أصداء

لماذا "تُؤجّل" المعارضة السورية؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لماذا "تؤجّل" المعارضة السورية، وسط زحمة المعارضات السورية المتكاثرة؟

لماذا لا تتوحد المعارضات السورية الكثيرة في مواجهة النظام الديكتاتوري الذي لا يزال واحداً ومتماسكاً، على أكثر من صعيد، بعكس ما كان متوقعاً، رغم مرور أكثر من سنةٍ ونيف على قيامة الشعب السوري؟

أسئلةٌ ربما تكون بديهيةً، مقارنةً مع ثورات "الربيع العربي" الأخرى. ففي تونس ومصر وليبيا واليمن، لم نرَ تشرذماً كالسائد في الحالة السورية، في صفوف معارضاتها. صحيح أنّ هذه المعارضات المتخلفة على أية حال عن شعوبها، لم تحظى بشرف قيام تلك الثورات، أو قيادتها في الأول من اشتعالها، لكنها لم تلعب دور "الكابح" لها أيضاً.
هي لم تمشِ في البدء أمام الجماهير الغاضبة في تلك الثورات، لكنها لم تمشِ خلف الأنظمة الحاكمة أيضاً.

هي في المنتهى، رغم تخلفها عن الثورة، لحقت بالجماهير، ومسكت بزمام الأمور في الوقت الضائع، ووقفت مع الشعب في صفٍ واحدٍ لإسقاط النظام، كما أراد "شعب الثورة" له أن يكون، فكان. ثم أنّ العلامة الفارقة لهذه المعارضات التي حسمت أمرها مع الشعب ضد النظام، هي أنها اتفقت على شيءٍ واحد لا بل وحيد، ألا وهو "إسقاط النظام"، دون الدخول في أية تفاصيل أو جزئيات في المرحلة التالية، ونظام الحكم القادم الذي سيعقبه.

هي اتفقت مع شعوبها على إسقاط الديكتاتورية ودحرها، دون الإختلاف على ما ستليه من "ديمقراطيات". هي اتفقت على ضرورة الخلاص من الحاضر الديكتاتوري، دون الدخول في تفاصيل "المستقبل الديمقراطي". لذلك بقي كلّ شيء، كان من الممكن جداً الإختلاف عليه، بما فيه شكل الدولة القادمة، مؤجلاً إلى ما بعد إسقاط النظام.

لكنّ الأمر في الحالة السورية، مختلف تماماً، حيث الإختلاف بين صفوف المعارضات السورية، هو أعمق وأكبر بكثير، مما يمكن أن يُتصوّر.
فهذه المعارضات على الطريقة السورية، بقدر اختلافها لا بل خلافها على "سوريا "الأسد" وكيفية إسقاط النظام وأركانه، هي مختلفةٌ أيضاً على "سوريا الشعب" القادمة، وشكل الدولة السورية، ونظام حكمها القادم.

هذا الخلاف، الذي يمكن وصفه على مستوى أكثر من ملف وقضية بالبنيوي، ليس موجوداً بين أقطاب المعارضات السورية الرئيسية فحسب، وإنما هو خلاف يظهر بين والحين والآخر، ضمن صفوف المعارضة الواحدة أيضاً.

العيون والآذان، سواء في الداخل السوري أو خارجه، كانت تترقب ما سيتمخض عنه اجتماع المعارضات السورية، الذي كان من المزمع انعقاده غداً في القاهرة، تحت رعاية الجامعة العربية وأمينها العام د. نبيل العربي. لكنّ الإجتماع، بحسب مصادر الجامعة العربية، "تأجّل" بناءً على طلب كلٍّ من "المجلس الوطني" و"هيئة التنسيق".
فهل الإجتماع تأجل أم المعارضة نفسها "تأجلت"؟

التصريحات وردودو الأفعال التي صدرت في اليومين الأخيرين، من بعض الشخصيات البارزة في المعارضتين، تؤكد أنّ هذا التأجيل قبل أن يكون تأجيلاً لتحقيق لقاءٍ يجمع بين أطرف المعارضة السورية، هو في أساسه وحقيقته تأجيل ل"وحدتها" المنشودة.

كلّ من يتابع تصريحات الطرفين، بباطنها وظاهرها، عن كثب، يتساءل هل المعارضة السورية هي معارضة ضد النظام أم هي معارضة ضد نفسها؟
الواضح من قيام وقعود هذه المعارضات، كما تقول مواقفها ومواقفها المضادة، هو أنّ الإتفاق على سوريا إنتقالية واحدة، أو "الوحدة" فيها، هو آخر ما يمكن أن تفكّر به هذه المعارضات المتناحرات.

لا شكّ أنّ المطلوب من كل أطراف المعارضات السورية المدعوة إلى هكذا إجتماعات ولقاءات، ليس "الحلول" في هيكل تنظيمي واحد، وإنما هو الدخول في "إئتلاف معارض" واسع يشمل كلّ أطياف المجتمع السوري، والإتفاق فيه على الخطوط السورية العريضة، للخروج بموقف موحّد، وإرادة سياسية موّحدة، واستراتيجية محددة واضحة موحدة تجاه النظام. المطلوب من المعارضات السورية، إذن، الآن وبعده، هو التوصل إلى رؤية موّحدة حول حاضر ومستقبل سوريا، الذي بات على كفّ أكثر من عفريت، وعلى شفا أكثر من حربٍ أهلية.

لكنّ هل هذا "المطلوب" ممكن سورياً؟
وهل يمكن أن يُكتب لهذا "المطلوب المؤجل" النجاح سورياً وإقليمياً ودولياً؟

بإعتقادي، من الصعوبة بمكان التكهن بإمكانية تحقيق هذا "المطلوب السوري"، أيّ إنجاز معارضة سورية موحدة، راهناً.
فالحديث عن "وحدة" المعارضة السورية أو "إتحادها" في شكلٍ من الأشكال، يعني في المنتهى الحديث عن "المؤجل" وفيه، فضلاً عن أنه قتل ومضيعة للوقت.
فيه من الوهم أكثر من الحقيقة، ومن التمني والترجي والدعاء والرومانسية أكثر من الواقعية.

أما الأسباب التي تحول دون الوصول إلى هكذا "مطلوبٍ مؤجّل"، أو هكذا "وحدةٍ مؤجلة"، لهكذا معارضات في هكذا وضعٍ متفاقم كالوضع السوري "المؤجل" إلى أجل غير مسمى، فهي تكاد تكون تلك ذاتها الكامنة وراء "صناعة" هذه المعارضات نفسها.

هذه الأسباب، سواء الداخلية منها أو الخارجية، التي أدت إلى "تفريخ" المعارضات السورية، وشرذمتها وتفريقها وتشتيتها شذر مذر، لا تزال بعد مرور أكثر من 14 شهراً على القيامة السورية، هي هي، تراوح مكانها، دون أن تتغيّر.

فلا النظام تغيّر، ولا المعارضات التي "تريد" تغييره تغيّرت، ولا الأسباب والعوامل التي جعلتها "تعارض" على الطريقة المرسومة لها سلفاً، أو صنفتها في خانة المعارضة، تغيّرت.
من هنا، لا يمكن توقع "صناعة" معارضة سورية موحدة، كنتيجة مطلوبة أو مفترضة، لا من اجتماع القاهرة المؤجل، ولا من إجتماعات أخرى لاحقة ستتأجل على الأرجح أو لن تحدث، طالما أن أسباب "كثرة" المعارضات السورية، لا تزال كما هي لم تتغيّر.

فكلّ المعارضات السورية، بدون استثناء، ومن ألف قيامها إلى ياء قعودها، باتت رهناً إما لأجندات داخلية(على هوى النظام) أو لأجندات إقليمية ودولية.
هي بدلاً من أن تكون معارضات "داخلية" موحّدة داخل حدود سوريا، تحوّلت إلى معارضات "خارجية"، عابرة للحدود، مرتبطة بأكثر من مشروع لأكثر من دولة، إقليمياً ودولياً.
فأساس الخلاف بين المعارضات السورية، يكمن بالدرجة الأولى في اختلاف العالم، عربياً وإقليمياً ودولياً على سوريا.

الخلاف بين هذه المعارضات، هو خلافٌ على المعنيين من الدول "المتدخلة" في شئون سوريا، والمختلفين على راهنها وقادمها، قبل أن يكون خلافاً بين السوريين أنفسهم على سوريا نفسها.

فمثلما تعوّل مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" وعلى رأسها أميركا وأوروبا وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي على "المجلس الوطني السوري"، تعوّل مجموعة "أصدقاء النظام السوري" وعلى رأسها روسيا والصين وإيران و"لبنان حزب الله" و"عراق المالكي" على "هيئة التنسيق الوطنية".

سوريا إذن، لم تعد قضيةً سورية، تعني السوريين فقط، وإنما تحوّلت منذ الأشهر الأولى من ثورتها، إلى قضية إقليمية ودولية بإمتياز.
تركيا على سبيل المثال لا الحصر، تدخلت في سوريا عبر صناعتها لبعض معارضتها، ليس من باب الحرص على سوريا، وأنما من باب الخوف على نفسها، وخشيتها من أن تتحول مشاكل الداخل السوري إلى مشاكل في داخلها. لهذا كانت لا بدّ لمشكلة سوريا، أن تكون "مشكلة تركية"، كما أعلن المسؤولون الأتراك ذلك مراراً.

وإنطلاقاً من هذه القناعة التركية، دخل الأتراك سوريا عبر شباك "معارضة سورية" مفصّلة تركياً، كي لا يفرط العقد السوري، وألاّ تنتقل عدوى المشاكل السورية مستقبلاً إليهم، لا سيما مشكلة الأكراد الذين يتجاوز تعدادهم في تركيا أكثر من 18 مليون نسمة، محرومين من كافة حقوقهم القومية والثقافية والسياسية.

والحالُ فإنّ البحث في "وحدة" المعارضات السورية الخارجة من تحت أكثر من "إبطٍ" داخلي أو خارجي، هو بحث في الوهم وعنه، أكثر من أن يكون بحثاً عن الحقيقة وفيها.

فلا يمكن الحديث عن وحدة بين ضدين ك"المجلس الوطني" و"هيئة التنسيق" مثلاً، لأنّ وبكل بساطة ما يفرقّهما أكبر بكثير مما يجمعهما.
ففي الوقت الذي يصف الأول نفسه بأنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، والمظلة السياسية للثورة، ويرفض الدخول في أيّ حوارٍ مع النظام القاتل، ويدعو لإسقاط النظام بكلّ أركانه، ويطالب بالتدخل الخارجي بما فيه التدخل العسكري، ويسعى لعسكرة الثورة من خلال تسليح "الجيش السوري الحرّ"، نرى "هيئة التنسيق" على العكس، لا تزال تتمسك ب"لاءاتها الثلاث"(لا للطائفية، لا للعنف، لا للتدخل الخارجي)، وتقبل بالجلوس مع النظام والحوار معه، علماً أنها لا تضع كلّ أركان النظام في سلةٍ مهملة واحدة.

ثم لا ننسى أنّ الغالبية الساحقة من أعضاء فوق المجلس وتحته، المحسوبين على "جناح الصقور" يرفضون حتى فكرة الجلوس مع أهل "هيئة التنسيق". لا بل أنّ البعض الأكثر من "صقور المجلس" يعتبر الجلوس مع "هيئة التنسيق" جلوساً مع النظام، وهذا ما يتعارض مع الأساس الذي تأسس عليه المجلس، ويتناقض مع ميثاقه الوطني.
كلاهما يرفض الآخر، ويهرب منه ويتهمه على طريقته الخاصة.

فمثلما "الهيئة" متهمةٌ لدى "معارضة إسطانبول" بالتبعية والدوران في فلك النظام وأصدقائه، كذا "المجلس الوطني" متهم لدى "معارضة دمشق" بالتبعية لتركيا وحليفاتها.
فلا هذا يقبل بتلك، ولا هذه تقبل بذاك.

المعارضات السورية، صُنعت على ما يبدو، لا لتتحد وإنما لتتفرّق، ولا لتتفق على سوريا موحدة، وإنما لتختلف في أكثر من سوريا، ولا لتنجز الوحدة، وإنما لتؤجلّها.
المعارضة السورية، مشروع "وحدة مؤجلة" إلى سوريا غير مسماة.

كلّ شيء في سوريا بات مصيره التأجيل: سوريا تتأجل، والنظام وسقوطه يتأجلان، والشعب يتأجلّ، والثورة تتأجّل، والمعارضة تتأجل، والدم والدم المضاد يتأجلاّن، والأصدقاء والأعداء يتأجلون.

أخشى ما أخشاه أن تتحوّل سوريا من مشروع "شعبٍ يريد إسقاط النظام"، إلى مشروعٍ ل"إسقاط سوريا"، في "دولةٍ مؤجلّة"، أو "وطنٍ مؤجل"، ب"ثقافة مؤجلة"، و"سياسةٍ مؤجلة" و"اجتماعٍ مؤجل".

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف