ماذا بعد فكّ إضراب الأسرى؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نجح الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال في تسجيل نصر كبير على إرادة سجانهم، وتحقيق معظم مطالبهم المعيشية والإنسانية المتعلقة بكرامتهم. فإلغاء العزل الانفرادي، والسماح لأهالي الأسرى في قطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون، ووقف التمديد للسجن الإداري، والحرص على تحسين معاملة سجاني الاحتلال لهم، وإلغاء مفاعيل قانون شاليط، الذي صدر في أعقاب أسر الجندي الإسرائيلي للضغط على القيادات الفلسطينية وتسليمه، كلها مطالب نجح الأسرى في انتزاعها من سجانهم بوساطة مصرية لا يمكن إغفالها.
الإضراب عن الطعام الذي انتهجه الأسرى بعد تصعيد نضالهم ضد موضوع السجن الإداري من خلال الشيخ الأسير خضر عدنان ومن ثم الأسير هناء عليان، أوقد جذوة الصمود لدى الأسرى، ومنحهم الأمل بتحقيق مطالبهم "مجتمعين" وموحدين خلف أهداف معينة، ضاربين بذلك مثالاً صارخاً للقوى الفلسطينية التي تنعم بهواء الحرية خارج سجون الاحتلال، والمشغولة "بإدارة ملف الانقسام" على توحيد شعبها خلف استراتيجية وطنية موحدة وواضحة.
الوساطة المصرية التي نجحت في حلحلة الموقف الإسرائيلي لم تكن لتنجح لولا الرسالة التي وجهتها قوى فصائلية بأن موت أو إلحاق الأذى بأي أسير مضرب عن الطعام قد يولد رداً مزلزلاً، وتساوق ذلك مع تقارير استخبارية تؤكد أن هدوء الضفة والقطاع لن يدوم طويلاً، وأن هناك احتقاناً خطيراً يهدد بالانفجار في وجه "إسرائيل" إذا ما استهانت بموقف الأسرى، "فمعظم النار من مستصغر الشرر" كما يقولون، وهي الذريعة التي برر الصهاينة لأنفسهم الموافقة على مطالب الأسرى لفك الإضراب.
المخابرات المصرية كانت بأشد الحاجة إلى نصر معنوي قبيل موعد الانتخابات يعزز من مواقف مرشحيها المحتملين والمعلنين، ويزيد من حجم الضغط على أي رئيس مقبل لمصر قد لا يتفق مع توجهات المجلس العسكري، وأي نصر معنوي أو رصيد شعبي يمكن أن يعطى للمجلس العسكري أفضل من الملف الفلسطيني الذي لا ينتطح فيه على الوقوف خلفه ودعمه، عنزان؟!
هناك أمر آخر، قد يكون مؤلماً أو مربكاً الحديث عنه، وقد يساء فهمه أيضاً، وهو موضوع توقيت الإعلان عن الاتفاق، فالاتفاق تم الإعلان عنه ليلة الذكرى الرابعة والستين للنكبة الفلسطينية، وهي الذكرى التي استنفر، ويستنفر عادة، كل أجهزة الأمن والشرطة في الكيان الإسرائيلي لمواجهتها سنوياً، وزاد في مخاوف الإسرائيليين منها حراك الربيع العربي والتفاعل الشعبي وصوت الشارع الذي أصبح يخيف عروشاً وأنظمة في دول المنطقة، فضلاً عن كون المنطقة نفسها على شفير جرف هار قد ينفجر لأدنى فتيل أو احتكاك، فكان القرار الإسرائيلي بالموافقة على مطالب الأسرى في هذا التوقيت (ليلة النكبة) لإشغال الفلسطينيين والعرب ومن يتضامن معهم في معركتهم ضد سجون الاحتلال، ومنح الفلسطينيين "سبباً" أو "مبرراً" للاحتفال والخروج من حال الضيق والحزن والغضب لمرور هذه الذكرى، وهو ما جعل مشاعر الفلسطينيين "مضطربة" "مرتبكة"، بين الفرح بنصر الأسرى من جهة، والحزن لذكرى النكبة من جهة أخرى، وهو أيضاً ما أربك حسابات المتضامنين والداعين للعديد من الفعاليات لإحياء ذكرى النكبة.
لست أحمل مسؤولية توقيت الاتفاق الذي كانت الحكومة الإسرائيلية تماطل في إعلان الموافقة عليه حتى ليلة ذكرى النكبة، للحركة الأسيرة أو الأسرى أو المفاوضين عنهم، لكنها نقطة وددت لفت النظر إليها لتكرر الممارسة الإسرائيلية إزاء العديد من الأحداث والمناسبات، إذ يحرص الكيان الإسرائيلي دوماً على تمرير ما هو ملجأ ومضطر على تنفيذه والموافقة عليه في التوقيت الذي يخدمه هو، إن لم ينجح في تمرير ما يريده في الاتفاق نفسه.
مرّ اتفاق الحركة الأسيرة عبر الوسيط المصري مع إدارة سجون الاحتلال لفك إضراب الأسرى عن الطعام، ولم تنطل بطبيعة الحال، ما نشرته صحف عبرية عن اعتبار الاتفاق "بادرة حسن نية" تجاه الرئيس الفلسطيني عباس، فهذا كلام لم يجرؤ أحد من أنصار عباس أنفسهم على الترويج له أو الاستشهاد به لنسبة نجاح الاتفاق إلى فريق السلطة، فمتى كانت إهداءات ومبادرات الإسرائيليين محط اهتمام وتقدير في جميع الأحوال؟!
بيد أن السؤال الذي سيجد الفلسطينيون أنفسهم، ومعهم من تضامن معهم من العرب والمسلمين، وحتى قنوات الإعلام التي "اضطرت" لمتابعة الشأن الفلسطيني في زحمة الأحداث، بعد أن بلغ إضراب الأسرى مستويات متقدمة، وتحول ملفهم إلى موحد للشعب الفلسطيني برمته، يكمن في الخطوة التالية التي يمكن لها أن تعيد البريق والألق للشأن الفلسطيني بعد فك الأسرى إضرابهم، وانصاعت الحكومة الإسرائيلية لمطالبهم، في وقت لا تعبأ فيه أنظمة عربية بسجناء الرأي وحرية التعبير في بلادها من أبناء جلدتها وشعبها؟!
هل سيعود الفلسطينيون إلى لعبة المصالحة وقطارها الذي هرم قبل أن يولد؟ وكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يستعيد صدارة الاهتمام لدى الشارع العربي والمسلم إذا كان بعض أهل الدار عاكفون على ترميم "ممالكهم" وحكوماتهم والالتفات إلى شؤونهم الداخلية، بعيداً عن إخوتهم الذين لا يفصلهم عنهم سوى مرمى حجر؟!
سؤال برسم القادرين على الإجابة عنه.. إن وجدوا!
... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com