"إسرائيل" بين الخوف من الإسلاميين والأمل بسقوط النظام الإيراني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لن نأتي بجديد إن قلنا: إن الكيان الإسرائيلي كان أكثر المتشائمين إزاء ما جرى ويجري في العالم العربي من حراكات وانتفاضات وثورات اجتاحته، وأفضت إلى إسقاط عدد من الأنظمة الموالية له، سراً أو جهاراً، ووصول الإسلاميين إلى السلطة في أكثر من بلد عربي، لا سيما مصر بثقلها الاستراتيجي والديمغرافي، وتونس، بطهارة ثورتها وصعوبة التشكيك بنزاهة الحراك الشعبي فيها.
ما بدا وكأنه حلف أو توافق أو اتفاق ضمني بين الأحزاب والحركات الإسلامية لملء فراغ الأنظمة المتساقطة، مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، لم يرق للكيان الإسرائيلي الذي لطالما اقتات، شأنه شأن بعض الأنظمة والأحزاب والجماعات، على بعض الهواجس الغربية من وصول الإسلاميين والتعامل معهم في السلطة، في ظل شعبيتهم الجارفة، ونجاحهم في الانتخابات التشريعية، لكن "إسرائيل" وكما حاول الغرب ركوب موجة لم يصنعها في الربيع العربي، تحاول استثمار أجواء الربيع العربي لتعزيز الشقاق والخلاف العربي - الإيراني والتركيز أكثر على التخويف من إيران وجعلها عدواً للعرب بدلاً منه.
رئيس "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، اللواء عاموس يادلين، حاول الإجابة على الأسئلة المطروحة في "إسرائيل" حول "الربيع العربي"، ورأى أن "ما بدأ على أنه rsquo;الربيع العربيrsquo; انتهى كعام إسلامي، واعتبر يادلين أن "الحديث لا يدور على نمو ثورة تقود إلى النموذج الديمقراطي الليبرالي، العلماني، الأنجلو - سكسوني؛ ولا يدور الحديث على تغيير غير عنيف، ولا على rsquo;مفعول الدومينوrsquo; السريع كالذي حدث في أوروبا الشرقية، لكن الحديث يدور على ظاهرة تغير وجه الشرق الأوسط كله. وبعد مرور عام على بدء العملية ومن خلال النظر إلى الأعوام المقبلة، فإنه قدم عدة استنتاجات حول ما سماه rsquo;الهبة العربيةrsquo;، وrsquo;الانتفاضةrsquo; هو المصطلح الأصح لوصف سلسلة الثورات في العالم العربي"، بحسب رأيه.
لم ينكر يادلين أهمية التحولات في العالم العربي، وصفها بأنها "تبشر بتغيير تاريخي، تتساوى أهميته مع أهمية اليقظة العربية في نهاية القرن التاسع عشر، ونشوء الدول العربية القومية بعد الحرب العالمية الأولى".
ورد يادلين تأخر حدوث هذه "الهبات" إلى أسباب تتعلق بوجود نقص في ثلاثة مجالات، الحرية والمعرفة ومكانة المرأة. ولفت إلى أن نسبة الذين كانوا يستخدمون الانترنت في العالم العربي في سنوات التسعين كانت أقل من واحد بالمئة. لكن في سنوات الألفين حدثت تطورات كبيرة في هذا المجال، وإضافة إلى اتساع استخدام الانترنت نمت بكثيرة القنوات الفضائية، وأشار بشكل خاص إلى قناة الجزيرة القطرية. وأضاف أن الطبقة الوسطى العربية رأت أنها تستحق الكثير من الحقوق، وبينها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقدم مكانة المرأة والعمل والتحرر من الحكام المستبدين. ورأى أن بالإمكان وصف الأحداث في العالم العربي في العام الماضي بأنها "ثورة الفيسبوك".
ويؤكد يادلين أن ما يحدث هو ثورة بدون قيادة وأيديولوجية. "فاليقظة العربية هي ثورة بدون قيادة. ولا توجد شخصية تتمتع بكاريزما، مثل لينين أو الخميني، لقيادة الثورة. والثورات في تونس وليبيا وسورية واليمن ومصر اندلعت بدون أيديولوجيا واضحة. ومنذ أن جاء rsquo;الإخوان المسلمونrsquo; والسلفيون وrsquo;خطفواrsquo; الثورة، بدأت تأخذ جانباً أيديولوجياً للإسلام السياسي".
ويشير يادلين إلى نوعين من الدول العربية التي لم تحدث فيها ثورات. النوع الأول هو المملكات والإمارات، التي استخدمت مواردها المالية الهائلة لمنع الثورات، أمام النظامين الملكيين في المغرب والأردن اللذين عرفا كيف يواجهان اليقظة العربية "ويبدو أن مزيجاً من الشرعية بمستوى عال، وإدارة التوقعات بشكل صحيح، وخطاب أفضل تجاه الجمهور، وتنفيذ إصلاحات أوقف الربيع العربي خارجها". والمجموعة الثانية هي الدول التي مرت في العقود القليلة الماضية بحروب وحروب أهلية، وشهدت دماراً في بناها السياسية والتحتية والمؤسساتية، مثل الجزائر والعراق ولبنان و"الفلسطينيين".
يادلين رأى أنه ما يزال من السابق لأوانه الإشارة إلى المنتصرين والخاسرين في الثورات العربية "لأن معظم التحولات لم تجر بعد"، إلا أنه استنتج أن "المنتصر الأكبر في العام الفائت هو الإسلام السياسي، في تونس وليبيا ومصر، وفي المستقبل في سورية. ويبدو أن عهد صعود الشيعة في الشرق الأوسط قد تم كبحه في هذه المرحلة، والسنة هم المنتصرون الكبار لليقظة العربية". ولفت في هذا السياق إلى أن تركيا "التي تبدو كمنتصرة"، دفعت ثمناً وخسرت استثمارات اقتصادية بمليارات الدولارات في ليبيا وسورية، وتمثل أمامها تحديات كبيرة على أثر الأوضاع في سورية والتمرد الكردي في تركيا.
أما الخاسرين، من وجهة نظر يادلين، فهم "الحكام المخلوعون، وعشرات آلاف القتلى في ليبيا وسورية، والمؤسسات الاقتصادية في الدول الست، والنساء اللاتي توقعن مساواة مكانتهن وحصلوا على مكانة أكثر تدنياً في ظل الأنظمة الإسلامية، والأقليات المسيحية التي كانت تتمتع بمكانة متساوية في الدولة القومية العربية وأصبحت في مكانة متدنية، وحتى أنها أصبحت مهددة في الدولة الإسلامية".
وينضم إلى فريق الخاسرين أيضاً، وفق يادلين، الولايات المتحدة و"إسرائيل"، "فالولايات المتحدة خسرت حلفاء هامين في مصر وتونس، واعتبر أن "حلم الرئيس بوش بشأن تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وتحويلها إلى أنظمة ديمقراطية، يبدو اليوم أقرب مما مضى، حتى لو تم ذلك من خلال تحولات داخلية وليس خارجية".
وفيما يتعلق بإسرائيل، أشار يادلين إلى أنها "في الجانب الخاسر هي الأخرى، وإن كان الأسوأ ما يزال يكمن في المستقبل، ويتمثل في قيام نظام جديد في مصر وربما حدوث تغيير في الأردن، والتمرد المدني المتواصل في سورية ومحاولات تصدير المشاكل، وخيبات الأمل وتوجيهات توقعات نحو الحدود مع إسرائيل".
وتطرق يادلين إلى إيران، أيضاً، التي بدت راضية عن "الربيع العربي" في البداية، على ضوء "سقوط أنظمة مؤيدة للغرب وحليفة لإسرائيل، ومن تزايد قوة الجهات الإسلامية في المغرب ومصر، ومن اليقظة الشيعية في البحرين، وصعود أسعار النفط. لكن بعد عبور الربيع واتضح أن سورية، الحليفة المركزية لإيران في العالم العربي، بين المتضررات من التحولات، وأن قوة السعودية والمعسكر السني تتزايد، وأن اليقظة قد تصل إلى طهران، فإن التوازن الإستراتيجي بات مختلفا".
يادلين ختم بالتعبير عن قلق "إسرائيل" من التطورات في العالم العربي ووصول الإسلاميين إلى الحكم. وأنه "في شتاء العام 2012 نحن نتساءل: هل السياسة وتحمل المسؤولية سوف تغيران الإسلاميين، أم أن الإسلاميين سيغيرون الطريقة التي جرت فيها العمليات السياسية في العالم العربي؟ وهل تحمل المسؤولية سيقود إلى الاعتدال والبراغماتية، أم أن الإسلام السياسي المتطرف سيقود العالم العربي إلى مسارات أخطر من تلك التي سارت فيها الأنظمة التي حل مكانها".
ورغم حديثه عن أهمية وصول رياح الثورة إلى السعودية وإيران، إلا أنه خلص إلى إطلاق أمنية إسرائيل بسقوط النظام الإيراني، الذي يشكل بالنسبة لإسرائيل تغييراً إستراتيجياً هائلاً ستتضاءل مقابله كافة المخاطر الأخرى، وربما تتلاشى!؟
... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com