هكذا يحكمون فلماذا الدهشة من مضاجعة الوداع

يُروى أن رجلاً جاء إلى صاحب فرنٍ طلب إليه أن يقوم بشواء بطة سلَّمه إياها بعد أن وضع فيها البهارات والتوابل.. وقال له:
"سأذهب لشراء الخبز والبقول بعد ساعةٍ، حيث أنني أولمت وليمة لعدد من الأصدقاء".
وبينما كانت البطة تشوى على نيران الفرن.. وإذا بمرور موكب القاضي الذي إستنشق روائح شواء البطة، فجُذب من خياشيمه متجهاً نحو الفرَّان وقال له:
- أعطيك لحظات قليلة من الوقت كي تقوم بلف هذه البطة بالخبز وتُسلمها لأحد رجالي في الحال!!..
ولم يجد الفرَّان - المسكين - بُداً من الإمتثال لأمر القاضي، فقام بلف البطة بالخبز وسلَّمها لأحد أفراد حاشية القاضي!!..
وبعد فترة وجيزة عاد صاحب البطة محملاً بالبقول وبالخبز وسأل الفرَّان عن بطته؟!.. فلم يجب صاحب الفرن جواباً غير أن يقول:
- إن بطتك قد طارت!!..
وتطاير الشرر من عيون صاحب البطة وصاح فيه بأعلى صوته:
- كيف تطير أيها المحتال الدجال وقد ذبحتها وسلخت ريشها، ووضعت عليها الملح والتوابل والبهارات بنفسي؟!..
فاصرَّ الفران على أن البطة قد طارت!!..
بعد أن تعالى الصياح بين الطرفين وتداخلت في الموضوع عناصر أخرى، وإذا بها معركة قد نشبت وأُستعملت فيها أسياخ الحديد والحجارة والفحم، وأخذ المتعاركون يتقاذفون بكل ما تمتد إليهم أياديهم، في هذه الأثناء سقطت سيدة كانت حاملاً في شهرها التاسع بعد أن جائتها قذيفة من الصخر على بطنها.. سقطت فاقدة جنينها الذي نزل ميتاً.. وإذا بزوجها يصرخ بأعلى صوته ويدخل مشتبكاً معهم في تلك المعركة.
وفي هذه الأجواء الصاخبة أُطلق أحد السياخ ليُصيب حماراً كان صاحبه يمتطيه، وإذا بالحمار يهب في - عنفصة - أفقدته صوابه فأطلق رجليه للريح تاركاً ذيله في يد صاحبه.. وبعد أن انتشر الهرج والمرج جاءت الشرطة ليسوقوا الجميع إلى المحكمة حيث يجلس على منصتها نفس القاضي الذي كان قد فرغ من توه في الإستمتاع بأكل البطة..
ولما تقدم صاحب البطة شارحاً شكواه حيث قال:
- هل يعقل أيها القاضي الجليل أن تطير البطة من على منقلة الشواء؟! فأجاب القاضي:
-أوتشك في ذلك؟!
فقال صاحب البطة:
- أشك كل الشك يا سيدي!
وهنا قال له القاضي:
- إذا كان الأمر كذلك فإنك تُعرض نفسك إلى تهم الزندقة والكفر والإلحاد..
فبُهت صاحب البطة وقال:
- كيف ذلك أيها القاضي؟!
فقال القاضي:
- ألم يقم نبينا إبراهيم بتقطيع الطير إلى أجزاء، ثم وضع هذه الأجزاء على جبالٍ متفرقة، ولكنها إلتحمت وطارت بقدرة الله؟!.. فلماذا تستغرب أن تطير بطتك؟!..
فما كان من صاحب هذه البطة أمام هذا المنطق إلا أن قال:
- معذرة يا سيدي القاضي إنني أسحب شكواي!!
لكن القاضي لم يعبأ بذلك وأمر بجلد صاحب البطة ووضعه في السجن لأنه تقدم ببلاغ كاذب.. وأدَّعى باطلاً وشكك في طيران البطة.
ثم نودي على زوج المرأة التي فقدت جنينها، فوقف أمام القاضي وهو ينتحب ويصرخ فقدانه لجنينه بسبب معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.. فقال له القاضي:
- وماذا تريد؟!..
أجاب:
- أريد تعويضاً لخسارتي في طفلي الأول..
فقال القاضي:
- هذا أمر هيّن جداً، إترك لنا زوجتك لمدة تسعة أشهر ثم تعال بعدها لتجد لك طفلاً يعوضك عن الذي خسرته.. فأصدر القاضي حكمه بتسليم المرأة لأفراد حاشية القاضي حيث سيقومون بالواجب الشرعي بموجب القانون..
ولماّ نودي على صاحب الحمار الذي شهد الحكمين السابقين، تقدم وفي يده ذيل الحمار حيث قال:
- يا سيدي القاضي.. إن لي حماراً قد إشتريته وكنت أرعاه وأحنو عليه وكان كثيراً ما (يعنفص) غضباً، فأُصالحه.. وها أنذا في طريقي للبحث عنه ومصالحته..
فسُّر القاضي لهذا المواطن الصالح الذي أثبت وفاءه لحماره.

* * *
فإذا كان ما قرأتموه لا يبعد كثيراً عن تفسيراتهم للشرائع السماوية!!.. فلماذا العجب من تفسيرهم القاضي بمضاجعة الزوج لزوجته بعد مماتها؟!..