فياغرا التنوير... وفياغرا التنويم

علينا - نحن معشر الليبراليين - أن نعترف بشجاعة أن "حركة التنوير" التي بدأت قبل أكثر من قرنيين مع تأسيس محمد علي الدولة المدنية الحديثة في مصر عام 1805، لم تؤثر سوى في القشرة الخارجية للعقل العربي، بفضل احتكاك روادها الأوائل بالغرب، ووجود الاستعمار الغربي في المنطقة في الوقت نفسه، كما يقول "نادر قريط"، فما أن غادر الاستعمار عقب الحرب العالمية الثانية، وأنتهي تأثير مفعول "فياغرا التنوير"، وارتفع شعار - وشعور زائف -"بالتحرر والاستقلال" على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى عادت (ريما لعادتها القديمة) واستعادت قوة الموروث سيطرتها على العقل من جديد، فيما نشهده اليوم من مختلف أشكال الوصاية على العقل باسم الدين تارة والإيديولوجيا تارة أخرى، والقانون الممتزج بالدين (الشريعة) تارة ثالثة.
التنوير الحقيقي كما عرفه الفيلسوف الألماني "إمانويل كانط"، هو: rdquo;هجرة الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول وحده عن وجوده فيها. والقصور (عدم الرشد) هو حالة العجز عن استخدام العقل، والإنسان القاصر مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب rdquo;العقلrdquo;، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، من دون قيادة الآخرين.. لتكن تلك الشجاعة على استخدام عقلك بنفسك، ذلك هو شعار التنويرrdquo;.
المغزى الأساس للتنوير إذا، هو القدرة على التفكير بشكل ذاتي مستقل. وكأن جوهر التنوير في كل زمان ومكان، هو تأهيل العقل لبلوغ (حالة الرشد) دون وصاية اللاهوت ورجال الدين، والثورة على البنى الأبوية البطركية، بتعبير هشام شرابي، وليس أختطاف الإسلاميين للثورات في العالم العربي والحكم بإسم الدين! .. وهو أكبر دليل علي فشل حركة التنوير في العالم العربي (في القرن الماضي) وحتى اليوم، لأن الهدف الأساس لبلوغ العقل العربي الرشد وهو: رفع الوصاية عن هذا العقل، وعن التفكير المستقل والإبداع الحر، لم يتحقق بعد؟
في خطوة مفاجئة قررت الشركة الأميركية (فايزر) المنتجة لعقار الفياغرا تخفيض سعر البيع للجمهور في مصر بنسبة 60%، من 27 جنيهاً إلى 10 جنيهات (دولار ونصف)، معظم التعليقات الساخرة للمصريين علي هذه الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي أكدت : أن هذا التخفيض الكبير بمثابة "فياغرا سياسية" مقابل صرف الناس عن مشكلات حقيقية نتيجة الانخفاض الهائل في احتياطي النقد الأجنبي الذي يزداد شهرياً منذ تفجّر ثورة 25 يناير 2011، وربما - كما يقول بعض الخبثاء - الرد العملي السريع علي (هلفطة) رئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري الذي أعلن رفضه "الضغوط" التي تمارسها الولايات المتحدة على مصر، وقال أحلي (أفيه): "مصر لن تركع لأمريكا بسبب المساعدات"! وهو ما أضحك المصريين (علي اعتبار أن شر البلية ما يضحك) وأعاد الاعتبار والتقدير للممثل العبقري عبدالفتاح القصري الذي كان سابقا لعصره في فيلم "إبن حميدو"
لكن يبدو أن "الفياعرا السياسية" مطلوبة بقوة في مصر الآن، وهو ما تعلمه أمريكا جيدا، نظرا لكثرة حالات الزواج السياسي غير الشرعي (وتعددها) في هذه المرحلة الانتقالية، بين العسكر والإسلاميين، وبين حزب العدالة والحرية (الذراع السياسي) للإخوان المسلمين وحزب النور الممثل للسلفيين داخل مجلس الشعب، وكلها أشكال من " زواج المتعة " أو التكتيك السياسي العابر الذي لا يبني وطنا صحيحا معافي أو يحقق أهداف ثورته غير المسبوقة.
اللافت للنظر أن تخفيض سعر الفياغرا تزامن مع تدفق ملايين الدولارات الأمريكية لتزوير الانتخابات الرئاسية القادمة، وانتخاب أحد شياطين النظام السابق، على حد تعبير الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح المحتمل لرئاسة مصر. الذي قال في مؤتمر شعبي عقده في أبو قرقاص بالمنيا أمس الثلاثاء: إن إصلاح مصر يأتي من خلال إغلاق "صنبور الفساد وسوء الإدارة".
الفياغرا الأمريكية لن تعالج بالتأكيد "عجز" المصريين عن تحقيق حلم الدولة المدنية بعد مرور أكثر من عام، أو استرجاع المليارات المهربة للخارج، ومعرفة مصير المليارات الأخري من دخل قناة السويس ومناجم الذهب وآخرها منجم "السكري"، أو عجزهم عن محاكمه "شاويش" من الذين قتلوا خيره شبابهم بالرصاص الحي في الرؤوس والخرطوش في العيون، ناهيك عن المحاكمة العادلة لحسني مبارك ورجال نظامه والإفراج عن 12 الف معتقل سياسي في سجون مصر، الأهم من ذلك أنها (فالصو) منتهية الصلاحية : لن تمدهم بالوهم الزائف أو القدرة المصطنعة علي انتخاب رئيس ديمقراطي بعد عدة أشهر من الآن؟

Dressamabdalla@yahoo.com