فضاء الرأي

بغداد.. قمة لرفع العتب.. أو "الجنابة" السياسية!؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بينما تستعد بغداد، إحدى أهم العواصم الحضارية العربية تاريخياً لاستقبال الوفود العربية المشاركة في قمتها "الدورية"، مزهوة بإنجاز "التحرر" والتجدد السياسي، ويحدوها الرغبة في العودة إلى مكانتها ووضعها السياسي والإقليمي وحضنها العربي، على أقل تقدير، دوت انفجارات متتالية جنبات عاصمة الرشيد لتعيد إلى الأذهان حال التدهور والفلتان الأمني الذي وصمت به البلاد إبان فترة وجود المحتل (أو المحرر من الاستبداد لا فرق) الأمريكي وحلفائه الغربيين، الذي ما كاد يخرج من أبواب المدينة عسكرياً (أو ربما ما خرج أصلاً) ليعود من بوابات الاتفاقات الأمنية والسياسية.
ملفات متعددة ورغائب متفرقة تأمل من خلالها بغداد الجريحة أن تنجزها من خلال استضافة قمة عربية دورية ثار من الجدل حول إمكانية عقدها في بغداد وسبل التوافق على الملفات المطروحة للبحث أكثر مما قد يثور بعد "انفضاض" المولد العربي من سجال حول المقررات والنتائج التي ستفضي إليها.
لا شك أن حراك الربيع العربي وشعوبه المنتفضة في أكثر من بلد قد أرخى بظلاله على أول قمة رسمية للنظام العربي قد يشهد تعارفاً تقييماً لزعامات وأنظمة جديدة مستولدة من رحم ثورات وحراكات تمت أو هي في طريقها إلى الاكتمال، وهو ما يعني حاجة موضوعية وذاتية إلى إعادة تقييم منظومة العمل العربي ونظامها السياسي لا سيما بعد أن لعبت الجامعة العربية في عدد من الأزمات والمسائل العربية دوراً "لافتاً" في تمثيل طموحات وطروحات شعبية غريبة عن النهج السياسي الذي لعبته سابقاً، ونضوج المال العربي الخليجي ليتخلى عن دور سابق اكتفى في الماضي في دعم القرارات السياسية العربية (الهامشية أصلاً) إلى صياغتها وقيادة قاطرة العمل العربي.
بيد أن تساؤلات جدية مطروحة على أجندة قمة عربية جديدة وهامة لجهة توقيتها ومكانها تتعلق بقدرة العراق على احتضان قمة عربية قد تكون استثنائية في كل شي و"تحمل" مقرراتها التي من المرجح أن تخرج هذا العام "توافقية" كما جرت العادة بالنسبة لعدد من الملفات والقضايا بحكم وضع العراق الخاصة وموقفه منها، نتائج قد توصف بالمتواضعة، وهو ما يطرح تساؤلاً: هل كان من الضروري عقد القمة في بلد عربي خرج للتو من فلك الهيمنة السياسية والعسكرية الغربية ولديه من الألغام والأزمات الداخلية والمواقف السياسية من الحراك العربي الحالي ما قد يفشل الاجتماع ويبدد من النتائج المعولة عليه؟
البعض يرى في مجرد عقد القمة في بغداد دعماً سياسياً عربياً لعودة العراق قوياً معافى إلى حضنه العربي والإقليمي في ظل صعود قوى جديدة في المنطقة وتراجع أخرى وانشغالها بأزماتها الداخلية، وهو ما التقطه العراق الرسمي وسعى إلى استثماره رغم تحفظه على كثير مما يجري، لكن قدرة النظام السياسي الحالي في العراق على لملمة جراح نزيفه الأمني وثغراته المتزايدة مع قرب انعقاد موعد القمة العربية، أو سجالاته وخلافاته السياسية الداخلية التي تهدد بانفجارها وعرضها على جلسات القمة (قضية نائب الرئيس الهاشمي) تبقى موضع شك أو تشكيك بالنسبة لكثير من المراقبين والراغبين بإنجاح القمة على حد سواء.
اللافت في قمة بغداد انخفاض السقف السياسي المتوقع منها، كما اعتاد المواطن العربي في السابق من قمم أنظمته رغم تغير جلد الشعوب العربية وبعض أنظمتها في أكثر من بلد عربي، والسبب يعود إلى رغبة ضمنية توافقية بين المضيف والضيوف على استثمار إيجابيات الاجتماع في حد ذاته على حساب تجاهل أو تصغير السلبيات المحتملة.
فلا القوى العراقية المهيمنة على القرار السياسي الرسمي أو المعارض في العراق ترغب في تحمل وزر وخطايا قرارات تاريخية لمنظومة عمل عربي تريد اللحاق بربيع شعوبها لتمثله أو على الأقل، لتكبح جماحه، فالحراك السياسي والشعبي الجاري في المنطقة العربية مثار ريبة وشك و"تقية" سياسية من قبل أطراف سياسية عراقية ترى فيه تغييراً بدأ يخرج عن حده المطلوب بعد أن جاوز محطته الأولى (تونس) وإلى حد أقل مصر.
فضلاً عن المشاكل والأزمات الداخلية العراقية التي تعصف بالبلاد وتجعل من الرغبة في لعب دور سياسي أو تسجيل ولادته إقليمياً "ترفاً" سياسياً لا معنى له أو ربما "هروباً" ذا معنى لحكومة عراقية محاطة بها وبحاجة إلى "أوكسجين" إنجاز سياسي.
حتى الدول العربية المشاركة في قمة بغداد يعتريها التردد والحيرة إزاء المشاركة وتحوم على حجم التمثيل ومستواه في ظل الانفلات الأمني الأخير غموض متعمد قد تحسمه مفاوضات ومشاورات الساعات الأخيرة، دون أن ننسى مخاوف الفشل والإفشال المتعمد والمتوقع بسبب تعقد الملفات المطروحة وتشابكها، وعدم جهوزية جامعة الدول العربية بعد لتدشين عودة قوية موازية لحراك شعوبها الربيعي.
ويبقى.. أن تبني تنظيمات موالية للقاعدة تفجيرات بغداد الآثمة في ظل الظروف السياسية وراهنية الاستحقاق المنتظر بات يطرح تساؤلات عديدة عن حقيقة هذا التنظيم الهلامي التكون والمترامي الأطراف، والذي بات البعض يغمز لجهة تتويجه "الخادم" الأكبر لرغبة أي جهة سياسية في إفشال أي تجمع أو قرار أو حراك عربي أو إسلامي وتحميله لشماعة تنظيم بات يفجر في العراق ليصل نفوذه ويترامى إلى أفغانستان وغرب المغرب الإسلامي وقلب أوروبا في وقت واحد!؟
الكل يدعي وصلاً بليلى البغدادية ويحلم بمقاربة ودها لكن أياً من الظروف والأطراف لا يملك دفعاً أو دفاعاً أمام الرأي العام عن فشل محتمل ومتوقع لقمة أضحى هدف الجميع حضورها لرفع عتب لازب.. أو جنابة سياسية لازمة، وتمرير استحقاق لم يستحق بعد ثمنه ونتائجه في ظل الحراك العربي والأزمات العراقية الداخلية.

هشام منوّر... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
القذافي الغائب
سلام -

كنت في السابق أتابع أخبار القمم العربية فقط لكي أضحك على القذافي، حيث كانت تصريحاته وتصرفاته وملابسه المزركشة المضحكة تضفي جواً من الدعابة والمرح على القمم العربية. أما وإن القذافي قد رحل الآن نهائياً عن مسرح الحياة، فلم يعد يوجد سبب يدفعني لمتابعة أخبار القمم العربية.