فضاء الرأي

تونس: تجاذبات في مهبّ السياسة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إنّ النقطة المضيئة إلى الآن في تونس الجديدة التي تنزع عنها ثوب الديكتاتوريّة، هي الانتخابات التي شهد المراقبون في الداخل والخارج بنزاهتها، وأكّدت أنّه متى توفّر العزم والنيّة السابقة أمكن للعرب أن يهضموا درس الديمقراطية بسهولة. على أنّ نجاح هذا الاستحقاق لا يجب أن يتحوّل إلى عصا غليظة لضرب كلّ مَنْ يُبدي ملاحظات شكلية على ما جرى، أو يذّكر بعدد الأصوات المهدورة التي ذهبت إلى القمامة... ومع ذلك فإنّ قراءة موضوعية للانتخابات تكشف لمن يفهم لغة الصندوق المكتومة أنّ هذا الشعب وسطيّ يرفض التطرف يمينا أو يسارا، ولا يمكن لأيديولوجيات وافدة من هنا أو هناك، أن تغيّر في العمق طبيعة هذا الشعب في العمق. و فأين غابت الحكمة عن الأحزاب التي انخرطت في حملة انتخابيّة تعد الجوعى بالطعام والعاطلين بالعمل وبالجنّة، دون أن تكون على بيّنة من حقيقة الثروات والإمكانات الموجودة؟
لا شكّ في أنّ هذه الحالة المرضية من الفوضى المقصودة والإسهال السياسيّ، تتدفّق بعنف من نبع الحرمان، ومن صحراء السياسة التي رسم كثبانها، و زيّن تفاصيلها "بن علي" وعبادلته. إلّا أنّ ما أدّى إلى هذا الوضع الكارثيّ أيضا هو قُصور عن فهم مهامّ هذه الانتفاضة الشعبيّة، وأوكد استحقاقاتها. وكان يمكن أن يلتقط هذه الهبّة الشعبيّة ضدّ الظلم والقهر، عقلاء يحوّلون الشعارات إلى واقع، ويخاطبون الجموع الغاضبة بحكمة مَنْ يؤمن بأنّ الغضب لا يجب أن يحوّل المواطن إلى "نيرون" جديد يحرق البلاد والعباد.
وما لم يتفطن بعض دعاة الهرطقة السياسية إلى أنّ السياسيّ الناجح هو الذي لا يشتري رضا الناس بالتغافل عن الحقيقة المرّة فإنّ المرض سيتحوّل إلى ورم لا يرجى منه شفاء... لقد انتهى زمن البحث عن الشعبيّة.. الآن تحدّدت الخيارات... وجلس مَنْ أفرزه الصندوق على الكرسيّ وما عليه إلّا العمل وإبراز القدرات لأنّ البون شاسع بين الكلام المرسل المليء بالمجازات والإسهال الخطابي، وبين العمل على الأرض لحلّ الأزمات وفضّها؟... لقد تمّ انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي وتصارع أعضاؤه على المهامّ والسلطات والفصول فهل أدى ذلك إلى حلحلة الوضع والانفراج؟بالعكس لقد تحوّلت الساحة السياسية إلى حلبة ملاكمة كلّ واحد ينتظر غفلة من خصمه أو خطأ كي يسدد له الضربة القاضية وفات هؤلاء السياسيين برتبة ملاكمين، أن سهام الفرقة والشقاق تخطئ أهدافها لتصيب الوطن في مقتل... هذا الوطن الذي يتألّم ويصيح مع المتنبّي " تكسّرت النصال على النصال" من كثرة الطعنات المكشوفة والمخفيّة.
إنّ البلاد تئن تحت وقع تجاذبات سياسية مزمنة لا تنفع معها مضادات حيويّة مصنوعة من عناق كاذب تحت قبة البرلمان، أوتصفيق أرعن هستيري من هذا الطرف وذاك لربح مكسب سياسي ظرفي... لقد تأبّط بعض تجاّر الوهم من السياسيين آمال الناس وآلامهم وهم الآن يتاجرون على المنابر بكلام جميل منمّق انتقوه في الصالونات المكيّفة.. والمواطن المسكين لا يهمّه أن يتبيّن صلاحيات رئيس الجمهورية من صلاحيات رئيس الحكومة ولا يعنيه في العمق من يعيّن السفراء أو الوزراء... هو يريد فقط أن يعود المصنع إلى سالف عمله وأن يأمل في انبعاث ثان كي يضمن قوته وقوت عياله الذي أصبح مهدّدا.
إنّ الأمل في ميلاد تونس جديدة لم ينقطع لأنّ مسار الثورة لم يكتمل بعد على عكس ما يردّده كثيرون من أنّ الثورة حققت أهدافها بإسقاط "بن علي"... وبات يقينا أنّ السياسيين "الشعبويين"متى دخلوا ثورة أو ركبوها أفسدوها. وكأنّ غاندي-زمن كفاحه- كان يشير إليهم عندما نعت بعض الناس بأنّهم"كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن"
salah_mjaied@yahoofr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف