دور النخبة.. في صرخة: "لماذا يكرهوننا"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين 30 ابريل 2012
أعود* إلى مناقشة مقالة "لماذا يكرهوننا"، إنما من دون أية حماسة للتعليق على أفكار كاتبته، او الاصطفاف في طابور آلاف المُعَلِقين والمُعَلِقات التقاءً أو تعارضاً معها، وإنما رغبة بمناقشة القضية في إطارها الأهم من منى الطحاوي الفرد، أعني إطار التيار المنتمية اليه تلك الأفكار، والتيارات المتعارضة معه، باختلاف المستويات، تعدد الأطياف، وتنوع درجات التعارض، حواراً فكرياً، أو تصادماً عنفياً، إسفافا حد التجريح الذاتي، أو استخفافا لدرجة الإهمال الإقصائي.
"أكارهون نحن الرجال، كلنا، عزيزتنا منى الطحاوي، لكُنَ كلكن وأنتنَ شقائقنا مودة ومحبة، هكذا، ببساطة... وبتعميم يشمل الجميع، تصير قضية حق المرأة العربية في احترام أفضل، وتقدير أرقى ملخصة في سؤال يصرخ: WHY THEY HATE US؟".
تلك كانت خاتمة المناقشة المنشورة السبت الماضي، ومنها نواصل.
حقاً، نحن أمام قضية نضال مرير يعود الى ثلاثينيات القرن العشرين ـ إذا اقتصرنا زمنياً على تلك الفترة ـ بدأته نور الهدى محمد سلطان، إبنة رئيس مجلس النواب المصري، برفض حالة الزوجة الضُرة، وإصرارها على تطليق السيد شعراوي، الذي كان يكبرها بأربعين عاما، زوجته الأولى كي تقبل هدى بالزواج منه.
هل يجوز، إذاً، اختصار نضال كل تلك السنوات، وحجم معاناة شخصيات نسائية عدة، في غير مجتمع عربي، وفي مجالات مختلفة، هل يجوز اختصار ذلك كله في "كره ذكوري" مفترض للمرأة؟
أشك في أن العقل الممنهج على التفكير الموضوعي يقبل هكذا تبسيط لقضية مُعقدة بقدر تعقيدات ظروف متباينة مرت بها المجتمعات العربية، بدءاً بالفتوحات الإسلامية، مرورا الى الامبراطورية العثمانية، فالاستعمار الغربي، ثم مراحل الاستقلالات، فالانتكاسات القومية وما تبعها من هزات اجتماعية، بل زلازل في بعض الحالات، أفضت بدورها الى ردات فعل دينية تباينت في درجات تأثيراتها من مجتمع لآخر، وصولا إلى زمن ثورة الاتصالات، الذي نحن فيه منذ نهايات القرن العشرين، والذي يتطور كل لحظة على نحو مذهل، آخذا معه البشر كلهم، ومن ضمنهم طبعا العرب، نحو آفاق لا محدودية لها.
ولو أن "بارومتر" قياس مدى ما حققته المرأة من حقوقها في أي مكان من كوكبنا، اعتمد على اعتبار كل تصرف ذكوري معرقل لمساواة المرأة بالرجل، هو نتيجة "كره"، لكنا نعيش في عالم ثلثا مجتمعاته تكره المرأة، وليس فقط المجتمعات العربية.
لن ندخل في أمثلة هنا، وليست المقارنات هَمُنا، إنما اللفت الى خطأ الربط بين سلوكيات مرفوضة ضد المرأة، مثل: التمييز في أي شيء وفي أي موقع، البيت والعمل، المدرسة والجامعة، الوظيفة والراتب، العنف الجسدي أو النفساني، الإكراه في الزواج، أو الطلاق بإكراه، وغير ذلك من سلوكيات يرفضها أي عقل سليم، وبين اعتبارها صادرة عن "كراهية".
هل في ما سبق نفي لوجود أية كراهية من جانب رجال ضد المرأة فقط لكونها إمرأة؟
بالتأكيد كلا.
وهل ـ أيضا ـ ثمة عقل ينفي وجود هكذا كراهية. إنما هي حالة مَرَضِية. يعانيها رجال فتدفع ثمنها نساء، مثلما تُصاب بالحالة ذاتها نساء ويدفع رجال الثمن. أليست مجتمعات الدنيا قاطبة فيها نزلاء سجون ونزيلات. وبين هؤلاء، أليس ثمة قتلة وقاتلات. نعم. هذه مسألة بدهية. القتل، باعتباره أقصى حالات العُنف المَرَضي، هو بالتأكيد نتاج كراهية. فهل يمكن مساواة ذلك الجُرم، مثلا، بفشل الزوج في إطالة الممارسة الجنسية حتى تصل الزوجة معه، في لحظة الذروة ذاتها، درجة الإشباع؟
حالة جنسية كهذه، استعارتها منى الطحاوي من الروائية أليفة رفعت، مدخلاً لسؤالها الصارخ: "لماذا يكرهوننا"، أي انها، كما تعرف العزيزة منى جيدا، الفقرة التي تصدم قراءها PUNCHING LINE
بعد العنوان فتحفزهم على مواصلة القراءة.
السؤال، الذي بالتأكيد لا يغيب عن مثقفة مثل منى، هل أن حالة كهذه تخص الرجل العربي فقط؟ وهل انها مقياس للحب والكراهية؟
طبعا، لا.
لكن، هل هذا يعني أن صرخة "لماذا يكرهوننا"، صدرت من فراغ، بلا أسباب، ومن دون مقدمات أوصلت إليها؟
أيضا، لا.
بل الأسباب كثيرة، متعددة، ومعقدة، وإن اختلفتُ مع العنوان الصارخ بذلك التساؤل، ثم مع تحامل بعض الأمثلة، وتجاهل بعض الحقائق، في عدد من فقرات المقالة.
المناقشة الصريحة لتلك الأسباب الكثيرة، تستوجب البدء بمناقشة دور النُخَب العربية ومسؤوليتها في ترسيخ حالة تراجع مجتمعاتها، من سيء إلى أسوأ. معظم من تولوا مواقع قيادية، حتى لا نقع في خطأ التعميم، بدءا بأهل الإعلام وحَمَلة القلم، لهم نصيب من المسؤولية، بل إن بينهم من يحملون في دواخلهم احتقاراً مُهينا ليس فقط للمرأة عموما، معتبرين أنها مجرد جسد تلفظه فور الشبع من التمتع به، بل هم يمارسون هكذا تفكير سقيم، في نظرتهم الى زميلات لهم، بينما يدعون أمامهن، وأمام الناس عموما، غير ذلك تماما.
في التجربة، والذاكرة، أمثلة كثيرة، والتفاصيل لها عودة.
*كنت بدأت مناقشة المقالة المشار إليها، منذ الجمعة الماضي في موقع
www.darbakir.com
التعليقات
دور النخبة
علي أبو خطاب -دور النُخَب العربية ومسؤوليتها في ترسيخ حالة تراجع مجتمعاتها، هذا هو الجواب الشافي فهذه الانظمة البائدة لم تخلق ثورات فكرية حقيقية بل كان استبدال نفعيين بنفعيين وكانت الخاتمة المتوقعة انتخاب ظلاميين من شعب غير مثقف بل غير غير متعلم غالبا
دور النخبة
علي أبو خطاب -دور النُخَب العربية ومسؤوليتها في ترسيخ حالة تراجع مجتمعاتها، هذا هو الجواب الشافي فهذه الانظمة البائدة لم تخلق ثورات فكرية حقيقية بل كان استبدال نفعيين بنفعيين وكانت الخاتمة المتوقعة انتخاب ظلاميين من شعب غير مثقف بل غير غير متعلم غالبا
ليس كلّهم يكرهوننا
Bdour Mohamed -حسناً فعل الصديق بكر عويضة بإثارته هذا الموضوع المهم، لما له من صلة بمنظومة السلوك الإجتماعي، والأحكام القيّمية الرجالية تجاه النساء. في رأيي إن الكراهية في أحد وجوهها، شعور عفوي لا ينطوي على تفكير مسبق وإنما هو نتيجة لتربية خاطئة، واستجابة لمعطيات واقع مريض، تتداخل في صياغته العشائريةوالإيمان بمقولات دينيةمجتثة من سياقها التاريخي.وأحسب إن هذا الوجه من الكراهية، هو ما تقصده الكاتبة منى الطحاوي، ذلك إنني لا يمكن أن أقتنع بأن كلّ الرجال يكرهون النساء، ولا يضيرني أن أقول بأنه لولا نخبة من الرجال المستنيرين،الذين أثاروا قضية المظالم التي تتعرض لها النساء، ورفعوا أصواتهم للدفاع عن حقوقهن، لولا مبادراتهم، ومنذ بدايات القرن العشرين، لما تحققت كثير من المكاسب التي تفخر بها نساءالعرب في يومنا هذا، وإن جرى التراجع عن بعضها، في حاضرنا الذي لبست فيه السياسة رداء الدين، وأضفت نفاقها على معطياته الصحيحة.الوجوه الأخرى لما بدا للكاتبة بأنها كراهية، هي في الحقيقة خوف من المرأة، من أن يكون لها شأن معادل لشأن الرجل ف المجتمع، وهذا ما عبّر عن أحد الفقهاء القدامى(الغزالي) حين نصح بعدم تعليم المرأة إلا بالقدر الذي يمكنها من خدمة أسرتها والمحافظة على مال زوجها، هذا الخوف الذي أقصده هو يتلخص فيما شرحته لي صديقة تعمل في شركة بريطانية، قالت لي إنها تواجه حملة شرسة من قبل زملائها كي لا تحصل على ترقية، كما قالت لي إن مديرها يكره النساء، وفي الحقيقة إنه يخاف منهن.وللتدليل على أن الوجه الأغلب لمظهر الكراهية الذي تحدثت عنه، أسوق ثلاثة أمثلة من الواقع:في نقاش حول الدين مع رجل غير متعلم، فاجأني بقوله إن المرأة لا دين لها، وكان يعلّق على النساء اللواتي يغطين وجوههن ويرتدين القفّازات، قلت له كيف، قال المرأة لا تحاسب لأنها ليست كالرجل في العقل والقوة، فكيف يحاسبها الله.المثال الثاني ساقه لي زميل محامي كان يترافع عن امرأة قتلت زوجها وهو متلبس بخيانتها مع جارتها، قال لي إنه تحدّث مع والد المجني عليه، محاولاً شرح دوافع موكلته، والتماس العذر لها، فقال له الوالد الريفي : أي عذر لها ، المرأة ليس لها عرض تدافع عنه كالرجل الذي يرى زوجته أو أخته تمارس فعلاً شائناً.المثال الثالث عن زوج قريبة لي وكان شيخ عشيرة، كان دائم الفخر بابنته المتفوقة في دراستها، ويقول أنه لا يمانع في أن تسافر للدراسة في بريطانيا، وكا
الفرق شاسع وواضح
تحسين حسين -لا أؤيد السيد عويضة على مقالته لأنه هناك فرق شاسع بين وضع المرأة في الدول العربية والاسلامية وبين وضعها في الدول الأوروبية والمتحضرة. المرأة في بعض دولنا لا تستطيع سياقة سيارة ولا يمكن اطلاقاً ان تحتل منصباً كبيراً مثل رئاسة الوزراءاو وزارة او حتى مجلس الشعب ورئاسة البلديات، ولا ننسى ان شهادة المرأة في القضاء تحتسب بنصف الرجل.