فضاء الرأي

(هجليج)... ما وراء الحرب والسلام في السودان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

على وقع احتفالات نظام المؤتمر الوطني باستعادة هجليج، بعد أن استولى عليها جيش حكومة جنوب السودان للمرة الثانية في 10/4/2012م، بدت تلك الاحتفالات وما صاحبها من هجاء وشتم، بمثابة استعادة جديدة موازية لأيام الإنقاذ الأولى دون أن ينتبه أحد إلى أن ما سيشهده السودان في الأشهر القادمة سينطوي على الكثير من التداعيات التي ستتكشف عنها مفاعيل العودة إلى مربع الحرب. كما لو أن 22 عاما من الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مليون ونصف، وانتهت باتفاقية نيفاشا 2005 ثم بانفصال الجنوب 2011، لم تؤدي إلى استعادة القدرة على رؤية الخلاف بين الدولتين بمنظار العقلانية والمصالح المشتركة.
هكذا كانت البداية خطئا استراتيجيا ارتكبته حكومة جنوب السودان باحتلالها لبلدة هجليج النفطية، دون أن تدرك الآثار الخطيرة التي ستترتب على ذلك الخطأ الذي أدى إلى عودة الحرب مجددا. فإذ يدرك النظامان حاجتهما إلى معالجة القضايا العالقة عبر التفاوض والتعاون مع المجتمع الدولي، إلا أن طبيعة الأزمات التي يعيشانها تدفع باستمرار إلى الصراع. ذلك أن تلك الأزمات تبدو لكل مراقب حصيف بمثابة شرك معقد لا يستطيع النظامان تجاوزه ــ خصوصا نظام الخرطوم ـ إلا عبر قابلية كل منهما لرؤية المصالح المشتركة بينهما من خلال المصالح الوطنية الحقيقية، وهي مصالح طالما ظل نظام الخرطوم يطابق بينها وبين رؤيته الآيدلوجية والأمنية ذات السقف المحدود، ومن ثم تراكمت انسدادات خطيرة نتيجة لتلك الرؤية أدت إلى انفصال الجنوب قبل عام. ولا تزال تعيد إنتاج الأزمات.
وفي ظل هذه الأزمات المتبادلة، فإن الحال لن يستقر بين الخرطوم وجوبا. فمن جهة يحتاج النظامان إلى ضرورة اللجوء للتفاوض حول القضايا العالقة عبر رعاية المجتمع الدولي ولا مفر من ذلك. ومن جهة ثانية ثمة احتمال لجنوب آخر عبر الصراع الشمالي الشمالي في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلا عن الصراع في دارفور، بين الحكومة السودان والجبهة الثورية، أو مايعرف بتجمع (كاودا). وهو صراع تتعالق حيثياته بكل من النظامين، وترتبط خلفياته بنفس الأسباب التي أدت إلى انفصال الجنوب ؛ ما يعني أن عمق الأزمة يرتبط أكثر بنظام الخرطوم الذي رأى في أجواء الاحتفالات على هامش استرداد (هجليج) ملاذا متوهما لنسيان الواقع المأزوم الذي آل إليه الوضع في شمال السودان، وحاول استثمار بروبغاندا حزبية أثناء أزمة هجليج وبعد استردادها، عبر خلق استقطاب وفرز وطني بين القوى السياسية واتهام بعضها (المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، والحزب الشيوعي السوداني) بالتشكيك في وطنيتها على خلفية الموقف من احتلال هجليج. حتى بدا واضحا أن تلك الاتهامات التي كالها محازبو المؤتمر الوطني لتلك الأحزاب كانت تصطدم بتناقض كبير يعرفه كل سوداني وهو : صمت الحكومة السودانية عن حقها في استرداد مثلث (حلايب) على الحدود المصرية، ومنطقة (الفشخة) على الحدود الأثيوبية، ما يعني أن تأويل الوطنية هنا بحسب رؤية نظام الخرطوم يصب في صراع نفط هجليج التي تنتج يوميا 55 ألف برميل!؟
بيد أن طبيعة الوضع القائم على الصراع بين السودان وجنوب السودان تعكس لنا في صورة أخرى تلك الإشكالية العميقة التي تضع السودان أمام مأزقه الحقيقي أي في نظام الخرطوم الذي أنتج تلك الأزمات ولازال يعيد إنتاجها.
ذلك أن أسباب انفصال الجنوب لو كانت أسبابا تتصل بقضايا من قبيل الاختلافات الجوهرية العميقة مثل الاختلافات التي أدت إلى انفصال ارتريا عن أثيوبيا عبر الاستفتاء، وكذلك انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا عبر الاستفتاء لأمكن تصور القطيعة التي ربما لن تؤدي إلى الحرب بعد وقوع الانفصال. لكن بما أن قضية الخلاف كانت أصلا نتيجة لعجز نظام الخرطوم عن تعميم استحقاق مفهوم المواطنة الذي طالب به الجنوبيون وطرحوه كحل أخير قبيل انفصالهم، بسبب رؤيته الإسلاموية المؤدلجة ؛ ستظل المشاكل تعيد إنتاج نفسها ليس فقط بين السودان وجنوب السودان، ولكن أيضا في الصراع الشمالي الشمالي الذي يدور اليوم في النيل الأزرق وجنوب كردفان. وهو صراع قابل لأن يتجدد في منطقة شرق السودان مثلما انفجر من قبل بإقليم دارفور في غرب السودان.
ولعل في التساؤل الذي طرحه الكاتب السوداني الإسلامي الطيب زين العابدين حول الطريقة التي تم بها احتلال هجليج مرتين رغم أهميتها، من قبل جيش الحركة الشعبية خلال 3 أسابيع، ووجود نصف القوات المسلحة السودانية داخل العاصمة ما يلقي الضوء على بعض هواجس نظام الخرطوم في تأمين الداخل من خلال الجيش مع أن مهمة الجيش الأصلية هي تأمين الحدود الخارجية ؟!
هكذا بدت أحداث هجليج وتداعياتها دلالة أزمة كبيرة في بنية كل من نظامي الخرطوم وجوبا، وتجليا واضحا للمأزق الذي عجز النظامان عن تجاوزه حتى بعد انفصال الجنوب.
كان بإمكان نظامي الخرطوم وجوبا تأسيس شرعية جديدة بعد الانفصال لكل منهما لمواجهة استحقاقات المصالح المشتركة بينهما. لكن للأسف فيما ظل نظام الخرطوم يراوح مكانه عبر تجديد أزماته المختلفة والمتنوعة، ويراوغ القوى السياسية والحزبية في الشمال بتشكيل حكومة من الوجوه القديمة للمؤتمر الوطني، وبعض عناصر الأحزاب الكرتونية، بدلا من تكوين حكومة قومية من كافة قوى الأحزاب الشمالية، كانت الحركة الشعبية في دولة جنوب السودان تعيد إنتاج نفسها، ضاربة عرض الحائط بالوعود التي قطعتها على الأحزاب الجنوبية الأخرى في إقامة انتخابات سياسية حرة ونزيهة بعد انفصال الجنوب أثناء المؤتمر الشهير الذي عقدته مع الأحزاب الجنوبية قبيل انفصال الجنوب.
سيظل الحال على ما هو عليه، وسنسمع المزيد من الشتائم غير اللائقة التي طالما ظل يكيلها رأس النظام في الخرطوم، بين دولتين كان شعباهما شعبا واحد حتى قبل أقل من عام.
Jameil_2004@hotmail.com



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
انقاذ ما يمكن !
عبد المنعم العشرى -

حكومة انقاذ لم تنقذ شيئا من يوم ميلادها ،وتحتاج من ينقذها من الدمار والتفكك بعيدا عن اللحمة السودانية،فامس القريب صار جنوبا وشمالا ومن بدريك ان تكون النيل الازرق دولة وكردفان دولة ودارفور ثالثة وشرق السودان رابعة ،والحرب والحلول الامنية ليست المخرج والحل الوحيد لآنفراط العقد وتفكك السلسلة ،فأين عقلاء القوم ورسل التفاهم والسلام من كل ما يجرى على الساحة السودانية ؟اين وسطاء الخير من كل هدب وصوب لانقاذ القوم الطيبين من الهوجة الهوجاء التى تركب دبابة ومدفع وطائرة؟اين التفاهمات بين العشيرة والقبيلة والقوم العقلاء من كل الاطراف العربية والمصرية والدولية من كل ما يجرى من تهديدات وتجييشات لا تبقى ولا تذر ،وستحرق الاخضر واليابس وتكون نيرانا وقودها الناس والحجارة !اين الجامعة العربية والاتحاد الافريقى والامم المتحدة ؟ اين سوار الذهب وزعيم حزب الامة السيد الصادق المهدى وآخرين على الساحة السودانية والعربية والافريقية والدولية ؟انقذوا السودان قبل ضياعه من اهله وتسليمه لقمة سائغة لكل المتربصين الحاقدين الشامتين وخفافيش الاسلحة والفرقة والظلام؟الحرب ايها السادة لم تعد ترفا نبذل له الغالى والثمين ،انما الجلوس الى مائدة المفاوضات والتفاهمات على يد رجال السلام من كل انحاء العالم ،انقذوا ما يمكن انقاذه بدلا من تردى الاوضاع اكثر من ذلك ،واثق فى تعقلكم يازعماء السودان الاذكياء !

تحرير هجليج
Ahmed Gesmallah -

الاستاذ محمدجميل تحية واحتراما حل المشكلة السودانية في تغيير النظامين وهذا يبدو صعبا علي المدي القريب لان المعارضة ضعيفة جدا ولذلك المتوقع هو مزيد من التصعيد والدماء ولا حل في الافق والحديث للبندقية والصقور فقط

تحرير هجليج
Ahmed Gesmallah -

جنوب السودان سيكون مثل اسرائيل لا يلتزم باي قرار وتقف اسرائيل وامريكا من خلفة ليكون اكبر مهدد للامن المائي خاصة لمصر التي لم تستقر حتي اللان وحسبنا الله ونعم الوكيل

تحرير هجليج
Ahmed Gesmallah -

جنوب السودان سيكون مثل اسرائيل لا يلتزم باي قرار وتقف اسرائيل وامريكا من خلفة ليكون اكبر مهدد للامن المائي خاصة لمصر التي لم تستقر حتي اللان وحسبنا الله ونعم الوكيل