الزعيم وعودة منهج التكفير في مواجهة التفكير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نعم كم في مصر هذه الأيام من المبكيات خاصة عندما تتذكر الافتخار المصري والعربي ب " مصر أم الدنيا "، مصر صاحبة الحضارة القديمة، مصر التي بدأت طلائع النهضة فيها منذ زمن محمد علي باشا، وكانت منارة بالفعل على يد وأقلام وعقول عباقرة النهضة مثل: محمد عبده ،جمال الدين الأفغاني، أحمد لطفي السيد، رفاعة الطهطاوي، مصطفى عبد الرازق، سلامة موسى، ولويس عوض وغيرهم الكثيرون الذين كانت أفكارهم التنويرية التقدمية ضمن مقاييس ذلك العصر، لها انتشار واسع في مختلف أرجاء الوطن العربي، خاصة بعد الصدمة الحضارية والعلمية التي أحدثتها حملة نابليون بونابرت إلى مصر في العام 1798 رغم أنّها لم تستمر سوى ثلاثة سنوات، لكنّ نتائجها العلمية والتنويرية في العقل المصري ومن بعده العربي، تقاس بعشرات السنين و ليس ثلاثة سنوات فقط. وأيا كانت أطماع فرنسا النابليونية في الثروات المصرية وقطع الطريق
مصر الخمسينات والستينات
الذين عرفوا مصر في مرحلة الخمسينات والستينات لا بد أن يبكوا دما على غسيل العقول والدماغ الذي جرى لنسبة عالية من الشعب المصري، ليسود فعلا في أوساط المجتمع منذ سنوات المنهج الديني المتحجر الذي أحلّ ( التكفير محل التفكير) بينما كانت مصر في تلك المرحلة قبل حوالي نصف قرن، البلد المنفتح على الحضارات ضمن مفهوم ( لكم دينكم ولي دين )، فلم نسمع في تلك المرحلة الماضية أي صراع بين الأقباط والمسلمين الذي يكاد يصبح منذ سنوات مشكلة قتالية لا تخلو من الدم والهدم والنار وإجلاء العائلات من مواقع سكنها. ومن يتخيل في ذلك حفلات عباقرة الغناء المصري مثل أم كلثوم و محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد شوقي ونجاة الصغيرة وغيرهم كثيرون، حيث الكل يغني ويطرب البشر بحرية، ويجلس أمامهم يصفقون الفتاة والمرأة المحجبة والسافرة بجانب الرجال حيث يسود الاحترام الذي يخلو من أي نوع من أنواع التحرش بما فيه النظرة غير المؤدبة، وبجانب المسارح في الوقت ذاته المساجد ترفع الأذان ويؤمها المصلون بكثافة. والنساء والفتيات والرجال والشباب يمشون بحرية في شوارع المدن المصرية بأي لباس يعجبهم دون أن يستفز هذا اللباس أيا كان نوعه أي رجل في الشارع بما فيهم شيوخ الدين الذين يمرّون ويلقون التحية المؤدبة على هؤلاء إخوتهم في البشرية والمواطنة.
الزعيم عادل إمام في مصر اليوم
هل كان الفنان المشهور بالزعيم عادل إمام الذي كان المتهم (سرحان عبد البصير) بدون تهمة في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة ) التي قدّمها عام 1976 ونالت شهرة واسعة في عموم أرجاء الأقطار العربية، يتخيل أنّه في عام 2012 سوف يصبح متهما من جديد وليس بتهمة قتل راقصة كما في ( شاهد ما شافش حاجة ) الذي برأته المحكمة منها، ولكن بتهمة هذه المرة خطيرة للغاية تستحق السجن والجلد والسحل، وهي تهمة ازدراء الدين الإسلامي التي قدمها ضد أعماله السابقة محامي مصري مغمور من المؤكد طالبا للشهرة فقط، وقد حكمت عليه محكمة مصرية بالفعل بالسجن ثلاثة شهور قبل أن تنقض محكمة أخرى الحكم وترفض الدعوى المقامة من ذلك المحامي، وما زال مسلسل التكفير ساريا فهناك قضايا أخرى ضده ضمن نفس السياق لم تبت فيها المحاكم بعد.
أين كان هذا المحامي ومن على شاكلته قبل أربعين عاما؟
أعمال الزعيم عادل إمام الفنية قدمت منذ عشرات السنين، فلماذا رأى فيها ذلك المحامي إزدراءا للدين اليوم فقط؟. أليس هذا السؤال وحده يكشف أنّ هذا المحامي ومن هم على شاكلته مجرد أدعياء باحثين عن شهرة مزيفة؟ وإلا لماذا لم تصدر هذه الدعوى مثلا عن شيخ من شيوخ الديون الذين هم أحرص من هذا المحامي على الدين الإسلامي وضرورة احترامه؟. إنّ اثارة هذه القضية وحكم المحكمة الأولى رغم إلغائه، من شأنه أن يقوم بشحذ همم المغسولة عقولهم للقيام بعنف تحت ستار الدفاع عن الإسلام، وفي الساحة المصرية تحديدا العديد من الأمثلة أشهرها:
1 . محاولة اغتيال الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ في أكتوبر من عام 1994 ، على يد شاب يبلغ دون الثامنة عشر من عمره آنذاك، واعترف الشاب في مقابلة صحفية معه بعد ذلك بأنّه لم يقرأ أي كتاب أو رواية لنجيب محفوظ بل شرفته الجماعة الإسلامية بقتل نجيب محفوط بناءا على فتاوي صدرت من الشيخ عمر عبد الرحمن.
2 . اغتيال الكاتب فرج فودة في الثامن من يونيو 1992 أيضا على يد أفراد ممن عرفوا بالجماعة الإسلامية، وتبين لاحقا أنّ جريمة الاغتيال جاءت بفتوى من شيوخ جماعة الجهاد وفي مقدمتهم عمر عبد الرحمن أيضا. والمدهش أن الشيخ محمد الغزالي قال في شهادته في المحكمة بأنّ فرج فودة مرتد وجب قتله. رغم أنّ كافة كتابات فرج فودة تخلو من أي مسّ بالدين بل يطالب فقط بدولة مدنية، ومن المبكيات أيضا أنّ قتلة فرج فودة اعترفوا أنّهم لم يقرأوا سطرا واحدا من كتبه بل نفّذوا تعليمات شيوخ الجماعة الإسلامية.
3 . التهديد الذي واجهه المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد والحكم عليه بالردة قبل حوالي ستة عشر عاما والفصل بينه وبين زوجته الباحثة ابتهال يونس، مما ألجأه للهجرة إلى هولندا إلى أن توفي في مصر في فبراير من عام 2011 .
4 . التهديدات المتكررة التي واجهها الباحث الدكتور سيد قمني مما اضطر الأمن المصري لوضعه تحت الحراسة خوفا على حياته.
التضامن مع الزعيم تضامن ضد إرهاب التفكير
لذلك فرفع القضايا ضد الزعيم عادل إمام في هذا الوقت بعد ثورة يناير 2011 له مغازي خطيره، منها انفلات الأمن خاصة ضد قضايا حرية التعبير والفكر، فلا أحد يقبل ازدراء الأديان جميعها، ولكن هناك فرق بين حرية التفكير في أمور بعيدة عن فروض الدين التي لا تقبل المناقشة والتغيير، وبين مسائل دينية فرعية لا تخلو كتب التراث الإسلامي نفسها من هذه الخلافات، وإلا لماذا نشهد في ميدان التفكير الإسلامي عشرات المذاهب والطرق، وقلّما يتفق شيخان على مسألة واحدة. لذلك نقولها صريحة: إنّ التضامن مع الزعيم عادل إمام هو تضامن مع التفكير ضد التكفير، خاصة في مواجهة جماعات لا تفهم الدين على حقيقته وتريد أن تحلّ ( التكفير محل التفكير).
التعليقات
الدين افيون الشعوب
علي العلي -( الدين أفيون الشعوب ) لقد قالها كارل ماركس قبل أكثر من مائة عام ليريح المتاجرين في الدين ومن المشعوذين به ومن ترهاتهم وليبعد شعوب العالم من حروب الدين الظالمة . ومع أن كارل ماركس هو القائل ( الأنسان أثمن ما في الوجود ) نجد أن الشعوب العربية وخاصة الأسلامية شعوب مشعوذة لا قيمة للأنسان عندهم حيث الظلم وغياب العدالة وقمعهم للمرأة واحتقارها كلها مؤشرات التخلّف للدول الأسلامية. ومع أنني لست مولعاً بعادل امام ولا بفنـّه أو بأفلامه او مسرحياته لكونه يتاجر بقدراته ويضحك على الناس ولا يُضحكهم ويجمع اموالهم حتى أصبح من أغنى الأغنياء وهو مهووس بحاله وبفنه !!
=============
lolo -عزيزي الكاتب.يقال ان الصيف والشتاء لايجتمعان على سطح واحد. مقالك هذا لايتفق مع مقالات سابقة مدحت فيها حماس وغيرها من فروع الاخوان المسلمين. فهل انت متقلب الراي ام ماذا
خيبة الأمل
عاطف -رغم اختلافي الكلي مع المواقف التي يتبناها أحمد أبو مطر من مجمل القضايا التي يتناولها في مقالاته هنا في إيلاف، فإنني أعلن اتفاقي التام مع ما ورد في مقاله هذا. يمكن أن ننتقد في الصحافة وفي الإعلام الخيارات الانتهازية التي كانت لدى الفنان عادل إمام في عهد الرئيس المخلوع مبارك حين كان يساند الديكتاتورية والتوريث، ولكن أن نحاكمه على أعمال درامية كلنا شاهدناها ونتفق في أغلبيتنا المطلقة على أنها لا تسيء إطلاقا إلى الإسلام وإنما تنتقد بعض التصرفات المشينة التي تستغل الإسلام وتحرفه عن قيمه السمحاء النبيلة التي نزل بها.. نحاكم الرجل من أجل ذلك، إننا في الواقع ندفع أمم الأرض بعملنا هذا للضحك علينا والاستهزاء منا، وبدل أن تكون الثورة المصرية لحظة مفصلية تخطو فيها الحداثة والحرية والتسامح والانفتاح خطوات إلى الأمام، تتحول الثورة إلى ردة ونكوص ورجوع إلى العصور المظلمة. فرحنا كثيرا بنجاح الثورة المصرية. يبدو للأسف أن هذه الفرحة في طريقها للتحول إلى خيبة أمل كبيرة ويأس قاتل، فمن يا إلهي سينقذنا مما يحاك ضدنا؟
فريد الاطرش
Pierre -خطر التعصب الإسلامي يهدد كل دول الربيع العربي (عباقرة الغناء المصري مثل أم كلثوم و محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد شوقي ونجاة الصغيرة وغيرهم كثيرون). فريد الاطرش وليس فريد شوقي...
وماذا عن سوريا؟
الضاحك -الثوار على دكتاتورية الاسد سيختصرون الطريق ويقيمون حفلات قص الرؤوس لكل فنانين سورية واولهم دريد لحام فشكراً لامثالك ممن ساندوهم وكاسك يا وطن.....
اعرف الحق تعرف أهله
عدو الأغبياء -اسمع كلامك اصدقك أشوف أمورك اتعجب.عادل امام كان من أشد المناصرين للرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه (عرب الأعتدال)والكاتب كان أيضا كذلك وكثيرون أمثالكم. الآن وقد انتهت حقبة مبارك أصبح عادل امام مكشوفا أمام الواقع فتفاجأوتفاجأتم. وعادل امام لم يدافع عن نظام مبارك لأنه لبرالي أو علماني أو عبقري بل لأنه أصبح خلالها من الطبقة المنتفعة من النظام ونفوذه فيها لا يضاهى .فهو ابن النظام وربيبه ،وبعد مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) أصبحت أعماله في هبوط مستمر لأن الأفكار مستنسخة عن بعضها البعض فاصبحت مصطنعة وتافهة لأنه كان يعلم بأن اسمه لوحده كفيل بشهرته وزيادة ثروته.المنفعة المادية نقيض المباديء السامية بصرف النظر عن أي حرية أوديمقراطية.