فضاء الرأي

سيناء.. ستان!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لئن كانت المنظومة السياسية والعسكرية الإسرائيلية "مهووسة" بتجريم أي حراك عربي قد ينجم عنه تغييراً ولو هامشياً في أسلوب وطريقة تعامل الأنظمة العربية مع "إسرائيل"، فإن الهاجس الأمني الذي لطالما تذرعت به "إسرائيل" لشن أي عدوان على إحدى الدول العربية أو على الفلسطينيين يظل العامل الأهم والأكبر في صياغة علاقة الكيان الإسرائيلي مع أي مبادرة أو تحرك أو حراك سياسي.
سيناء، رمز التيه الديني اليهودي، والسياسي الإسرائيلي، تحولت في نظر الساسة والعسكر الإسرائيليين إلى "سيناء ستان" محتملة (وربما قائمة بالفعل) بعد أن توالى إطلاق الصواريخ على جنوب فلسطين المحتلة من شبه الجزيرة الصحراوية، وتحميل حركات إسلامية وفلسطينية مسؤولية ما سمته "إسرائيل" توتير الأجواء في المنطقة.
وتراوحت التعليقات والتحليلات الإسرائيلية في أعقاب إطلاق الصاروخين، ما بين وصف سيناء بأنها منطقة مستباحة تنشط فيها بحرية تنظيمات مسلحة، تصفها إسرائيل بـ "الإرهابية"، والتأكيد أن أيدي الجيش الإسرائيلي مقيدة؛ لأنه لا يستطيع تنفيذ عمليات عسكرية في سيناء كي لا تزداد العلاقات الإسرائيلية - المصرية سوءاً.
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء أفيف كوخافي، اعتبر بعد سقوط صاروخين في إيلات، أن الجيش الإسرائيلي كشف خلال الشهور الأخيرة عن وجود أكثر من عشر خلايا مسلحة في سيناء. وأضاف أن "إطلاق الصاروخين على إيلات، من سيناء، هو تعبير عن أن التنظيمات الإرهابية مستمرة في إرساء قواعدها وتعزيز تواجدها هناك". وأن إطلاقهما "يشكل تعبيراً عن التغيير الجوهري الذي يمر على المنطقة".
كذلك قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خلال مداولات لتقويم الوضع بعد سقوط الصاروخين، بمشاركة رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، إن "الوضع في سيناء يلزمنا بانتهاج نوع آخر من المواجهة". بينما قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن "سيناء تحولت إلى منطقة إطلاق صواريخ على "إسرائيل". ونحن نبني جداراً لكنه لا يوقف الصواريخ. وسوف نجد حلاً لهذا أيضاً".
من جانبه، قال غانتس إن "من سيحاول اختبار قوتنا، عن قرب أو بعد، سيجد نفسه أمام جيش متطور وجاهز للدفاع عن إسرائيل وهزم العدو". وتطرق في الوقت نفسه إلى العمليات التي استهدفت مؤخراً عدداً من السفارات الإسرائيلية، وتوعد قائلاً "إننا نعرف مصدر هذه العمليات، وعلى المخططين لها ومن أرسلوا منفذيها أن يعرفوا أنه سواء كانوا في قطاع غزة أو لبنان أو في أي مكان آخر، فإن ذراعنا الطويلة ستصل في نهاية المطاف إلى جميع الذين يسعون إلى المس بمواطني إسرائيل والشعب اليهودي".
المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، رأى أنه "ينبغي الاعتراف بالحقيقة، وهي أن أيدي إسرائيل مقيدة إزاء ما يجري عند الحدود مع مصر. فعشية عيد الفصح تسقط صواريخ غراد في إيلات، وليس لدى إسرائيل أي رد. وكل التصريحات المتشددة التي استمعنا إليها هي كلمات خالية من المضمون. وطالما أن أحد الأهداف العليا لدولة إسرائيل هو الحفاظ بأي ثمن على العلاقة الإستراتيجية مع مصر، فإن القدرة الإسرائيلية على معالجة أمر الإرهاب القادم من سيناء بشكل فعال تقترب من الصفر".
واستعرض فيشمان أربع طرق بإمكان "إسرائيل" استخدامها "من الناحية النظرية، من أجل حماية أمن مواطني جنوب إسرائيل. الأولى تتعلق بتعزيز الدفاع عن تجمعاتها السكانية عند الحدود مع مصر، بواسطة إنشاء منظومة تحذيرية، مثل نشر "القبة الحديديةrsquo; وإنهاء بناء الجدار. وهذا المنظور أصبح مقبولاً في هيئة الأركان العامة، ويجري بحث الموضوع. لكن هذه تبقى حربا ضد الأعراض وليس ضد المرض وهذا لن يوقف الإرهاب من جهة سيناء".

والطريقة الثانية هي أنه "بإمكان إسرائيل العمل مع الأميركيين من أجل أن يمارسوا بدورهم ضغوطا اقتصادية وسياسية على السلطات المصرية. ويمسك الأميركيون اليوم بالمساعدات المدنية لمصر كرهينة، وبإمكان هذا أن يشكل أداة بأيدي إسرائيل من أجل حث المصريين على بذل جهد أكبر بخصوص الإرهاب من جهة سيناء. وهذه الإمكانية موضوعة على جدول العمل، رغم أن مدى نجاعتها على ضوء ما يحدث الآن في مصر ليس واضحا أبدا. فالأميركيون يحاذرون الآن في كل ما يتعلق بالمال لأنهم لا يعرفون لمن سيذهب في المستقبل القريب".
والطريقة الثالثة هي "التحدث مع أصحاب البيت الحقيقيين في سيناء، وهم البدو. فالمحادثات التي يجريها الإسرائيليون مع طنطاوي هي إهدار للوقت. وهو لا يحافظ على المصالح المصرية في سيناء، ولذلك فإنه بالطبع لن يحافظ على مصالح إسرائيل. لكن يوجد للقبائل البدوية في سيناء فروع في النقب، وبإمكان إسرائيل إقامة علاقة معها. إذ أن مصالحهم اقتصادية، فحظيرة المخدرات الأكبر في الشرق الأوسط انتقلت إلى سيناء، وهذه أيضا هي حظيرة الذخيرة الأكبر. وهنا يتحدث المال الكبير. وبالإمكان التحدث مع البدو حول rsquo;الأتاوةrsquo;، ورغم أن هذا يبدو سيئا لكن هذا هو الشرق الأوسط".
والطريقة الرابعة هي "الاستخباراتية والإحباطية. وقد وصل الشاباك والاستخبارات العسكرية إلى مستوى جيد من مراقبة ومتابعة الخلايا الإرهابية الفلسطينية التي تنشط في قطاع غزة وتخرج منها. وإسرائيل تحبط عمليات الخلايا التي تتنظم في القطاع بصورة جزئية، لكنها ممنوعة من القيام بعمليات مشابهة داخل سيناء. وربما سوف تضطر إسرائيل إلى تغيير هذه المعادلة. غير أن كل شيء هو نظري في هذه الأثناء. والأفكار والنوايا الحسنة لا تكبح الصواريخ، والحلول ستوضع، كما هو الحال دائما، فقط بعد وقوع كارثة".
هي حلول عاجزة وضعيفة وقصيرة المدى لا يمكنها بحال أن تنقذ الكيان المهزوز جراء الاضطرابات التي تتوالى في المنطقة من مصير التغيير الجيوسياسي القادم، و"إسرائيل" تدرك تماماً أن خروج سيناء من معادلة الهدوء النسبي، ومنع الجيش المصري فيما سبق من اتخاذ مواقعه في صحراء سيناء لتأمين الحدود وعمليات التهريب والتسلل أمر لا مفر منه، رغم مخالفته لاتفاقية كامب ديفيد، لكنها في نهاية الحال، أفضل من ترك الحبل على غاربه، أو التهور والقيام بعمل عسكري غير محسوب العواقب، قد يحيل مصر والمنطقة برمتها إلى جمر خارج لتوه من رماد الظلم والقهر والاستبداد الداخلي.


.... كاتب وباحث
hichamunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف