فضاء الرأي

الأزمة السورية: بين عامل الوقت وأسلوب التغيير

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مع الموقف الغربي وتحديدا الأمريكي الرافض للتدخل العسكري في سورية ولتغيير النظام بالقوة، يعتقد الأخير أن الزمن كفيل بتحقيق تسوية تجلب المعارضة إلى طاولة الحوار معه، وهو ينطلق في قناعته هذه من استراتيجية المزدوجة، وهي استراتيجية قامت على دعامتين.
الأولى: حسم الأمور على الأرض عسكريا ولعل ما عزز من هذا التوجه هو ما جرى في بابا عمرو في حمص ومن ثم أدلب ودير الزور ومن قبل ريف دمشق حيث باتت مناطق المواجهات الساخنة تحت سيطرته العسكرية.
الثانية: تدويل الأزمة السورية عندما نجح النظام في جلب دول كبرى مثل روسيا والصين إلى إدارة الأزمة على المستوى العالمي، وهو ما أدى إلى تحويل الأزمة إلى لعبة أمم تتعلق بالمصالح والصراعات بعد ان كانت قضية تتعلق بمطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.
عامل الوقت هنا، يدخل في حسابات الرهان على معادلة القوة التي يتمتع بها النظام خلافا للمعارضة التي تعاني من الضعف والرهان على الخارح والأهم الغياب عن ساحة الحدث الحقيقي أي الداخل السوري، كما أن له علاقة بالعامل الدولي، فمن مبادرة كوفي عنان إلى لقاء أوباما - ميدفيدف في العاصمة الكورية الجنوبية سول وصولا إلى القمة العربية في بغداد لم تصدر أية دعوة للرئيس السوري إلى التنحي، بل على العكس تماما جرى التأكيد على تسوية سياسية للملف السوري وفقا لمبادرة المبعوث العربي والدولي كوفي عنان والتي تتلخص في عملية سياسية شاملة يقودها السوريون بأنفسهم. وعليه بدا مؤتمر أصدقاء سورية الثاني في أسطنبول كأنه محاولة خارج هذا السياق ولاسيما عندما دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى اللجوء إلى الفصل السابع للتعامل مع الأزمة السورية فيما اختفت التصريحات النارية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ودعوته إلى إقامة منطقة عسكرية داخل الأراضي السورية من أروقة المؤتمر. المعارضة السورية وتحديدا المجلس الوطني السوري الذي حصل من مؤتمر اسطنبول على أول اعتراف دولي به، هو الأخر يبدو يراهن على عامل الوقت مع فارق في الهدف، فعامل الوقت عنده ليس الحوار مع النظام بل إسقاطه أو دفعه للإنهيار من خلال استنزافه عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وعزله دوليا، كل ذلك من خلال دعم الجيش السوري وتسليحه لتوجيه ضربات قوية إلى عمق النظام ورأسه، بما ينطوي كل ذلك على مخاطر الحرب الأهلية وعسكرة المجتمع، نظرا لقابلية تحول مكونات المجتمع في مثل هذه الظروف والأزمات إلى الانتماء والانحراط في منظمات لها علاقة بالانتماءات السياسية والطائفية والعرقية والقبلية... على شكل صراع دموي تختفي فيه الهوية العامة التي لها علاقة بالمواطنة والوطن لصالح الانتماء الضيق.
ماذا يعني كل ما سبق ؟ دون شك يعني ان الوقت أصبح العامل الأساسي في تحديد مسار الأزمة السورية مع الإقرار المسبق بأن هذا العامل يحمل معه المزيد من المخاطر وارتفاع في اعداد الضحايا وحجم التدمير والخراب.
في الحديث عن علاقة مؤتمر اسطنبول بالوقت، ينبغي القول أن هذا المؤتمر أظهر حقيقتين:
الأولى: العجز التركي والعربي وتحديدا الخليجي عن فرض تطلع هذه الأطراف إلى وضع الخيار العسكري على الطاولة لتغيير النظام في دمشق، ليتحول ذلك إلى دعم الجيش السوري الحر بالسلاح.
الثانية: قوة العامل الدولي إزاء الأزمة السورية في إطار لعبة الأمم وتحديد المصائر وفقا لهذه اللعبة. طبعا كل طرف لحساباته الخاصة، أمريكا لا تريد الخيار العسكري كي لا تدخل منطقة الشرق الأوسط في المجهول حيث إسرائيل في قلبها ومن حولها إيران وحزب الله إلى جانب سورية، فيما روسيا لا تريد خسارة سورية التي تشكل المدماك الأخير للجيوسياسية السورية في المنطقة، وخسارتها يعني انتقال الحرائق إلى البيت الروسي. لكن ما سبق، لا يلغي ان الغرب نفسه يراهن على عامل الوقت للإطاحة بالنظام السوري عبر الحل السياسي الدبلوماسي الذي يحمله المرحلة الانتقالية من مبادرة عنان على شكل عملية سياسية مدروسة تناسب سياساته ومصالحه دون الأكتراث بحسابات المعارضة والنظام السوري معا، ولا حتى بدماء السوريين التي تسيل يوميا على مذبح الحرية والمصالح معا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف