فضاء الرأي

العودة إلى حمص

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أحاول في هذا الأوان
أن أبحث عن ذلك الطلسم الذي حفظ المدينة من الشّرور والسموم في زمن غبر. أين اختفى ذلك الطلسم، والآن بالذّات، عندما يكون أهل البلد أكثر ما يحتاجون إليه في هذا الأوان. لا أدري لماذا، ولكنّي أحيانًا أحبّ العودة إلى أماكن غريبة لم أزرها من قبل. الأماكن التي تتصدّر الأخبار تخلق لديّ رغبة جامحة للعودة إلى ما تدوّنه لنا كتب التراث. هكذا، وعبر هذه الكلمات المحفوظة، أشتمّ روائح ذلك الزّمان وذلك المكان كما دوّنتها مخيّلة من زار تلك الأمكنة أو من وقف عليها في كتاب أو رسالة وحفظ لنا مشاهداته تلك في تدويناته.
فها أنذا اليوم أشدّ رحالي، الاستعارية بالطبع، عائدًا إلى حمص، إلى هذه المدينة التي لم تطأها قدماي في الماضي. وعودتي إلى حمص الآن تأتي لما تتناقله منذ شهور ومنذ أيّام وسائل الإعلام، العربية والأجنبية، عن المجازر التي يرتكبها والي الشام وجيشه الـldquo;ممانعldquo;، ببلاغة تليدة بليدة طبعًا، بحقّ أهلها المنتفضين على الظّلم والاستبداد الذي طال أمده واشتدّ كمده.

فحمص هذه، كما يروي
لنا السّلف، هي: rdquo;بلد مشهور قديم كبير مسوّر، وفي طرفه القبلي قلعة حصينة على تلّ عال كبيرة، وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق. بناه رجل يقال له حمص بن المهر بن جان بن مكنف، وقيل: حمص بن مكنف العمليقيldquo;، كذا يواصل ياقوت الحموي سرد الحكايات. لستُ معنيًّا بالطّبع بحقيقة تاريخية في هذا السّرد، بل أجدني أبحث عمّا ارتسخ في المخيّلة. فالحكاية كنز مليء بالخيال، والخيال هو الإنسان. وأنا أبحث في الكتب محاولاً العودة إلى المكان لرغبة جامحة لديّ في التفكّر في إنسان حمص الآن. ثمّ يضيف ياقوت بعد ذلك أنّ أهل السير يذكرون أنّ هذه المدينة rdquo;بناها اليونانيّونldquo;. ليس هذا فحسب، بل وأكثر من ذلك فهم يقولون أيضًا إنّ: rdquo;زيتون فلسطين من غرسهمldquo;.
ولمّا كُنت أنا قد جئتُ من بلد في الجليل مشهور بزيتونه، فقد تفكّرتُ في الأمر مليًّا وتساءلتُ بيني وبين نفسي: هل ذلك الزّيتون الذي نشأت وترعرعتُ أنا في كنفه هو حقًّا من غرس حمص هذه؟ فيا لها من مفارقة تجمعني الآن بحمص هذه التي على كلّ لسان وفي هذا الأوان بالذات، لكن ليس لفرح تجمعني بها، بل لما يشهد أهلها من طغيان ذوي القربى العربان.

وكذا كان في غابر الزّمان:
rdquo;فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبكّ فنزل بباب الرّستن فصالحه أهل حمص على أن أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج على من أقام منهمldquo;. وبعد سقوط المدينة أمام الغزو العربي الإسلامي وجلاء بعض أهلها، فقد تمّ تقسيمها: rdquo;خططا بين المسلمين، وسكنوها في كل موضع جلا أهله أو ساحة متروكة.ldquo; (عن: ياقوت الحموي، معجم البلدان).

وبينما تتنامى إلى أسماعنا
أخبار حمص في هذا الزّمان، أقول في نفسي: هل جلا بعض أهل حمص الآن أمام غزو جديد؟ ومن هو الغازي؟ كم قتل من بشر؟ كم هدم من حجر؟ وكم سحل في أزقّتها الآن والي الشّام الجديد؟ إنّها أسئلة لا تني تراودني مع سماع أخبار هذه المدينة المنتفضة مع أهلها ضدّ الطغيان.
وها هو ياقوت الحموي يقول لي في معجمه، سائرًا على عادة المناكفات العربية بين البلدان: rdquo;ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثلldquo;. ونحن نعرف هذا الصنف من الكلام، فطالما تركنا في حكاياتنا وأسمارنا أصول اللباقة، وطالما وسمنا بلدًا جارًا لنا بالحماقة. إنّه نوع من المناكفات المعهودة بين بلد وبلد، أو بين حارة وحارة. ولعلّ في هذه المناكفات ما يشي بطيب القلب في حياة ناس طالما اتّسمت بالبساطة.
فها هو مؤلّف آخر يقول غير ذلك عن هواء وتربة حمص في معرض حديثه عنها: rdquo;وثراها طيب للزراعات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام.ldquo; (عن: الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار). ثمّ يضيف الحميري مشيرًا إلى أهل هذا البلد: rdquo;ويقال إن أهل حمص أول من ابتدع الحساب في سالف الزمن، لأنهم كانوا تجارًا يحتاجون إلى الحساب في أرباحهم ورؤوس أموالهم ونفقاتهم... ويقال: إن أبقراط الفاضل كان مسكنه مدينة حمص.ldquo;

قبل عقد من الزّمان
زرت إشبيلية التي في الأندلس وجلت أزقّتها وشوارعها وتنسّمت روائحها. لم أكن أعرف آنئذ أنّي أزور شيئًا من حمص هذه. فها أنذا الآن أقرأ كلام ابن جبير عن حمص وأحاول استعادة تلك المشاهد التي رأيتها في أشبيلية. فكذا يذكر ابن جبير: rdquo;وتجد في هذه البلدة عند اطلالك عليها من بعد في بسيطها ومنظرها وهيئة موضوعها، بعضَ شبه بمدينة إشبيلية من بلاد الأندلس، يقع للحين في نفسك خياله. وبهذا الاسم سميت في القديم، وهي العلة التي أوجبت نزول الأعراب أهل حمص فيها، حسبما يذكر.ldquo; (عن: رحلة ابن جبير)

وعودٌ على بدء:
rdquo;قالوا: ومن عجائب حمص صورة على باب مسجدها إلى جانب البيعة على حجر أبيض، أعلاه صورة إنسان وأسفله صورة العقرب. إذ أخذ من طين أرضها وختم على تلك الصورة نفع من لدغ العقرب منفعة بينة، وهو أن يشرب الملسوع منه بماء فيبرأ لوقته.ldquo; (عن: ياقوت الحموي، معجم البلدان). كما يروي الحميري عن عجائب حمص، فيقول: rdquo;وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال. وبها على القبة العالية الكبيرة التي في وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح كيف ما دارت، وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاز إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع ذلك الحجر الطين الذي يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فيبرأ للحين.ldquo; (عن: الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار).

والآن، مَن يُبرِئ أهلها؟
فأين أنت الآن يا أيّها الطلسم الذي حفظ المدينة في الماضي من كلّ العقارب والأفاعي؟ أجل، أين أنت الآن؟ ومن ذا يردّ كلّ هذه العقارب والأفاعي البعثيّة القبليّة عن وجوه أطفالها، عن راحات نسائها، عن صدور شيوخها وعن أجساد أهلها المساكين؟

وفي هذا اللّيل الشّامي الدّامس، أجدني أغذّ الخطو باحثًا عن طلّسمات أخرى. أجدني أبحث في هذا اللّيل العربيّ عن طلّسمات تنفع لبرء ذوي القربى من أمراضهم، ومن نعراتهم المُزمنات.
أجل، في هذا اللّيل تتعالى في مخيّلتي الآن كلّ هذه التساؤلات، ولكنّي لا أحير عليها جوابًا.

موقع الكاتب: rdquo;من جهة أخرىldquo;
http://salmaghari.blogspot.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العراف و المنجم!
Red Onion -

هذا قولك:أن أبحث عن ذلك الطلسم الذي حفظ المدينة من الشّرور والسموم في زمن غبر،أين اختفى ذلك الطلسم؟استاذعليك بالاتصال بالجن لكي تعرف الجواب//او قراءة الكف أو الفنجان من امرأة ساحرة تسكن بلاد الجليل الطلسم

شكراًعلى المعلومة والموقف
علي العلي -

شكراً على المعلومة عن حمص .وشكراً لموقفك الكريم من أهل حمص .الشكر لك من فلسطيني زار حمص وأكل من خيراتها الزراعية . مررت بها عدة مرات واسترحت بها وأكلت وشربت وما زلت أتذكر. ونمت بها ليلة واحدة وما أطيب خبزها وطعامها وشرابها.وكنت جوعان طبعاً. فحمص مدينة الخير دمرها أشرار البعث لعنة عليهم .

ياحرام هكذا شعب يذبح
سوري مفتون بحمص واهلها -

واضيفك القول ايها الكاتب البارع ان اهلها كرماء جدا وطيبون حتى السذاجة وروحهم مرحة ضاحكة، ونسائهم هن الاجمل في كل سورية، استثناء منهن هذه اسماء بنت الاخرس زوجة المعتوه المفصول عن الواقع دلول امه بشار، واهلها جميعا ذو ثقافة عالية ووعي سياسي ناضج لذلك لم يكن من العجب ان تكون عاصمة الانتفاضة وقلعة الثورة... رعاكم الله وحماكم يااهل حمص من هذا الذي زرع في بيوتكم الموت والمأساة والدموع... دعاء نساءكم وامهاتكم وبناتكم واطفالكم سوف تحرق هذا الفاجر القاتل بشار ابن ابيه في يوم قريب وسوف تحرق عائلته، وسينتقم الله بدون ادنى شك لفجيعتكم ومأساتكم.

يقوم بحرق المصافح القراني
الجيش البوشاري الجبان -

الجيش البوشاري الجبان يقصف الاطفال و المساجد و يقوم بحرق المصافح القرانية. حافظ المقبور ادخل الشر الى سوريا من اوسع الابواب من اجل حفنة من المال. باع الجولان للصهاينة ولواء اسكندرون للاتراك. وهاهما ولداه الاشرار بشار وماهر باعوا الساحل لروسيا وسوريا ولبنان لآيات الدجل في ايران. ولم يكفيهم ذلك، فهما يذبحان الشعب ويعيشان على دمه...

يقوم بحرق المصافح القراني
الجيش البوشاري الجبان -

الجيش البوشاري الجبان يقصف الاطفال و المساجد و يقوم بحرق المصافح القرانية. حافظ المقبور ادخل الشر الى سوريا من اوسع الابواب من اجل حفنة من المال. باع الجولان للصهاينة ولواء اسكندرون للاتراك. وهاهما ولداه الاشرار بشار وماهر باعوا الساحل لروسيا وسوريا ولبنان لآيات الدجل في ايران. ولم يكفيهم ذلك، فهما يذبحان الشعب ويعيشان على دمه...

الشعوبيين
عوض -

مخالف لشروط النشر

الشعوبيين
عوض -

مخالف لشروط النشر

الوطن غالٍ
Saminof -

وطــن . شــرف . إخــلاص . الوطن غالٍ .. و الوطن عزيز .. و الوطن شامخ .. والوطن صامد,لأنّ الوطن هو ذاتنا .. فلندرك هذه الحقيقة ولنحبّ وطننا بأقصى مانستطيع من الحب..وليكن وطننا هو المعشوق الأول الذي لايساويه ولا يدانيه معشوق اخر ..فلا حياة إنسانيةً بدون وطن .. ولا وجودَ إنسانياً بدون وطن !! قدّس الله روحك الطاهرة يابو سليمان .. حماك الله يا سيادة الرئيس بشّار الأسد

الوطن غالٍ
Saminof -

وطــن . شــرف . إخــلاص . الوطن غالٍ .. و الوطن عزيز .. و الوطن شامخ .. والوطن صامد,لأنّ الوطن هو ذاتنا .. فلندرك هذه الحقيقة ولنحبّ وطننا بأقصى مانستطيع من الحب..وليكن وطننا هو المعشوق الأول الذي لايساويه ولا يدانيه معشوق اخر ..فلا حياة إنسانيةً بدون وطن .. ولا وجودَ إنسانياً بدون وطن !! قدّس الله روحك الطاهرة يابو سليمان .. حماك الله يا سيادة الرئيس بشّار الأسد

جوليا دومنا
Zablatani -

أنا لا أعرف من أنت سلمان مصالحة ولكنك لا تعرف التاريخ فأين الفينيقيين من تاريخ حمص وأين جوليا دومنا وأباطرة روما الحماصنه لماذا لم تأت على ذكر المرتزقه السلفيين الأخوان القتله الذين احتلوا المدينه وحي بابا عمرو اختطفوا وروعوا أهالي حمص ودمروا البنى التحتيه ومارسوا أفظع أشكال الساديه بعباءه إسلاميه

جوليا دومنا
Zablatani -

أنا لا أعرف من أنت سلمان مصالحة ولكنك لا تعرف التاريخ فأين الفينيقيين من تاريخ حمص وأين جوليا دومنا وأباطرة روما الحماصنه لماذا لم تأت على ذكر المرتزقه السلفيين الأخوان القتله الذين احتلوا المدينه وحي بابا عمرو اختطفوا وروعوا أهالي حمص ودمروا البنى التحتيه ومارسوا أفظع أشكال الساديه بعباءه إسلاميه

ايتام رحبعام زئيفي
الطوباسي -

يا ايتام رحبعام زئيفي يوم الحساب قادم

ايتام رحبعام زئيفي
الطوباسي -

يا ايتام رحبعام زئيفي يوم الحساب قادم

حرس حدود صهيوني
المقدسي -

يا حرس الحدود الصهيوني اين ستذهبون من الشعب الفلسطيني

حرس حدود صهيوني
المقدسي -

يا حرس الحدود الصهيوني اين ستذهبون من الشعب الفلسطيني

الطلسم!
hosam -

عزيزي كاتب المقال الطلاسم كانت من اعمال الاقدمين لتعلقهم بمدائنهم وعشقهم لسلام وامن اهلها حيث كان اقصي ما يتصورونه من شرور هو سموم العقارب والافاعي وهذا معروف في بعض بلدات بلدي مصر من عهد الفراعنةالطلسم لا يمنع سموم افاعي وعقارب البشرحفظ الله حمص واهل الشام البواسل ونصرهم علي الطاغية السفاح

الطلسم!
hosam -

عزيزي كاتب المقال الطلاسم كانت من اعمال الاقدمين لتعلقهم بمدائنهم وعشقهم لسلام وامن اهلها حيث كان اقصي ما يتصورونه من شرور هو سموم العقارب والافاعي وهذا معروف في بعض بلدات بلدي مصر من عهد الفراعنةالطلسم لا يمنع سموم افاعي وعقارب البشرحفظ الله حمص واهل الشام البواسل ونصرهم علي الطاغية السفاح