فضاء الرأي

متى تذهب السكرة وتأتي الفكرة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الانتفاضات التي ضربت
أقطارًا عربيّة بعينها، دون سواها، منذ عام ونيّف لم تأت من فراغ. إذ أنّنا وبنظرة سطحيّة على هذه الأقطار يمكننا أن نضع إصبعنا على ظاهرة مثيرة للاهتمام بعيدًا عن الكتابة الرومانسية المُشبعة بالشعارات التي وصفت ما جرى في هذه الأقطار بأنّه ثورة. منذ البداية كان الشكّ يتملّكني حول هذه التسميات التي تُطلق جزافًا دون النّظر في الجوهر، أي بما يحمله المصطلح ثورة من معنى. لم أدّعِ في الماضي، مثلما لا أدّعي الآن، أنّ الأمور واضحة المعالم بما يكفي للولوج في عمق هذا الحدث الكبير، غير أنّي ومنذ البداية لم أشهد على الأرض بما يشي على أنّه ثورة بحقّ وحقيق.

منذ جلاء الاستعمار القديم وخروج العالم العربي - وإن كان الخروج نسبيًّا - من قبضة الدول المستعمرة، لم يهدأ لهذا العالم العربي بال. لقد ظهرت على الخارطة تقسيمات وأقاليم ودول عربية، على غرار ما حدث في أصقاع مختلفة من العالم. لقد كُتب الكثير وقيل الكثير عن هذه التقسيمات ولا حاجة إلى التكرار. غير أنّ ما يلفت الانتباه هو أنّ بداية الأنظمة في هذه الدول المُستحدثة كانت نوعًا من السير على خطى هذه المجتمعات الموروثة كابرًا عن كابر. وبكلمات أخرى، لقد تشكّلت هذه الأقطار حول نظام قبليّ ينهل من موروث هذه المجتمعات. هكذا انتظمت هذه الأقطار في في نظام الممالك والإمارات والسلطنات.

صحيح أنّ الاستعمار
قد انكفأ بصورة أو بأخرى، غير أنّ لعبة الأمم لم تنته في هذه البقعة من الأرض. وهكذا أضحت مسرحًا للتجاذبات بين معسكرين وقطبين اثنين قد برزا للعلن مع نهاية الحرب العظمى الثانية. المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي، الشيوعي، بقيادة الاتحاد السوفييتي. في خضمّ هذه الحرب الباردة بين القطبين أفلح بعض العسكر في الإطاحة ببعض الأنظمة في الأقطار العربية. ولمّا كانت المسألة القوميّة ما زالت في طور تشكّلها في هذه الأصقاع، فقد امتلأ الفضاء العربي في تلك rdquo;الجمهورياتldquo; التي برزت على السطح بكلّ تشكيلات الشعارات العاطفيّة والرومانسية، عن الوحدة والاشتراكية والقومية وما إلى ذلك من كلام كبير لم يكن يستند في الواقع إلى أيّ رصيد لديها.

وهكذا، سرعان ما تحوّل هؤلاء العسكر إلى منظومة سلطويّة كلّ همّها منصبّ على البقاء في الحكم، أو تحوّل هؤلاء العسكر إلى منظومة قبليّة وطائفيّة تتستّر خلف شعارات قوميّة ومعاداة الامبريالية، وما إلى ذلك من أصناف البلاغة العربية. لقد مرّت عقود طويلة على حكم هؤلاء العسكر فلم يحقّقوا شيئًا لكلّ هذه الشعوب العربية التي اغتُصبت وغُلبت على أمرها. لقد كان الاستبداد واستعباد العباد سمة ملازمة لتلك الأنظمة. وها نحن، وبعد عقود من حكم هؤلاء العسكر واستبدادهم نرى أنّ كلّ تلك الشعارات قد ذهبت أدراج الرياح. فعادت كلّ هذه الـrdquo;شعوبldquo; إلى نقطة الصفر.

لذا، ليس من قبيل الصدفة
أن تضرب موجة الانتفاضات العربية، المسمّاة rdquo;ربيعًاldquo; بالذّات تلك الأقطار العربية التي اغتصب فيها العسكر السلطة وأخذوا يورّثون فيها الحكم، كما لو كانوا ملوكًا. وكان هؤلاء بالطبع يجدون من يصفّق لهم ويُلقي على مسامعهم الأشعار والمدائح في جلسات ما يُسمّى rdquo;مجلس شعبldquo; وما إلى ذلك من مجالس صوريّة في حقيقتها. في الحقيقة كان بإمكان الرئيس أن يعرض على هذه المجالس المزوّرة قرارًا يقول بأنّ الشمس تُشرق من المغرب وتغرب في المشرق، وبالطبع كانت تلك المجالس ستبصم بالعشرة على قرار الرئيس الواحد الأحد الفرد الصمد، بلا أدنى شكّ.

والحقيقة المرّة هي أنّ كلّ التيّارات التي كانت، ولا تزال، تُسمّى يسارًا، لم تكن كذلك في حقيقتها. بل يمكن القول يقينًا، إنّها كانت حركات انتهازية تتزلّف إلى هؤلاء السلاطين - ربّما الأصحّ السراطين - الجدد الذين استحكموا بالبلاد واستبدّوا بالعباد. لم تُقدّم تلك الحركات بديلاً تنويريًّا وديمقراطيًّا لهذه الشعوب، بل استخدمها العسكر الطائفي والقبلي لمآربه، فقبلت هي بالفتات الممضوغ المتروك لها على موائد هؤلاء اللّئام.

لست من أنصار الأنظمة الملكيّة،
وعلى وجه الخصوص العربيّة منها، بأيّ حال من الأحوال. غير أنّ الحقيقة التي يجب أن تُقال هي أنّ الأنظمة الملكية العربية وعلى كلّ سيّئاتها التي لا تُحصى، فقد كانت على الأقلّ أرحم بشعوبها من كلّ تلك التي تُسمّى جمهورية وثورية وما إلى ذلك من مسمّيات كاذبة. ليس هذا فحسب، بل إنّ الاستعمار ذاته كان أرحم من هذه الأنظمة على البشر والحجر والشجر. لذا، فبعد أن طفح الكيل انتفض النّاس في تلك الأقطار على هذه الأنظمة الفاسدة والمفسدة في الأرض.

لقد آن الأوان لأن تذهب السكرة. لقد آن الأوان لأن تأتي الفكرة.
والعقل وليّ التوفيق!
*
موقع الكاتب: من جهة أخرى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
عبادة العقل
لطيف -

لا تعول على عقلك كثيرا فقد يخذلك !

عقل الطائفة يا لطيف
فارس -

ربما اراد الكاتب بالعقل كبير الطائفة الدرزية في فلسطين !

إنجازات عسكر مصر
هانى شاكر -

1- جمال و صلاح سالم ... كارثة السودان و غيرها...-- .. 2-كمال الدين حسين ... تدمير التعليم...---... 3-المشير عامر ... تدمير ألجيش و ألوطن...---... 4-صلاح نصر ... قتل العباد و ألأخلاق ...---... 5-محمد حسنين هيكل ... ...---.. 6-أنور ألسادات ... جنون ألعظمة...---... 7-حسنى مبارك ... إخصاء أُمة

عبادة النقل
سليمان رشاد -

وما حاجتك الى العقل يا سيد عدنان وعندك النقل؟ عن فلان ابن فلان والقيل والقال هو سر النجاح والنقل ولي التوفيق واحذر اغواء الشيطان اي العقل!!

اسؤ نظام الصهيوني
سامي -

هل الكلام عن سؤ الاظطمة الحاكمة العربية الغرض منه التعمية عن سؤ الكيان الصهيوني واسلوبه المنهجي والثابت في قمع الشعب الفلسطيني ؟!

اسؤ نظام الصهيوني
سامي -

هل الكلام عن سؤ الاظطمة الحاكمة العربية الغرض منه التعمية عن سؤ الكيان الصهيوني واسلوبه المنهجي والثابت في قمع الشعب الفلسطيني ؟!

قلیل من الموضوعية
حسين طالباني -

السيد الكاتب كان موفقا في تعليقه وفي عرضه لموضوعه، ولكن على عادة السادة المعلقين العرب، في اللاموضوعية دخلوا في تعليقات اقل ما يقال عنها انها سخيفة. او غير متصلة بالموضوع اصلا. التعليق الاول مثلا: سخيف وغير مؤدب . التعليق الثاني اسخف، حيث ما علاقة كلام موضوعي باصل وفصل الكاتب. التعليق الرابع اراد بالمختصر تاييد الكاتب. التعليق الخامس: ركب نظرية المؤامرة وحشر اليهود والصهيونية في تعليقه والكاتب كتب عن الانظمة العربية ولم يكتب عن القضية الفلسطينية.

قلیل من الموضوعية
حسين طالباني -

السيد الكاتب كان موفقا في تعليقه وفي عرضه لموضوعه، ولكن على عادة السادة المعلقين العرب، في اللاموضوعية دخلوا في تعليقات اقل ما يقال عنها انها سخيفة. او غير متصلة بالموضوع اصلا. التعليق الاول مثلا: سخيف وغير مؤدب . التعليق الثاني اسخف، حيث ما علاقة كلام موضوعي باصل وفصل الكاتب. التعليق الرابع اراد بالمختصر تاييد الكاتب. التعليق الخامس: ركب نظرية المؤامرة وحشر اليهود والصهيونية في تعليقه والكاتب كتب عن الانظمة العربية ولم يكتب عن القضية الفلسطينية.

الاستمرارية
سعيد دلمن -

الانظمة العسكريتاريا في الدول العربية خرجت من أحشاء أنظمة مأزومة وفاشلة وهي أرث ومخلفات تلك الأنظمة وبأقنعة جديدة ولكن بنفس سلوكها و محتواها و أن نهجها و ممارساتها كانت ولا تزال تمثل الاستمرارية لتلك الحقبة من الاستبداد ... لذا وعلى مر العقود الماضية وبكل أسف...بقيت واستوطنت السكرة و لم تعطى أي فرصة لولادة الفكرة...؟ ..مع التحية

الاستمرارية
سعيد دلمن -

الانظمة العسكريتاريا في الدول العربية خرجت من أحشاء أنظمة مأزومة وفاشلة وهي أرث ومخلفات تلك الأنظمة وبأقنعة جديدة ولكن بنفس سلوكها و محتواها و أن نهجها و ممارساتها كانت ولا تزال تمثل الاستمرارية لتلك الحقبة من الاستبداد ... لذا وعلى مر العقود الماضية وبكل أسف...بقيت واستوطنت السكرة و لم تعطى أي فرصة لولادة الفكرة...؟ ..مع التحية