الإعلام الحر وحرية المثقف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا أدري ما الذي دفعني هذه الأيام الى إعادة قراءة كتاب جان بول سارتر "دفاع عن المثقفين" للمرة العاشرة، حتى كدت أحفظه عن ظهر قلب!
هل هو حبي لسارتر.. المثقف الحر؟
أم لكي يُفرِّج كربي الذي أنا فيه، من ضيق الرؤيا حين تتسع العبارة؟!
أم للغة الجميلة التي صاغها به أستاذنا جورج طرابيشي، المتمكن من اللغة الفرنسية والعربية؟
فقدم لنا أستاذنا طرابيشي عام 1973 كتاباً جميلاً، وممتعاً، ومشوقاً، ما زلنا حتى الآن بحاجة ماسة إلى قراءته، وإعادة هذه القراءة، عدة مرات، لكي نفهم ما يدور حولنا من أحداث، سيما في هذه الأيام العصيبة من حياة الأمة العربية.
خيانة المثقفين
ما أهون خيانة المثقفين أو مدعي الثقافة هذه الأيام، والذين وجدوا في ثورة المعلومات، والاتصالات، وانتشار وسائل النشر الإلكتروني خاصة، السبيل الى إبراز مواهبهم الفذة في اخضاع، وإذلال، ومصادرة، وعزل، وشتم، ومحاربة الرأي والرأي الآخر، بألف حجة وحجة، وبألف سبب وسبب. فما أكثر حججهم وما أكثر أسبابهم، ولكن ما أقل صدقهم، ونظافتهم!
وفي هذا الشأن يقول سارتر:
"يخون المثقفون وظيفتهم، ومبرر وجودهم، ويتلبّسون الروح النافية دوماً، وأبداً." (ص 11).
وظيفة المثقف الحر
إن وظيفة المثقف الحر، النقض، والدحض، وكشف المستور، وفضح الفساد، بكل شجاعة، وصراحة. أما أدعياء الثقافة، الذين يحاربون المثقف، فيما يقول من حقائق، ويكشف من مستور، ويدحض الكذب، ومحاولة تغطية العورات السياسية والأخلاقية بشتى طرق، ويفضح الفساد والسرقات، التي تتم من قبل أعلى المستويات، وبمسميات مختلفة، وينقض الجاري، والمتعارف، والمتفق عليه، والمسكوت عنه. فهذا ليس مثقفاً، وليس حراً. بل هو عبد لمن استعبده بالمال، أو بالجاه، أو بالوعد الكاذب، أو بالإرهاب، أو بقيم العشيرة والقبلية البالية، أو بقيم الأقربين من أبناء العشيرة والقبلية المهترئة!
ويقول سارتر:
"ما دام المثقف يلام على تجاوزه صلاحيته، فهو يمثل إذن حالة خاصة. وهو الإنسان الذي يدرك التعارض القائم في المجتمع بين البحث عن الحقيقة العملية، وما يترتب عليها من ضوابط ومعايير، وبين الإيديولوجيا السائدة مع منظومتها من القيم التقليدية. وهذا الوعي يكشف النقاب عن تناقضات المجتمع الجوهرية." (ص 13، 33، 34).
فألا ينطبق هذا الكلام، الذي قاله سارتر قبل أكثر من نصف قرن (خمسينيات القرن الماضي) على وضعنا العربي الحالي؟
أليس المثقف العربي الحر، هو الذي يعاني اليوم أزمة إغلاق كل الوسائل الإعلامية أمامه، فيكتم كلمته في صدره. فإما أن تفجره، أو يفجرها؟
فذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
كما قال أبو العلاء المعري
ولكن شقاء العاقل، خير من نعيم الجاهل.
ألم نقرأ ذلك في التاريخ؟
فأين هي طوابير الجهلة، الذين صفقوا للظلم، والفساد، وأرغفة الخبز الطازجة؟
وأين هي حفنة العقلاء من المثقفين الأحرار الذين شقوا في حياتهم، من أجل كشف الحقيقة، وتقديم وجهها الوضَّاء؟
أين أصبح هؤلاء، وأين أصبح أولئك؟
المثقف الحر ناتج تاريخي
إن لم يكن المثقف الحر ناتج تاريخي، فسيكون - بالتالي - خارج التاريخ!
والمجتمعات التي تطرد مثقفيها منها بحجة خروجهم عليها، وتمردهم، ورفضهم لقيمها القديمة البالية، تضع نفسها في قفص الاتهام.
فالمثقفون الأحرار هم نتاج وصُنع هذه المجتمعات.
المثقفون الأحرار، لم يهبطوا على هذه المجتمعات من السماء.
ولم يأتوا من كوكب آخر.
إنهم أبناء هذه الأرض. ولكنهم شهداء هذه الأرض، وليسوا عبيداً فيها.
وفي هذا يقول سارتر:
"إن المثقف، هو الشاهد على المجتمعات الممزقة، التي تنتجه، لأنه يستبطن تمزقها، وهو بالتالي ناتج تاريخي." (ص 34).
التعليقات
انتم اول من خان
عابر إيلاف -اعتقد أنكم طبقتم خيانة المثقف عندما صفق تم وبرر تم لغزو العراق. بدعوى الديمقراطية فنتج عن ذلك اعادة انتاج دكتاتور اخر. بسبحه ؟!
مثقف بشهادة متفرج
Ahmed Habassi -تقوم الامم عادة كالابنية على أعمدة و من بين هاته الاعمدة الصلبة الطبقات المثقفة فيها و هى التى تقوم بكشف الطريق للعامة و تغذية الحراك الثقافى و توسيع مساحة الحرية بشكل يجعلها القاطرة التى تجر وراءها الشعوب فى حلها و ترحالها.هكذا الطبقات المثقفة فى الغرب تحتل دائما الواجهة فى كل التحولات الاجتماعية و الثورات الشعبية بل تكاد تكون الوحيدة التى تستوعب و توجه و تنتصر لان الشعوب تحتاج دائما فى حراكها الى كشاف الطريق و موجه البوصلة.فى عالمنا العربى الامور طبعا مختلفة تماما بدليل أن الطبقة المثقفة أما أن تكون من بطانة السـلطان و بمثابة معول هدام لكل حركية انتاجية ثقافية أو اجتماعية أو ان تكون أشلاء انسانية من بقايا سهريات الصالونات الماجنة. عملت الانظمة العربية كل الانظمة العربية دائما على " تقريب" أعيان الطبقة المثقفة و لم تـترك فى " الشارع" الا بقايا و أشلاء منزوعة الدســـــم و التفكير الخصب و بذلك ضمنت بقاءها المستمر فى السلطة و عزلت المنغصات عن محيطها الطبيعى و هو الشعب الكريم .بهذا المعنى لم نر عند قيام الثورات العربية فى تونس و مصر و ليبيا و اليمن أثرا للطبقات المثقفة و لا وجودا فعليا و حاسما لها فى قيادة تلك الثورات الى بر الامان بحكمة و استراتيجية واضحة بل كان من المثير للعيان أن تختفى هاته "المجموعات" الفكرية أو التى تدعى الفكر اصطلاحا عن المشهد تماما كانها لم تكن و كان اختفاءها مماثلا للاختفاء المريع و المثير للمنظومات الامنية التى شكلت لعقود وحدها المشكلة و " الحل و الربط" فى الانظمةالعربية الشمولية.لم تكن الطبقة المثقفة هى وحدها من اختفت تحت الارض و فى لحظات زمن محدودة بل أختفت مثلها أيضا كل أحزاب الكارتون " المعارضة" و بعض رمــــوز " المجتمع المدنى" اخ .. و هذا الاختفاء المفاجىء حقا كان علامة مميزة ستبقى محفورة فى الذاكرة بحيث لن تستطيع هاته " الكيانات" الفاقدة للشرعية بعد الثورة من " العودة " الى الحياة أو الاستمرار فى انتحال صفة مثقف.بالطبع تحس الشعوب العربية وقد مرت عليها لحظات عصيبة فى مقارعة مؤسسة أمنية متعددة الاختصاصات و الغطرسة بأن تلك الطبقة المثقفة لم تكن جزءا من الجسم بل مجرد وباءشارك بصمته و انغماسه فى اللذة الحرام فى انهاك الجسد العربى المنهك أصلا بفعل تراكمات و ارهاصات متنوعة و هذا الشعور بالغبن لن تمحوه بعض المقالات المحــررة " على عجل
يارتر ليس من يدافع عن حري
د محمود الدراويش -اتفق مع بعض ما جاء في مقال الدكتور شاكر النابلسي ,, لكنني لا اوافقه الراي في تعلقه ب جان بولد سارتر زعيم المدرسة الوجودية وصاحب كتاب الوجود والعدم الفلسفي الشهير ,,ورائعته الدوامة ,,, والممثل كين والشيطان والرحمن ,,,والمومس الفاضلة ,,, و دفاعا عن المثقفين,,,, لقد قرات الكتاب كما قرأه الدكتور النابلسي ,,, الكتاب لا يخلو من اشارات رائعة فيما يتصل بالثقافة والمثقفين ,,,ومسؤولياتهم وعلاقتهم بمجتمعاتهم وحرية الانسان والعدالة ,,,,لكن المسالة ابعد من هذا الكتاب واعقد ,,,نحن لا يهمنا فكر الرجل بل التزامه بهذا الفكر ,,, وتطبيقه والاستناد اليه في مواقفه ,,, بحيث لا يصبح الامر ثرثرة هنا وموقف مناقض هناك,, وانا اود ان اروي لقراء ايلاف الكرام حادثة زيارة سارتر الى قطاع غزة ,, طبعا لا اود الجديث عن خلفيات دعوته لزيارة مصر وترجمة اعماله باعتباره زعيم الوجودية ورائد مدافع عن انسانية الانسان وحريته ,,,, لقد احتفت به مصر ومثقفيها ومثقفي العرب واثنوا عليه وانا واحد من هؤلاء الذين تعلقوا بكتابات الوجودين الملحدين منهم والمؤمنين ,,ك كيركيجارد,,, وجبريل مارسيل,, وهيدجر,, وكارل ياسبرز,, وسيمون دي بفوار وسارتر و رولان ماي احد اعمدة العلاج النفسي الوجودي ,,,,احتفت مصر بالفيلسوف الكبير وعومل معاملة تليق بالاباطرة,, وفي زيارته لغزة تقدم منه طفل فلسطيني ووضع في يده علم فلسطين ,,, امسك به سارتر دون ان يعرف بان ما يحمله هو علم فلسطين ,, اخبره احد مرافقيه ,, بان العلم علم فلسطين تخلص منه بسرعة وغضب غضبا شديدا واصر على اخذ الفيلم من المصور الذي قام بتصويره وهو يحمل علم شعب مشرد ظلم وقتل وابعد ولوحق ووو ,, نعم هذا هو سارتر الذي يكيل له الدكتور النابلسي سيلا من المدح والثناء ,,, لقد تعرض المفكر الكبير ادوارد سعيد الى علاقته بسارتر وتحدث عنها بشيء من الغبن ,,ان سارتر لم يحتمل وعيه وفلسفته ان يتم تصويره وبيده علم شعب هو الاكثر ماساوية ربما في تاريخ البشرية المعاصر ,,,, فهل هذا الرجل حجة على الثقافة والمثقفين ,, نعم وقف سارتر في وجه النازية ووقف في كتاباته الى جانب المستعبدين في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية ,,, لكن موقفه من القضية الفلسطينية ينسف تماما كل ادعاءاته واسس فكره ومنطلقاته الفلسفية ,,,, نحن لا يجب ان نفصل بين سلوك الرجل ومواقفه من ناحية وبين فكره من ناحية اخرى ,,,,,, سارتر سجل موقفا يش
بين لثقافة والعرب مسافات
ابـو عـلـي -دكتور شاكر ، أنك تكتب للعرب من الولايات المتحدة الأمريكية وهي جزء مهم من ديمقراطيات العالم . ومع أن عواصم الديمقراطية كلها مهمة لكل الشعوب والأمم كي تستفيد وتتعلم منهم ومن ديمقراطيتهم الا ان غياب الضمير أحيانا وتعاملهم بازدواجية المعايير تبعدهم عن حقيقة الثقافة كمفتاح عمومي يفتح كل الأبواب ومنها ابواب الديمقراطية والعدالة والمحبة والأخاء بين الشعوب . ومع اني أحترم كل كلمة وكل جملة وردت في مقالك الجميل الا أنني أجد أن غالبية المثقفين العرب هم من الراقصين الأوائل على موائد السلاطين او الحكام المستبدين في عالمنا العربي والكثيرين منهم امن لأنتهازيين والمتسلقين والسفسطائيين وبياعين الكلام الذي لاينفع أحد . ومع أنني أومن بكل القيم الأنسانية قولا وعملاً ولكني ما زلت أعتقد أن المواطن العربي بحاجة لأن تلوح له بالعصا لغياب الكثير من القوانيين في حياتهم اليومية ومنها المساواة والعدالة ويجب ابعاد الدين عن الدولة .
موقف المثقف الغربي
خوليو -ما جاء في مداخلة السيد الدكتور الدراويش صحيح برأيي بنسبة 100% ، المثقف الغربي الذي ينادي بالمساواة وبالحرية للذكور والأناث والذي يشخص أمراض مجتمعه ومجتمعات أخرى، عندما تطرح أمامه القضية الفلسطينية لاينصفها، وربما يعود السبب أن أغلب الفلسطنيين الذين يقدمون قضيتهم يقدمونها خطأ وبشكل عنصري، وسأدافع عن رأيي: في الانتفاضة الأولى وقبلها كان هناك طرح للقضية الفلسطينية يقترب جداً من الموضوعية ، كان هناك طرح بإنشاء دولة علمانية مدنية تتعايش فيها جميع الأديان والمذاهب والأعراق،(هكذا مجتمع حديث غير موجود في أية دولة عربية اسلامية لأن دساتيرهم تحدد دين رئيس الدولة وتعطي للدولة دين أيضاً، أي هي دولة عنصرية مسبقاً))، الطرح المذكور لاقى تجاوباً جيداً من قبل منظمات المجتمع المدني والمثقفين الغربيين بوجه عام وتمكنت القضية الفلسطنية من الحصول على تمثيل مراقب في الأمم المتحدة، وحصلت في سبعينات القرن الماضي على قرار تصنيف للصهيونية كحركة عنصرية(تم إزالته فيما بعد) كان هذا التحرك في سبيل القضية الفلسطينية شعلة مضيئة أطفأتها شعارات الاسلاميين التي لاتقل عنصرية عن شعارات الصهاينة: كانت المظاهرات الاسلامية في الغرب تنادي وتقول مثلاً خيبر خيبر يايهود سيف محمد سوف يعود ولاشرقية ولاغربية فلسطين اسلامية(ولايزال ينادون بذلك) ..يظن مقدمي هذه الشعارات والمنادون بها أن الغرب أطرش ولايفهم مايقولون ، الغرب الذي اكتوى بعنصرية النازيين ، لايريد سماع عن حركة عنصرية من لون آخر، المثقف الزائر لغزة ويرى زي نساءها ويرى المظاهر الكئيبة من اختفاء مسارح ودور سينما ومقاهي ومكتبات ومظاهر حياة، لايمكنه أن يساند هكذا حركات إن كان مثقفاً حقيقياً، لأن المثقف الحقيقي الواعي الذي تخدمه ثقافته ويخدمها، كان وسيبقى دائماً من دعاة التجديد والتغيير والبناء، القضية الفلسطينية قضية عادلة تحطمها العنصرية الدينية وتجعل الكثيرون من مثقفي الغرب يبتعدون عنها.