فضاء الرأي

التغيير العراقي: عندما تكون التوقعات اوهاما

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كالكثيرين توقعت ان سقوط رمز الدكتاتورية العراقية في ساحة الفردوس نهاية لمعاناة العراقيين وتحقق الامل بالوطن الفردوس. في الطريق الطويلة بين دمشق وبغداد منهيا مهجرا شاميا، حلمت ببغداد؛ كيف ستكون بلا دكتاتورية.
التاريخ هو السادس والعشرون من نيسان 2003 اي بعد 17 يوما على اعلان سقوط نظام البعث، شوارع بغداد فارغة الا من بعض المركبات، تراب العاصمة الكثيف يغطي حتى خضرة الاشجار، الطابع العام على لون الجدران هو الصحراوي. مدينة مستفزة تخفي وراءها تعقيدات وتشابكات جمة، رغم سكونها وهدوء شوارعها بفعل الترقب للمتغير السياسي الجلل.
مثل هذا الانطباع يفترض ان يشكل سببا لمراجعة الآمال والاحلام.. ذلك لم يحصل، فلم نفكر كثيرا آنذاك ان صدام حسين هو صورة لمشكلات العراق وليس كلها، هو جزء من مشاكل متجاورة ومتجانسة. بعث العراق شغل الجميع عن التفكير بأن وراءه اكثر من قصة، واكثر من مشكلة ومعاناة.
بعد يومين من الاقامة في بغداد، ذهبت الى البصرة حيث الموطن. المدينة من مدخل طريق الصحراء تظهر فجأة بدون مقدمات، ما ان يعبر الداخل اليها النهر الفرعي الذي صنعه النظام السابق لمآرب الحرب تقفز اليه المدينة مرة واحدة. مدخل مدينة النفط والنخيل وميناء العراق الوحيد يرزح تحت الصفيح، الفقر والالم لا يحتاج الى أي عناية كي يعرف.
المفارقة ان ابناء بيوت الصفيح يرون بوضوح السنة النار التي يطلقها النفط وتحيط مدينة شط العرب من ثلاث جهات. قد ترقى بعض احياء البصرة على هذا الوضع المزري، لكنها بصفة عامة تمثل بقايا مدينة. مدينة حلم ابناؤها قبل ثلاثة عقود بان تصبح فينيسا الشرق الاوسط.
الارهاق النفسي "المزمن" بفعل الحصار وسياسات الظلم المتراكمة في عموم العراق، والعقل المعقد المتحكم بنسق التفكير الجمعي والناتج عن عقود من الكراهية قبل وبعد البعث، والخوف النابع من البطش والمؤدي الى اساليب اللف والدوران... اضافة الى وضع المدن المتخلفة بفعل الاهمال والتريف، والمعارضة السابقة التي تشابه جلادها، كلها يفترض ان تدفعنا للتأني كثيرا في المد بأحلامنا وامالنا، كي نعرف اين نقف.
الان وبعد تسع سنوات من التغيير تراجعت الطموحات كثيرا. لحظة التغيير رفعت الطموحات، الآمال، الاحلام، وبفعل الزمن اختصر كل شيء في اولويات محدودة. السلامة هي المتبقي من متطلبات اكثر العراقيين اليوم، والنخبة عادت لتختصر تطلعاتها بأن لا يصبح العراق مجددا موطنا للدكتاتورية، ورغبة بالخلاص من الانقسام الطائفي... هذا ما تبقى. اما الاهداف الكبيرة فلم تكن سوى مجرد حلم جميل، رسم شعورا لمرحلة ما.
تلك الاحلام المنقشعة على واقع اكثر تعقيدا انتقلت الى العالم العربي بعد ربيعه المفترض، بعد ان بدأ العراقيون يصحون من الحلم الجميل على كابوس الواقع. الخلاص من الدكتاتورية ليس نهاية المشوار، اكثر ما يمكن ان يشكله اسقاط الدكتاتور هو ان يكون متنفسا للتفكير في الطريق الطويلة نحو الديمقراطية.
الواقع يقول ان السلطة جزء من عملية التغيير وليس كلها، المشكلة الرئيسة تكمن في المجتمع، ذهنيته، توجهاته، خطابه، اهدافه واماله. وان السلطة لا يمكن ان تكون الا صدى لهذا المجتمع، ان كان خيرا فهي خيرة، والعكس صحيح.
اكيد ان الانظمة الدكتاتورية والفاسدة والفوضوية والصراع غير الديمقراطي على السلطة سبب في مزيد من الخراب، خراب المجتمع. لكن هل يمكن لمجتمع مدرك، مستقيم، معتدل، باحث عن الحق في الحرية ان يخضع لمثل تلك السلطة؟.
نظام البعث وبقية الانظمة الدكتاتورية او الفاسدة في العالم الثالث هي نتيجة طبيعية لانحرافات المجتمعات، فضلا عن النخب الفاعلة. ولهذا فان التغيير لن يكتمل، بل ولن يتحقق، اذا لم يضرب في عمق وعي الجماعة. واهم نقطة هي ضرورة معرفة ان المجتمع ليس مجرد ضحية، المجتمع ضحية مكن الجلاد من نفسه.
الاعتقاد بان سقوط النظام في العراق يعني خلاص المعاناة هو مكمن الخلل، لأنه يكشف عن حجم الجهل بالذات والامراض المحيطة بها. لذلك كل المعالجات بقيت على الهامش لم تمس الا بعض الزوايا.
الوضع العراقي اليوم يؤشر الى ان الانتكاسة متواصلة، رغم بعض النجاحات في دوائر محدودة. يمضي الخراب قدما بفعل الارتدادات في الوضع السياسي العراقي بين خياري الفوضى السياسية وظهور الزعامات المستبدة بعد ان افرغت صناديق الاقتراع من محتواها. وهي ارتدادات يساعد عليها مجتمع يتخبط.
وهذا يتيح دائما ان يتحول الضحية الى جلاد.. وندخل مرة اخرى في لعبة الخلاص، دون ان يدرك الجميع ان المظلومية لا تعطي احدا الحق بظلم الاخرين. هذا الدرس الذي لم نتعلمه بعد.
لقد كان حلمنا اكبر مما نستطيع ان نحافظ عليه ونصنعه واقعا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا حياة لمن تنادي
أحمد الفراتي -

البشر لا يستحقون الحياة لأنهم سلاجقة. أنتم من تركيا، من اليونان، من تايلاند، من اصول أفريقية. ما معنى أن احمد الواسطي متخلف؟ من قال ذلك؟ الايرانيون اسيادنا وليذهب الناس إلى الجحيم. العراق ارض ايرانية اما نحن فضيوف عليها. لقد اشتروا ثلاثة ارباع مدينة كربلاء والف عافية. أما مدينة البصرة فهي محمية ايرانية، أليس افضل من ان تكون مدينة عراقية. العراق تابع إلى ايران وأهلا وسهلاً بيهم في اي وقت. الحكومة جاءت عن طريق الانتخاب لذلك فلها الحق في ان تسلخ جلودنا وتنهب خيراتنا.

لا حياة لمن تنادي
أحمد الفراتي -

البشر لا يستحقون الحياة لأنهم سلاجقة. أنتم من تركيا، من اليونان، من تايلاند، من اصول أفريقية. ما معنى أن احمد الواسطي متخلف؟ من قال ذلك؟ الايرانيون اسيادنا وليذهب الناس إلى الجحيم. العراق ارض ايرانية اما نحن فضيوف عليها. لقد اشتروا ثلاثة ارباع مدينة كربلاء والف عافية. أما مدينة البصرة فهي محمية ايرانية، أليس افضل من ان تكون مدينة عراقية. العراق تابع إلى ايران وأهلا وسهلاً بيهم في اي وقت. الحكومة جاءت عن طريق الانتخاب لذلك فلها الحق في ان تسلخ جلودنا وتنهب خيراتنا.

عاصمة العراق الاقتصادية
احمد الواسطي -

أنا كنت انتظر من المقالة عقد مقارنة بين البصرة ٢٠٠٣ والبصرة ٢٠١٢!! فانا شخصيا من مدينة كان ناسها قبل ٢٠٠٣ يركضون والعشا خباز على قول المثل!! ولكن اليوم الكل يطالب بقطع اراضي لبناء البيوت التي تسمى بالعراقي دبل فاليوم!! اما المعلق الاول الذي هو ليس صديقي احمد فعنده البصرة تكون عراقيه اذا استمر اهلها يسكنون الصفيح!! وانا اقول له هيهات فالبصرة ستصبح عاصمة العراق الاقتصادية كما سماها السيد الحكيم!! تحياتي

الفيدرالية هي الحل!
Sami Alhajaj -

في وصف دقيق ذكره الشاعر السياب عن منازل اهل البصرة يقول فيه:-بغداد يا بغداد جئناك من منازل الطين ومن مقابر الرمادمن المفارقات التي تعد قليلة من نوعها ان خير العراق كله في البصرة وناسها افقر اهل العراق!!! ومن خيرات البصرة ميناء العراق و النفط والتمورحيث يوجد حقل من حقول نفط البصرة الكثيرة وحده يعادل انتاج حقول العراق في باقي المحافظات مجتمعة,اما النخيل فتعد البصرة الاولى في العالم بأعداد النخيلفكانت البصرة على طول تعاقب الحكومات الجائرة تعطي الخير وتتلقى الفقرفي زمن النظام البائد كانت تنتشر في البصرة ظاهره فريدة من نوعها في محافظات العراق وهي محطات بيع مياه الشرب واصبح انتشارها اوسع من انتشار محطات تزويد الوقود للسياراتبأختصار كانت البصرة كالبقرة الحلوب التي مات صاحبها واستولى عليها جارهولا ارى هناك حلا لهذه المعضلة غير الفيدراليةالتي تعطي كل ذي حق حقه فتعطي ما لقيصر لقيصر وما لله للهوألا تكون المعادلة مقلوبة وتشبه الى حد بعيد في هذه ابيات الدارمي,, زماني شلون بلشني **بلاشاتاتعب والتعب ضايع **بلاشاتمثل السرح عد خاله **بلا شاةيكول الخال هذا ابن اخت ليه