبقاء النظام السوري بوجه عام لأن جبهة الجولان ظلت باردة لأكثر من 40 عاما، ولأنه كانت تجري مفاوضات سرية غير مباشرة بين الطرفين. ولا ترى إسرائيل مصلحة إستراتيجية في أن تنفتح عليها جبهة الجولان، مقرونة بصواريخ حزب الله؛ وكل ذلك مع الشتاء الإسلامي الكاسح، المعادي لإسرائيل في المنطقة، والذي تولّد عن " الربيع العربي".
نعم، هناك مواقف جذرية خليجية لإزاحة النظام السوري، وهناك دعوات سورية داخلية وخليجية للتسليح وللتدخل الدولي العسكري، بهذا الشكل أو ذاك. أما المواقف الغربية، فهي حذرة، وقد تكون مرتبكة وبانتظار التطورات لتحديد الموقف النهائي. فالغرب، وأميركا بالذات، لا يريد تكرار تجربة أفغانستان، وواشنطن لم تنس تجربة العراق، حيث تحول معظم من مهدوا لتدخلها في العراق ورحبوا به وتولوا السلطة بفضله إلى منددين ومناهضين و" ناكري الجميل". كما أن الأطلسي لا ينسى التجربة الليبية بالذات، وأعني تمرد أمراء السلاح على الحكم المدني وإعلان أحكام الشريعة وتسلل المتطرفين الإسلاميين الذين قاموا للتو بعملية نبش لمقبرة للجنود الإنجليز الراحلين خلال الحرب العالمية الثانية. الغرب، برغم حيرته وارتباكه أمام الوضع السوري، ليس بمثل هذا الغباء لكي يكرر تجربة جديدة تكون الأقسى من سابقاتها، وأعني أن يتحالف مع القاعدة لضرب نظام الأسد. وكيف يعقل أن تسمح الولايات المتحدة بتحول المنطقة كلها ساحة قاعدية- إخوانية- سلفية- خمينية، فتتهدد كل مصالحها الحيوية في المنطقة والعالم، وأيضا يزداد الخطر على الحليف الإسرائيلي؟ وكيف سيسمح الكونغرس بذلك؟ وهل لدى أوباما من رأسمال في السياسة الخارجية غير مقتل بن لادن؟
وبالعودة لمقال الديلي تلغراف، فإنها هي نفسها كانت قد نشرت في 12 شباط الماضي نفسه ، أي قبل المقال العتيد بأيام، تقريرا واسعا عن قفزة في التعاون المالي والتدريبي والعملياتي بين القاعدة وإيران ردا على العقوبات. بل يزعم التقرير، المبني على معلومات من مخابرات أسيوية وغربية، بأن القاعدة وإيران قد تهيئان لعملية إرهابية كبرى في أوروبا، مثلا في بريطانيا بمناسبة الاولمبياد الكروي.
في اجتهادي أن الغرب لا يزال يحبذ صيغة توافقية في سوريا على الطريقة اليمنية، ولكن هل وفر النظام السوري فرصة كهذه؟ لا أرى ذلك. فالغرب يخشى النظام البديل، ويخشى الفوضى وانهيار الدولة وانتشار الصواريخ والسلاح الكيميائي في المنطقة وخصوصا على حدود إسرائيل، وبالطبع هو يخشى استغلال القاعدة للوضع. كما أن هناك تقديرات عن تشتت المعارضة[*] وتباين في الانتماءات الإقليمية. وقد رأينا جيش سوريا الحر يرفض التعاون مع المجلس الاستشاري العسكري الذي شكله مجلس المعارضة برئاسة المناضل برهان غليون. في الوقت، نفسه يجد الغرب نفسه أمام ضغوط الرأي العام في بلدانه الذي يرى حمامات الدم السوري المسفوك في الليل والنهار، ومقاتل الصحفيين والأطفال، وكذلك أمام الدعم العسكري والمالي الإيراني لنظام الأسد.
ومع انتخاب بوتين، فهل ثمة من تحولات محتملة في الموقف الروسي مع أن بوتين يتصرف وفق إستراتيجية المشاغبة والمناكفة تجاه الغرب؟ وهل ستستمر روسيا في تجاهل الرأي العام العربي والدولي؟ يشير الأستاذ جورج سمعان [ الحياة في 5 مارس الجاري] إلى تصريح فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، القائل إن التحليل الروسي " لا يختلف كثيرا عنا." وكاتب المقال يخمن بأن من المحتمل اتفاق الطرفين الروسي والأميركي على مشروع حل سياسي وسطي بدون الأسد، يفرضه الروس عليه فرضا، ويقوم الطرف الأميركي بإقناع المعارضة بقبوله. وقبل سمعان كان الأستاذ عثمان ميرغني قد كتب في الشرق الأوسط [ 29 شباط 2012 ] إن المخاوف على إسرائيل، والخوف من وصول إخوان سوريا للسلطة، بعد وصول إخوان مصر وتونس والمغرب، فضلا عن الحركات الموالية لإيران في لبنان وغزةtimes; قد يكون كل ذلك بابا لاحتمال تلاق روسي - غربي في تفضيل حل سياسي على الطريقة اليمنية.
الراجح كما أرى هو أن يستمر النظام في حله الأمني العنيف، الذي يغلق أبواب الحلول السياسية التوفيقية المعقولة والمقبولة. وهنا باب الكوارث المحتملة. والحل؟؟!
[* تقول نيويورك تايمس إن هناك قلقا أميركيا من "أن حركة الاحتجاجات قد تحولت إلى [مجموعة خطيرة وغير منظمة من المقاتلين المعارضين المسلحين]، على حد وصف ستيفن هايدمان،الخبير في الشؤون السورية في [ المعهد الأميركي للسلام]." وتقول الصحيفة أيضا " ويوجد كيان يسمى الجيش السوري الحر، لكنه أقرب إلى مجموعات من المليشيات بدلا من الجيش، فبعض أفراده من القبائل، والبعض الآخر يرتبط بعلاقات إقليمية أو عرقية، ولكن ليس لديه بنية تنظيمية واضحة."[ ترجمة الشرق الأوسط عدد 27 شباط 2012 ]