التفسير الخاطيء لـ الجمهورية الثانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
منذ عدة اسابيع يرى مشاهدو شاشة محطة "العربية" تعبير"الجمهورية الثانية" كعنوان لمصر ما بعد الانتفاضة. لست ادري ماهو المبرر لتلك التسمية؟. هذه التسمية استعملها القرنسيون، والجمهورية الحالية لديهم هي"الجمهورية الخامسة"، وقد تكون التسمية هذه استعملت في مناطق وازمنة اخرى في العالم سابقا، لا ادري.
مفهوم الجمهورية الثانية في منطقتنا كان من ابتكار الرئيس التركي الاسبق المرحوم تورغوت اوزال. اوزال كان هدفه ازالة الجمهورية الاولى التي وضع اساسها مؤسس الجمهورية التركية الحديثة كمال "اتاتورك"، لانها افلست تماما ولم تضع حلولا لمشاكل تركيا العديدة، وكان الجيش هو الحاكم الفعلي من وراء الستار ينهب الدولة مع "كراكوزات" السياسة مثل دميريل ويلماز واجفيت....الخ.
المثقفون الاتراك كانوا يرددون دائما: "جيوش العالم تحمي شعوبها ولكن الجيش التركي هو الوحيد الذي يستعمر شعبه" كناية عن حكم مؤسسة الجيش للدولة.
الانتقال من جمهورية الى اخرى في موضوعنا هو مفهوم جدي ولابد من الاستناد الى تبديلات جذرية حدثت او انها ستحدث في بنية الدولة واداراتها حتى تستحق تلك التسمية الجديدة. لم نسمع يوما بالجمهورية الثانية في لبنان بالرغم من الحرب الاهلية التي دامت 15 عاما. لماذا؟. لانه لم يحصل اي تغيير في نظام الحكم او في بنية الدولة.
المرحوم اوزال كان يخطط لتأسيس جمهورية ثانية بحيث تتشكل من سبع ولايات اتحادية، اثنتان منها كردية، وتحت تسمية "اتحاد ولايات الاناضول" وانهاء حكم العسكر. الا ان العسكر كانوا الاسرع وتمكنوا من قتله مسموما في مقر ئاسة الجمهورية.
اما في الجمهوريات الفرنسية فقد كانت فرنسا ما وراء البحار اي الجزائر المستعمرة، والانتقال من النظام البرلماني القائم على الحكومات الإئتلافية الهزيلة، ومن ثم النظام الرئاسي وحاليا النظام نصف رئاسي كانت اسبابا لترقيم وتجديد الجمهوريات كما يعرفها الجميع. ولكن ما هو الذي تغير او يمكن ان يتغير في مصر حتى نطلق عليها اسم"الجمهورية الثانية"؟. الجمهورية المصرية الاولى لازالت هي هي لم تتبدل، اي جمهورية الانقلابيين الذين استولوا على السلطة في ليلة ظلماء في 23 يوليو 1952غصبا عن الشعب المصري وارادته.
المجلس العسكري الحاكم في مصراليوم هو امتداد لمجلس الضباط الاحرار. كل الذين جلسوا في كرسي الرئاسة في مصركانوا ضباطا في الجيش.
السيد احمد شفيق سيتسلم السلطة وهو عسكري حتى النخاع قضى العمر كله ضابطا في الجيش. الحكومة سيشكلها الاخوان كنقطة انطلاق للقضاء عليهم وبايديهم. كيف؟.
من المهم القول ان الاخوان سيضطرون الى ارضاء قواعدهم الجماهيرية. هذه الجماهير لا ترضى بسريان اتفاقية كامب ديفيد والتي في نظرهم هي"ابنة الزنى". اي ان الامورستتجه الى المواجهة العسكرية، وهذا امر يكاد ان يكون مستحيلا. اما التعايش الاخواني مع وجود "الكيان الصهيوني" فهو سبب كاف لانتهاء الاسلام السياسي والى الابد. بالاضافة الى ذلك سيضطرالاخوان الى تطبيق الشريعة تحت ضغوط قواعدهم التي تربت على تلك الوعود لما يقارب من قرن من الزمان. هذا بدوره سيكون سببا للانفصام في المجتمع المصري مشمولا بالاقباط والعلمانيين.
هل هناك اي دليل على تغيير في بنيان الدولة من خلال تشكيل فيدراليات قبطية او نوبية حتى نقبل بتسمية "الجمهورية الثانية"؟. لا طبعا ولم يسمع بها احد، حتى الآن على الاقل. لهذا فان اطلاق تسمية "الجمهورية الثانية" على مصرهو في غير محله ولم يعتمد على دراسة او بحث، ويبدو ان التسمية جاءت على عجل اي "خبط لزق" وبشكل عابر نظرا لعذوبة الكلمات وتأثيرها الناعم على السمع.
الجمهورية الثانية هو امر ينطبق فعلا على سوريا.
هناك انشطار واستقطاب بين السنة والعلويين لم يشهد له تاريخ سوريا الحديث مثيلا له، وذلك بعد هذه الحرب الطائفية والمترافقة بالمجازر الوحشية الرهيبة من ذبح الاطفال وبقر بطون النساء وحرق الاخضر واليابس وهدم المدن والحارات. بالاضافة الى الاستقطاب المذكور هناك ايضا تشظي في الاطياف الاخرى ومحاولات ايجاد تحالفات جديدة نظرا لتبدل مراكز القوى المناطقية والدينية والمذهبية بعد دخول المنطقة في المجهول والظلام. اذن ليس هناك ولو بصيص من الامل في ان يعيش ابناء هاتين الطائفتين تحت سقف واحد بعد الآن.
العلويون سيتعرضون الى الانقراض اذا ما استولى السنة على السلطة، هذا هو ما يدور في الخفاء وخلف الابواب على لسان كل علوي كما يعرف ذلك كل سوري. ولذلك فهم يقفون الى جانب النظام حتى لو كانوا من الكارهين له. هذه هي الحقيقة. ولكن كعادة اهل المنطقة يتهرب الكثيرون عن ذكرها حتى تتفاقم الازمة وتنفجر كما هو حاصل اليوم. ذكرالحقائق يعرض اصحابها الى اتهامات تصل الى حد الخيانة. والخيانة اصبحت كلمة ارخص من"الفجل" في هذا الزمن.
ان تشكل الدولة العلوية على الساحل في الطريق، وستصل حدودها الى لبنان واسرائيل وسيشرف على المشروع السيد كوفي انان وجنوده اصحاب القبعات الزرق وذلك بعد ان يصل عددهم الى ثلاثين الف مراقب خلال هذه الحرب الاهلية الطويلة الامد.
الحل الآخر هو تشكيل "الجمهورية الثانية" وهو الحل السلمي والمنطقي وذلك من خلال جلوس كافة الاطياف السورية من كرد وعرب وعلويين ودروز ومسيحيين حول طاولة مستديرة والاتفاق على تأسيس جمهورية اتحادية وبملئ ارادتهم وليس كما حدث في الجمهورية الاولى التي فرضها الاستعمارالفرنسي على السوريين بالرغم منهم.
في الحقيقة كنتٌ قد اتصلت سابقا باحد العاملين في قناة "العربية" مع ارسال نص المقال العائد لكاتب هذه السطوروالمعنون بـ" مقترح الجمهورية السورية الثانية كحل وحيد للازمة السورية المتفاقمة" على امل النقاش في برنامج حواري، ولكن المحاولة لم تنجح الا في العنوان فقط والذي اراه بعيدا عن الواقع المصري.
طبيب كردي سوري
bengi.hajo48@gmail.com
التعليقات
واقعية
د. علي السيد -كلام واقعي وعسى المعارضة تستوعبه.أضيف أن طاولة الحوار يجب أن تضم أطراف النظام القائم لأن لهم تمثيل مهم في الشارع وأي ديموقراطية ناشئة لاتستطيع تجاهلهم.