فضاء الرأي

تونس: "النهضة"من غرف النسيان إلى عصا الصولجان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لقد تآلبت على "تونس" قديما وحديثا عوامل تاريخيّة قاسية قضت بأن يتعاورها طغاة وظالمون استعذبوا رحيقها، واستمرؤوا تسامح أهلها، وطيبتهم الساذجة. وحكمت قوانينها الجائرة بأن ينجم في كلّ عصر من تاريخ هذه البلاد المتطاولة تاريخا رغم ضيق جغرافيتها، "ديكتاتور"يسرق من عمرها سنينا ويذهب مدحورا ليعقبه آخر. والجامع بين سلسلة الطغاة أنّهم يصلون إلى الكرسيّ مساكين وينتهون عتاة من كبار القتلة والمجرمين.
على أنّ في تونس اليوم الخارجة للتوّ من متاهة حكم "بن علي"، قالت الصناديق كلمتها. وفازت حركة "النهضة" بأكبر عدد من المقاعد دون أن تحصل على الأغلبيّة. وهذه الحركة رغم مرور أشهر على توليها رئاسة الحكومة، مازالت تسعى إلى تأهيل نفسها كي تتحوّل إلى حزب حاكم يُمسك بتلابيب أكبر الحقائب الوزارية: "الداخليّة" والخارجيّة" و "العدل" و"التعليم" المثقلة بالمشاكل والملفّات . ولا شكّ في أنّ ما تعرّض له زعماء هذه الحركة وأنصارها من ظلم ونفي وقتل، قد ساهم في التأثير على اختيارات الناخبين الفارّين بأصواتهم من جحيم الديكتاتوريّة إلى قادم يحملونه كلّ انتظار اتهم، ويأملون أن يملأ البلاد عدلا بعد أن مُلِئت جَوْرا وفسادا.
لقد وَقَر في عُرْف كثير من سياسييّ أمّة العرب العاطفيّة، أنّ السّجن هو رمز للبطولة والفداء، والمُسْبِغُ الأوحد لِنِعَمِ الشرعيّة النضاليّة على كلّ مَنْ عاش ظلامه. حتّى أنّ لا يُقاس إلّا بعدد سنوات السجن وأيّامه المظلمة. وتأبى الذاكرة الشرقية إلا أن ترسم حكايات وأساطير عن هؤلاء الأبطال القادمين من السجون ليملأوا الأرض عدلا بعد فسادها. وكَمْ خاب أمل كثير من العاطفيين عندما رأوا سجين الأمس يتحوّل بسرعة إلى سجان الحاضر والمستقبل. لكن عبر التاريخ لا تستقرّ وشما إلا في ذاكرة أقليّة
في البدء، من الضروريّ الإشارة، في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد، إلى أنّ النوايا الطيبة وحدها لا تصنع اقتصادا قويّا، ولا تبدّد كلّ المخاوف التي تحوّلت إلى خبز يوميّ مرّ عند المواطن. نَعَمْ حركة "النهضة" تعرّضت إلى تعذيب ممنهج ، ومحاولة اجتثاث قادها نظام "بن علي". لكنّ الشباب الذي خرجوا ثائرين لا يعرفون عن هذه المعاناة إلا النزر القليل. وهي عندهم ليست أكثر من قصّة تاريخيّة رأوا بعضا من فصولها في الكتب التي درسوها. وهؤلاء الشباب يريدون أن يبنوا حاضرهم ومستقبلهم ببرامح واقعيّة بعد أن سئموا البكاء على الأطلال ، والتذكير بسنوات الجمر والمعاناة. ولا يعنيهم أن يكون عدد سنوات السجن عاملا محدّدا في توزيع "الغنائم" الوزاريّة.
. إنّ تاريخ الحركة المليء بالمآسي والسجون لا يجب أن يتحوّل إلى برنامج عمل للحكومة. . تلك مرحلة تاريخية مرّت بأحزانها، وصفحة طويت. وها هو التاريخ يمنح مَنْ عانى فرصة أن يرفع شعار" لا ظلم بعد اليوم"، وأن يحوّله إلى حقيقة يكفلها الدستور المُتنازًع على فصوله.
وإذا كانت عِبَر التاريخ تؤكّد أنّه ما مِنْ سجين وصل إلى السلطة إلّا وتحوّل، في مرحلة من المراحل، إلى سجّان يأتي ما كان يَنْهىَ عنه ، فإنّ على "النهضة"-باعتبارها حزبا حاكما- أن تسفّه هذه القاعدة التاريخيّة حتى تجنّب البلاد والعباد مرارة الدوران في حلقة مفرغة شعارها التناوب على الإقصاء.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف