الزعيم "بورقيبة" بين التقديس والتدنيس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مع اقتراب ذكرى وفاة الزعيم "الحبيب بورقيبة" باني دولة الاستقلال التونسية، التي تُوافق يوم 6أفريل، عاد هذا الرئيس الذي أطاح به "بن علي" في نوفمبر 1987إلى واجهة الأحداث بقوّة، وأصبح اسمه يتردّد في ساحات المعارك السياسيّة التي تدور رحاها بالبلاد التونسية، بعد أن حاولت أطراف سياسيّة أن تعيد تشكيل خارطة الأحزاب إثر سقوط نظام "بن علي".وقد سعى سياسيون محترفون إلى أن يجعلوا من الإرث البورقيبي "قميص عثمان" يتوارون خلفه للعودة من جديد إلى مراكز السلطة والقرار.ولم يُخْف رئيس الوزراء السابق"الباجي قائد السبسي" إعجابه الدائم بالزعيم "بورقيبة"، والاعتزاز بانتمائه إلى مدرسته. وفي كلّ المناسبات التي وقف فيها خطيبا كان ينوّه بحكمة "الزعيم"، وبأفكاره النيّرة التي انعكست إيجابا على تونس الحديثة، وجعلتها من الدول الصغيرة التي تحظى بمكانة دولية متميّزة.
في الحقيقة لم يكن "بورقيبة" في سنوات حكمه "شيطانا" أتى على الأخضر واليابس. ولكنه لم يكن ملاكا منزّها من الأخطاء. والذين ذهبوا بعيدا في اتهامه بالعمالة، وتنفيذ مخططات "فرنكفونيّة" لم ينصفوا الرجل الذي خدم البلاد، وطوّر التعليم، وبنى مؤسسات الدولة، وجعل البلاد التونسيّة منفتحة على العالم بعيدا عن التعصّب الأعمى والغليان الأيديولوجي. والذين قدّسوا الرجل ورفعوه عاليا كأنّه الملاك الطاهر الذي جاء ليتقذ الأمّة ببركاته، لم يتعاملوا معه كإنسان يخطئ ويصيب، وكانوا سببا في ابتلائه بجنون العظمة.
إنّ ما يُسَجَّلُ لبورقيبة هو جَعْلُه من "تونس" بُعَيْدَ الاستقلال مدرسة مفتوحة. إذ أَوْلىَ التعليم مكانة خاصة. وأنفق ما يقارب ثلث الميزانية على بناء المدارس والمعاهد، وتعميم التعليم في الوقت الذي كان غيره من الحكام العرب يكدّس الأسلحة، ويخوض معارك "دونكيشوتيّة"مغلّفة بأيديولوجيا تهييج الجماهير الجاهلة والجائعة.
وإلى "بورقيبة" ورفاقه، يعود الفضل في تركيز "مجلّة الأحوال الشخصية" التي حمت المرأة من التهميش والاستغلال مستأنسة بروح الاجتهاد، ومستندة إلى قراءة لا تنكر جوهر الدين.وبهذه "المجلّة"، وقع إلغاء تعدّد الزوجات، وأُزيل ما تعيشه المرأة من ضَيْم.وقد تعامل "بورقيبة" مع القضية الفلسطينية تعاملا سياسيا "براغماتيّا" لم تكن الذهنية العربية في الستينات قادرة على فهمه أو استيعابه. ففي خطاب "أريحا" سنة1965 دعا "بورقيبة" الفلسطينيين إلى القبول بقرار التقسيم مع مواصلة النضال لاسترجاع الأرض المسلوبة. وكان في ذلك ينطلق مِنْ مقاربة تونسية مَثَّل هو ورفاقه أبرز رموزها. وتقوم هذه النظرة على سياسة المراحل التي تنادي بالاكتفاء بالممكن إذا عزّ الأمثل. فبورقيبة قَبِلَ مرحليا الاستقلال الداخلي الذي أدّى فيما بعد إلى الاستقلال التام.وقد أثبتت الأيام صحّة هذه المقاربة حتى أنّ المعجم الفرنسي أدرج"البورقيبيّة" منهجا في الحكم يقوم على سياسة"خذ وطالب بالمزيد"..إلّا أنّ أداء هذا الرجل السياسيّ لم يخل من هنات.فقد أقدم "بورقيبة"على التخلّي عن كثير من رفاق الكفاح ضد الاستعمار. ورمى بكثير من المناضلين الذين عارضوا بعض أفكاره في السجن. وانتقم من أنصار "صالح بن يوسف" الذين كانوا معه في ساحة النضال ضدّ "فرنسا".ولم يعمل"هذا الزعيم" طيلة فترة حكمه على توطين فكرة التداول السلمي على السلطة. إذ نصّب نفسه رئيسا مدى الحياة مستندا إلى شرعيّة نضاليّة بالغ في استغلالها وتوظيفها.وكغيره من القادة العرب لم يغادر كرسيّ الحكم إلّا بانقلاب نوفمبر1987.ورغم الاختلاف الكبير بين "بورقيبة" و"زين العابدين بن علي"، فكرا وثقافة، ومنهجا في الحكم، فإنّ الأوّل هو الذي صنع الثاني.إذ قرّب "بورقيبة" "بن علي" ومنحه سلطات أمنيّة واسعة جعلته مُطّلعا على خبايا الحكم. ومكنته-عن غير قصد- من الانقضاض على السلطة عندما عاين معركة خلافة "بورقيبة" وهي تدور على أشدّها في القصر الرئاسيّ بقرطاج. ولم يتحسّر الناس على "بورقيبة" الذي لم يُرْسِ دعائم نظام ديمقراطي إلّا عندما اكتشفوا أنّهم انتقلوا من قبضة "بورقيبة" الديكتاتور المتعلّم والمتنوّر، إلى كلاليب "بن علي "الديكتاتور الجاهل.
إنّ التجمّع السياسيّ الوسطيّ الذي يريد أن يستفيد من الإرث البورقيبيّ لخوض غمار المعركة السياسيّة المشتعلة اليوم في تونس، مدعوّ إلى تقييم نقديّ شفّاف لتجربة هذا السياسيّ في الحكم دون محاولة تأبيده زعيما أوحد، أو تكريسه "صنما" سياسيّا تُصيب مَنْ ينقده، ويتجاوزه لعنة الجماعة.و تقتضي الحكمة السياسيّة دعم ما صَلُحَ من مُنْجزاته الكثيرة، وتجاوز سيئاته التي يراها كثير من خصومه غير قليلة، عملا بسنّة التطوّر التاريخي التي تفرض التجدّد والتكيّف مع التحوّلات الفكرية والسياسيّة التي يشهدها العالم. وما لم يستثمر السياسيون إرث "بورقيبة" للاستفادة من أخطائه فإنّهم بذلك يريدون إيقاف حركة التاريخ، و رسم مشروع ديكتاتورية جديدة تتكئ على شرعية تاريخيّة زائفة تبرّر تواصل سياسة الاستبداد، وخنق الحريات.
إنّ التقديس المَرَضِيّ للأشخاص الذي ينكر الأخطاء-على وضوحها- تأبيد للديكتاتوريّة، وتزيين
لوجهها القبيح. وإنّ تدنيس التجارب السياسيّة، بإنكار إيجابياتها، رفض للاستفادة من الصالح لرسم مستقبل سياسيّ مشرق تبزغ فيه شمس الحريّة والعدالة الاجتماعيّة.
بالمحصّلة لم يكن "بورقيبة" شيطانا يجب رجمه. ولم يكن في المقابل ملاكا لم تدنّسه الذنوب السياسيّة.إنّه بكلّ بساطة إنسان يخطئ كثيرا ويصيب قليلا.
التعليقات
البورقيبية: الإنسان أولاً
محمد حسين - تونس -أظن أنه أصاب كثيرا وأخطأ قليلا، وأن جوانب التوفيق فيما أنجزه لتونس أعمق وأبقى أثرا بكثير في حياة جميع التونسيين اليوم.
البورقيبية: الإنسان أولاً
محمد حسين - تونس -أظن أنه أصاب كثيرا وأخطأ قليلا، وأن جوانب التوفيق فيما أنجزه لتونس أعمق وأبقى أثرا بكثير في حياة جميع التونسيين اليوم.
القذارة المقدسة
pigs .... -خارج الموضوع
القذارة المقدسة
pigs .... -خارج الموضوع