سبعينية النفس والأنفاس.. "الملك بيبي".. ولندن المرتبكة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت 19 آيار/ مايو 2012
قرأت رد القارئة الفاضلة (نورا) على تعقيبي الاربعاء الماضي بشأن تعليقها "يبدو انها مفكرة ما فوق السبعين!". قالت (نورا): "لا يعني العمر ان تكسر القلم ولا ان تغلق اللابتوب. بالعكس لديك تجارب حياة لتكتب عنها".
تطمين مهم، شكراً، تواصل:
"وتعقيبا على ما قلته إن كنت قد قرأت المضمون، قرأت معظمه وتوقفت، لان النصوص الطويلة لا تستهويني (ولا اقصد اي اهانة لشخصك الكريم) وإنما لسبب ما لا احب النصوص الطويلة على الانتنرنت".
جميل جداً. حق نورا ان تتوقف، بل اتفق معها تماما. فعلاً، النصوص الطويلة مملة، إلا بين دفتي كتاب تعبق صفحاته بعطر الورق.
ثم تستنتج:
"الفكرة هي كالتالي، قد تكون تكتب مفكرة عن اي شيء كان، وعن اي حدث كان، لكنك تعرضه لنا بنفس سبعيني، ورؤية سبعينية".
هممممم، ممكن، نعم، نعم... ممكن جداً!
وتعود فتحتج:
"الا تظن باننا أُتْخِمنا من وجهات النظر السبعينية، فاهل السبعين على شاشات التلفزة، على صفحات الجرائد، وعلى الاذاعات".
أعانك الله وجموع المشاهدين والمستمعين، حمداً لله وشكراً انني، او زملاء المفكرة ـ حتى الآن ـ من "اهل السبعين" المتمترسين عبر الشاشات، وراء الميكرفونات، ولا على صفحات الجرائد. بالنسبة لي، هذه المفكرة هي أول اطلالة بعد تراجع متردد عن التقاعد قبل سبع سنين.
وتختم نورا:
"مع احترامي الشديد لك ولمن يكتب في المفكرة، تجارب الحياة امر جيد، لكن مهما حاولت ان تقدمها لنا باي اسلوب كان، سيبقى نفس "سبعيني"، ومجددا مع احترامي لك، هو "نفس لا يمكنه الانسلاخ عن جلده". اي انه سيشبه من يكتبه، وبعمر من يكتبه، مقال "سبعيني"، حكاية "سبعينية"، وجهة نظر "سبعينية". وها قد اجبرتني على كتابة تعليق طويل مع انني اكره الاطالة. في النهاية لا يهم من يكتب التعليق، ومن اين، وتحت اي اسم، ومن قد يكون فعلا، هذه حلاوة الامر. وامر اخير، إن كانت "سبعينية " مزعجة ممكن نعتمد "خمسينية". ما رأيك؟".
جميل جداً، نورا.
أحس انني امام قلم أعرفه، كأني قرأته من قبل، ليس مهماً ان تكون المعرفة شخصية، وربما هو مجرد إحساس، ثم لئن كانت "حلاوة الأمر" في انه "لا يهم من يكتب التعليق وتحت أي اسم ومن يكون فعلا"، فلا مفر من التسليم لقلم (نورا) ودعوتها لكتابة المفكرة.
هذا اقتراح مني مرفوع للاستاذ عثمان العمير، ناشر "ايلاف"، رئيس تحريرها، عبر مدير التحرير المسؤول عن صفحات الثقافة والرأي، ومن ضمنها المفكرة، الاستاذ عبد القادر الجنابي.
أساس الاقتراح ليس فقط الاحساس بأن (نورا) قارئة/كاتبة، وإنما الاقتناع بأن نَفَس الكاتب/الكاتبة يشكل بالفعل جزءاً من الأنفاس. ثمة أناس يولدون عجائز. تراهم في الصبا يتحدثون، يكتبون، يقرأون، ويتنفسون، كما لو انهم في خريف العمر. مع ذلك تبقى لتفكيرهم نكهة شبابية تقيهم شيخوخة الجمود حتى اذا هم حقا على مشارف السبعين.
في المقابل، ثمة شبان وشابات أنفاساً، أو عمراً، تراهم وتراهن ذوي نَفس مشبع بقِديم، متردد أمام كل جديد، متهيب إزاء أي تغيير.
نعم، القلم هو صاحبه وصاحبته. انما مسألة نفَسْ التفكير والكتابة، مع كل التقدير لكِ نورا، ليست أنفاس العمر. إنما هي الأسلوب. ألم يُقلْ، ولا أدري من القائل، ان "الرجل هو الأسلوب". والأرجح هنا ان "الرجل" يقصد بها الانسان.
إذاً، أسلوبي في الأصل سبعيني. ربما هو قدري منذ عشرينيات عمري. يجب الاعتراف بذلك وتقبله. ليس بوسعي إجبار غيري على مسايرتي في ذلك، او تقبله.
نَفس خمسيني في المفكرة؟
لِمَ لا؟ بل اربعيني، ثلاثيني، عشريني، التجديد ضروري، من دونه لا معنى للحياة.
اتمنى قراءة مفكرة مقبلة، قريباً جداً، هنا في "ايلاف"، للكاتبة: نورا...؟ والآن، الى مطولتي السبعينية!
غلاف "الملك بيبي" .. والحلوى المغربية
السبت 19 آيار:
مدخل القصة يشد. ريتشارد شتينغل، مدير تحرير "تايم"، يرافق بنجامين نتنياهو، الى احتفال ديني جنوب حيفا. يشاهد رئيس الحكومة الاسرائيلية يحمل صينية مملوءة بحلوى مغربية، راح يطوف بها على الضيوف، ومنهم الصحافي والمؤلف الأميركي، لكنه يهمس في أذنه انها قد تجلب له صدمة سُكَرِية.
مجلة من وزن "تايم" لا تقرر قصة الغلاف من دون تمعن، وربما يمكن القول ايضا، انها لا تقررها بلا هدف توصيل رسالة ما، سواء لجمهورها، في المقام الأول، او لطبقة صناع القرار السياسي، ثانياً، ولعموم المعنيين بموضوع تلك القصة، من خبراء ومحللين، ثالثاً.
بالتأكيد، نتنياهو في صميم دائرة الحدث. هو كذلك حتى عندما يكون في المعارضة، فكيف اذا كان على رأس الحكومة، وكيف اذا كان لتوه مسددا "ضربة معلم" على المسرح السياسي الاسرئيلي ـ بالمناسبة، الساسة أجمعون، في العالم كله، مسرحيون ـ بتحالفه مع "كاديما" بزعامة موفاز، وكيف ـ أخيراً ـ وهو، هو، ما غيره، نتنياهو، النجم الأبرز في مسرحية: "اضربوا ايران"... "لا تضربوا ايران".. أو "إضربوها ولا تضربوها"!!
في هذا السياق، وأجواء محمومة بسباق الحرب واللاحرب خلال الصيف الملتهب، ليس غريبا ان "تايم" تُجَلِسْ "الملك بيبي" على صدر صفحتها الأولى. بوسع أي مِهني ان يرى الجانب الصحافي من جهة، والبعد السياسي له، بصرف النظر، خصوصاَ ان كاتب القصة هو بخبرة ريتشارد شتينغل في العمل الصحافي الميداني، الذي يشمل تأليفه اكثر من كتاب، بينها سيرة الزعيم نيلسون مانديلا.
***
لندن المرتبكة
الأربعاء23 آيار:
التاسعة صباحا: لندن مشرقة بشمس طال غيابها. في ديارنا العربية قليلا ما تُفتقد، ونادراً ما يتوقف غناء الفلاحين لـ "شمس الشموسة" مبتهجين بطلتها: "طِلعتْ يا ما احلى نورها". سنين طويلة صدح الغناء لنورالشمس، وسنوات أطول طال الشوق لأنوار الحرية... وما يزال.
منتصف النهار: إلى ووترلو للقاء كاتبة صديقة. ساعتان مرتا سريعاً، مررنا خلالهما على مرابع ربيعنا العربي، وتوقفنا في محطة التساؤل عما اذا كان ربيعٌ ما في الطريق الى حقول الكلمة العربية وروابيها، ثقافة وفكراً، إعلاما ونُخَباً.
الثالثة وخمس دقائق بعد الظهر: في محطة ووترلو مجددا. إحدى عشرة دقيقة وينطلق قطار تشيسغنتون. حقيقة تبخرت مع اشكالات طارئة. القطارات جاثمة. جموع المسافرين في تصاعد. بعضنا يصعد قطاراً قيل انه سيغادر عما قليل. نغادره هرعين الى غيره بعدما تبين ان الرحلة ألغيت. كر وفر. الناس كأنهم سكارى وما هم بسكارى.
الخامسة: أخيراً، تندفع أعداد المسافرين نحو الرصيف رقم واحد. يكتظ قطار بكل من امكنه الوصول والقفز الى احدى عرباته. يتحرك. إنما، بالنسبة لي، فقط يقطع بي منتصف الطريق. عليَ ان انزل في ويمبلدون وأبحث عن حافلة توصلني تشيسغنتون. بعد وقت بدا كأنه دهر وصلت. بسرعة السلحفاة تحركت. ازدحام المرور في المدن الكبيرة يصيبها أحياناً بالدوار فيشلها.
السابعة مساءً: بعد اربع ساعات تحط الرحال عائداً من رحلة يجب ألا تستغرق أكثر من نصف الساعة. لماذا أكتب هذا كله، وماذا يعني لقراء "ايلاف" المهمومين بما هو أكثر أهمية بكثير من معاناتي هذه؟ بالتأكيد، لا يعني شيئا، لكن ربما فيه ما يجيز التأمل في تفاصيل الحياة اليومية، وكيف تتحول مدينة بدرجة تقدم لندن الى ضُرةٍ لمدن دونها بكثير تقدماً، فتضاهيها في فوضاها وارتباكاتها، ولو بضع ساعات من نهارها
ملحق: الخميس 24 آيار
العاشرة صباحا، مذيعة الأخبار في راديو "إل بي سي" تخبرني ان بوريس جونسون، عمدة لندن أدلى بتصريح لإذاعتها ضمنه اعتذاره لما تعرض له مسافرون في أحد قطارات الانفاق (المترو) الليلة الماضية. في التفاصيل ان ركاب خط اليوبيل (جوبيلي لاين) فوجئوا بقطارهم يبتوقف بين محطتين، فَحُبِسوا واقفين وقاعدين، يتصببون عرقا ولا يستطيعون حراكا، مدة ساعتين.
يحدث هذا في قطار خط يحمل اسما أعطي له لمناسبة اليوبيل الذهبي للملكة اليزابيث الثانية، التي هي ثاني ملكة من آل وندسور تجلس في القصر ستين عاما، فتحتفل،
نفس سبعيني، عذراً، للإطالة (نورا) إنما لكِ، والقراء الأعزاء، "خبرية" هنا ملخصها أن عمدة لندن، السياسي المحافظ بوريس الذي هزم في رابع هذا الشهر منافسه العمالي كِنْ لفينغستون (بالمناسبة لم أنتخب أياً منهما)، أعلن عن صرف تعويض قدره اربعون استرلينيا لكل مسافر سُجِنْ في ذلك القطار الليلة الماضية.
هممممممممممم!
همهمت بيني وبين نفسي. ربما ان المبلغ ضئيل، قياسا لمعاناة اولئك البشر في قطار انحبس في نفق لمدة ساعتين، لا يستطيع أي منهم حراكاً، وربما اختنق منه النفس فكادت تنفد أنفاس عمره/عمرها في غير ما يحب أي امرئ او يشتهي. مع ذلك، إجراء مقبول، أو انه معقول، يعكس دردة من الإحساس بالمسؤولية، ليتنا نرى ما يشبهه في كل مدن العرب.
الخبرية لم تنته بعد، أطلنا لكن ربما لنا عذرنا، في التفاصيل الإخبارية ان عمدة لندن أكد ايضا ان اعمال صيانة مستمرة لضمان ان يكون "الجوبيلي لاين" في افضل المستويات في خدمة زوار لندن خلال الاولمبياد في يوليو/تموز المقبل، فهو يصل بين قلب العاصمة والقرية الأولمبية في شمالها. إذاً، بوسع قراء "ايلاف" الآتين الى لندن، لهذا الغرض تحديدا، الاطمئنان... اذا صدقت وعود العمدة بوريس جونسون. و... عذراً لطول النَفَسْ السبعيني!
www.darbakir.com
التعليقات
مفكرة جميلة
celina -مفكرة جميلة شكرا للكاتب .
استاذ بكر
نورا -عذرا للتو قرأت مقالك . الشكل الجديد لإيلاف يربكني صراحة وتضيع مني مواضيع كثيرة اعود واستدركها لاحقا لان القسم العلوي من الشكل يأخذ الانتباه بحيث لا تعد ترى ما يوجد في الجزء الاسفل.اقدر ما كتبته سيدي الكريم ،لكنني لست بكاتبة انا مجرد قارئة اعلق احيانا على مواضيع تجذب انتباهي. كما ليس في قائمة معارفي لا شخصيات مشهورة ولا شخصيات "كبيرة" على غرار من يتم الكتابة عنهم في هذه المفكرة بشكل عام وليس مفكرتك تحديدا . (هذا انتقاد على فكرة :) ) ملاحظة اخيرة، على ما يبدو وبسبب التعليق على النفس السبعيني ها أنا اعود في كل مرة الى المفكرة "السبعينية " واقرأ بعض مواضيعها. مع انني لا اكمل معظمها لكن .. الى اللقاء في تعليق مقبل