من مبارك إلى الأسد..(حياةٌ) أقسى من القتل!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قالت صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان" المخلوع والمكتئب: يوم الحكم للزعيم الذي أراد الانتحار" إن مبارك طلب من أطبائه أدوية تساعده على الموت".
كان هذا قبل أن يستمع، صاغرا، إلى تلك المقدمة المؤلمة التي مهد بها رئيس المحكمة للنطق بالحكم المؤبد عليه.
وصف القاضي أيام مصر وحالتها، في عهد مبارك، من أوله إلى آخره، بالسوداء الحالكةِ السواد، وذكر بإجمال، التردي البالغ الذي انحدرت إليه أرضُ الكنانة بقيادة مبارك؛ حتى فقدت مصر ذاتها...
صحيح أن الفكر قد يذهب إلى أن هذا الوصف ليس إلا جرعة من التنفيس، والإرضاء لكل أولئك المكلومين، على الصعيد الوطني والوجداني، (ولا سيما وأن ملحوظات عديدة واعتراضات صدرت عن الكثيرين على عدم شمول الإدانة لكل المتورطين بجرائم ضد الشعب المصري) ولكن هذه المحكمة التاريخية التي بُثت، مباشرة، إلى العالم أجمع لن تخلو من وصمة تاريخية على جبين رئيس اشتُهر عنه الاعتداد الشديد بالنفس، حتى الاتهام بالعجرفة، أحيانا؛ فما أشدَّ وقع هذا الكلام عليه!
شديد جدا وقعه عليه؛ لأنه بعد طول تلبسه بالحكم والسلطة لابَسَه يقينٌ بأحقيته المطلقة بحكم هذا الشعب المصري، حتى إنه لم يحسم بعدم توريث ولده، له، وكما نستوحي من القول السائر:" ارحموا عزيز قوم ذل" بعض معانيه، فقد كان يتوارى عن الكاميرا ما وَسِعَ ولداه ذلك؛ تجنبا للخزي الذي يحاصره.
فلا نبعد لو قلنا إن الأثر المعنوي، مع السجن المؤبد، ربما يكون أشد إيلاما من الإعدام الفعلي.
صحيح أن معاني الاعتزاز والفَخار ورمزية الحاكم الذي يمثل الشعب، أو الأمة، ليست أصيلة فيمن تولوا الحكم بطرق مشكوك فيها، أو مطعون بنزاهتها، ولكنهم، مع الوقت، ومع خضوع الناس، ظاهريا لهم، يتقوى في نفوسهم الشعورُ باستحقاقها، وينتظرون أن يُلاقَوْا من شعوبهم بالحفاوة والتقدير اللازمين؛ فكيف يكون حالهم حين يغدون مطاردين، ومُعَرَّضين للمحاكمات، الوطنية، أو الدولية المشفوعة بمظالم، أو مجازر رهيبة، كما في سورية، هذه الأيام؟!
لم يكن الرئيس الحقيقي؛ ليقبل الانطواء على ثلة من أمثاله المتورطين، في سفك دم الأبرياء، والمشتركين معه في الخوف والتواطؤ على الكذب، وتزوير الحقائق، والعزلة!
فليس هكذا حال الحاكم، ولا هذا هو الوضع الطبيعي للأوطان والدول.
فبمجرد أن يغدو (الرئيس) تحت سياط الاتهام، وفي ظل أشباح الإجرام يكون قد فقد رمزيته، وصار مُطارَدا، ومطرودا.
وهو في أحسن الأحوال يمثل فئة من شعبه قليلة، ولا يقوى على القول إنه يمثل الشعب الذي يقتله ويحاصره، يوميا.
ولو جاز أن نقارن...، نذكر حادثة قريبة، حين أعلن الرئيس الألماني، كريستان فولف، في فبراير/ شباط الفائت، استقالته من منصبه، بعد مطالبة الادعاء العام في بلاده، برفع الحصانة عنه، على خلفية تقارير إعلامية، حول علاقته بمستثمرين أثرياء، وأنه قَبِل معاملات تفضيلية.
بالطبع المقارنة، أو المقاربة، لا تتأتى، ولكن الشيء بالشيء يذكر، فهناك في ألمانيا دولة تمثل شعبها، ومؤسسات للحكم والقضاء عريقة، ومستقلة، وأما هنا فشعبٌ مُغيَّب، وقضاء لا يطالُ المُبَرَّئين، من كل تَبِعَةٍ، ومسؤولية، إن لم يكن بنص الدستور، فبالتطبيق والفعل!
ومن هنا كانت محاكمة مبارك حدثا جللا بحد ذاته، وتحولا له ما بعده، بالتأكيد، وهنا نستطرد، قليلا؛ لنقول: إن النهوض ببلد كمصر مثقل بالمشكلات المتراكمة والمتشابكة، حتى التعقيد، يصعب، إن لم يكن، يستحيل، أن يتحقق بنقلة واحدة.
فمن المهم أن يكون المسار إلى الأمام، لا إلى الوراء، ولو كان هذا الأَمامُ مشوبا بالدُّخان، أو ملتبسا بالتناقضات، والتحيزات، وحتى لو كان هذا التقدم فجرا كاذبا؛ فإنَّ ما يعبقه سيكون فجرا صادقا، فالانتقال إلى وضع أفرزته الثورة، يعطي ثقة وأملا للشعب، ويدعوه إلى التعديل على ما أُنْجِز، ومراقبته، بخلاف العودة إلى الوراء، ولو مغلفا بغلالة شفافة، فإنه قد يحبط الكثيرين، في مصر، وفي البلدان العربية التي تحاول الانعتاق، كما في سورية، مثلا.
وكما تتأثر سورية سلبا بإعادة إنتاج النظام السابق، فإنها تتأثر إيجابا، بإخضاع مبارك بما يمثله من رأس النظام ووزير داخليته، حبيب العادلي، إلى حكم القضاء الوطني، والحكم عليهما بالسجن المؤبد.
لقد كان الأَوْلى أن تنبثق لجنةٌ مستقلة في سورية نفسها تحقق في الجرائم التي وقعت، منذ "الثورة" وليس آخرها مذبحة الحولة، ولكن غياب ذلك لم يغيِّبْ الملاحقاتِ القانونيةَ الدولية، فقد أدان مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، بأغلبية كبيرة " النظام" بمجزرة الحولة.
ودعت نافي بيلاي، مفوضة المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، مرة أخرى، مجلس الأمن الدولي إلى ضرورة إحالة نظام الرئيس السوري بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية.
فإذا كان حسني مبارك قد تعجَّلَ السقوط، وأُجبِر عليه، ثم خضع لمحاكمة في بلده وفي قضاء وطنه فإنه يظل (أهْوَن) من رئيس يتشبث بالحكم، ولو على الدماء، ويصر على أن يحاكم خارجيا، وبقضاء دولي، بدلا، من الاحتكام إلى شعبه.
فقد بقي لمصرَ مؤسساتُها المهمة، الجيش والقضاء، وغيرهما، ولكن ماذا سيتبقى لسورية، بعد هذا التصدع العمودي والأفقي الذي يشرف عليه نظام الأسد، ويتسبب به، ويرعاه، حتى الرمق الأخير؟!
o_shaawar@hotmail.com.