الفيدرالية هي البديل الأمثل لسورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نعرض الموضوع ثانية، لأنه الاصوب، حسب مفهومنا، لسوريا القادمة بكرده وعربه وأقلياته وطوائفه الاخرى، وهو الموضوع الذي بحثنا فيه سابقاً لمرات عديدة، وهي المتطلبات الضرورية لاسقاط النظام الحالي الشمولي، والقضية القومية الكردية، والنظام الفيدرالي لسوريا القادمة كحل أمثل لبناء سوريا كوطن متماسك عن قناعة ورغبة ذاتية. حتى لو اعتمد البعض برده علينا على نقد عارٍ من اللباقة الثقافية، تمرغ فيه بعض الكتاب، وبينهم كتاب كرد، واستند أخرين، وبلباقة محاور أدبي، في نقدهم على الإخوة الدينية والعلاقات الإجتماعية التي سبقت الدكتاتوريات المتتالية على سوريا وحتى اللحظة، أعتمدوا فيه على الركائز الوطنية والقومية والدينية، لكنهم نسوا أو يتناسون أن التلكؤ الاقتصادي والتخلف الثقافي والاجتماعي والضياع السياسي حصل من جراء الاستبداد المركزي وسيستمر بوجوده، والصراع في ظله سيحتدم بين الشعب السوري، وذلك على الخلفية الإثنية والطائفية الدينية والمذهبية، وسيكون الواقعين الجغرافي والتاريخي للشعوب الموجودة في هذا الوطن محك احتدام دائم، والمعارضون للنظام الفيدرالي يغضون الطرف، فالإتجاه نحو الإنقسام أو حروب أهلية متناثرة، يتبدى في الأفق القادم، خاصة عند التمسك المطلق بمفاهيم ثقافة الاستبداد، إن كان استبداد الفرد، الذي يرفضونه، أو الإستبداد الجمعي، الطائفي أو السياسي، الذي يرحبون به بشكل غير مباشر! وهذا ما عملت عليه السلطة الحالية، وما سبقتها من السلطات، نشروا مفاهيم الشعب الواحد، والقومية الواحدة، والحزب الواحد، والسلطة المطلقة... التشعبات الثقافية التي بنيت عليها مدارك المجتمع السوري، الكردي، والعربي والأقليات والطوائف الأخرى، على مدى عهود من الزمن، لم تكن سوى ثقافة الإلغاء، والرضوخ على تقبل مفاهيم المستبد بدون نقاش، إن كان استبداد شخص متأله أم استبداد جمعي.
السلطات الدكتاتورية السورية خلقت المآسي لكل الشعوب في المنطقة، لا فرق بين سلطة آل الأسد ونتينياهو، ولا فرق بينهم حتى في المدارك الدينية، ألغي الوجود الكردي من قواميس الوطن السوري على مدى نصف قرن كما ألغى السلطات الإسرائيلية الوجود الفلسطيني، وللسلطات السورية دور فظيع فيه، لكن الفروقات واسعة وشاسعة، الفلسطيني رغم كل المآسي لم يجرد من مقوماته القوميه، ولم تكن السلطات الإسرائيلية عدوة للثقافة العربية أو الإسلامية، كما هي عليه الدكتاتوريات التي تسيطر على الكرد وجغرافيتهم. رغم كل هذا وقف المثقف الكردي قبل السياسي مع رغبات السلطات الطاغية، أطلعنا على كلمات البعض منهم قبل فترة، هاجموا فيها شخصية المحلل، وليست التحليلات التي طرحت حول دور الدولة الإسرائيلية والقوى الكبرى العالمية في الثورة السورية، وفي الحقيقة لم تكن الدولة الإسرائيلية عدوة للكرد بقدر ما كان الكرد عدو لهم، والأسباب متنوعة، دينية وسياسية، ولا أستبعد الجهل السياسي، والدبلوماسي. ورغم كل هذا الصراع الممتد على مدى نصف قرن، ومن خلال منظور الثورات الحالية في شرقنا، لا نستبعد حضور فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية في المستقبل، وهي الآن تدرس في الأروقة الدبلوماسية العالمية وبمشاركة المنظمات الفلسطينية نفسها، والمعارض الأول هي الدولة الإسرائيلية! ونرى أن مثل هذا الحل هو الأمثل للواقع السوري القادم، مذاهب واثنيات.
تعاملت السلطة الفلسطينية مع السلطات الإسرائيلية أكثر بكثير مما فكر فيه المثقف الكردي، ولم يتجرأ أي سياسي كردي فتح نقاش جدي في الاعلام على هذا الموضوع، بل ولا يزال خطاً أحمر يمنع تجاوزه في الوقت الذي بلغ التعامل العربي معها إلى سوية العلاقات الدبلوماسية السياسية والإقتصادية وأكثر، ورغم كل هذا ولا يزال المثقف والسياسي الكردي يعيش في رهبة التحدث عن فتح قنوات للتحاور السياسي مع دول الجوار، واسرائيل بشكل خاص! في حين صارت الدول العربية وأحزاب الصمود والتصدي تجلس على طاولة المحادثات ويستقبلون سفراء اسرائيل وامريكا بل ويدخلون معهم في أوسع مسيرة للتنمية الاقتصادية والعلاقات السياسية، ولايزال المثقف والسياسي الكردي أشاوس الصمود والتصدي عن العروبة والإسلام، ويصرون على عدائهم، تلبية لرغبة المستبد والسلطات الدكتاتورية، في الوقت الذي يرفض صاحب الحق هذا الأسلوب في التعامل! مع ذلك يصر ويطلب الكردي من السلطات العربية أو الإسلامية، وثيقة اللامانع والسماح عند أي تعامل سياسي خارج جغرافيتهم، هذا هو المنطق والثقافة التي زرعتها السلطات المركزية في السياسي الكردي، ثقافة الإستبداد بكل أنواعه، وللخروج من هذه الهوة المعتمة ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، يحتاج الفرد السوري قبل الكردي إلى إزالة النظام المركزي وبناء النظام الفيدرالي الديمقراطي، يجمع كل أطياف الوطن على منطق الحق والعدل والمساوات في التعامل.
أثبت بشكل عملي، تخلف وتراجع أغلب الدول التي لا تزال تعتمد على التخطيط الإقتصادي المركزي، وبالمقابل تجاوزت نسبة زيادة وتيرة التطور الإقتصادي المعدل الوسطي العالمي عند الدول التي تعتمد على اللامركزية في خططها الإقتصادية، وفي العهود الأخيرة أزداد نسبة الدول التي تعتمد على اللامزكزية 70% من دول العالم، عشرة أكبر دول العالم ديموغرافياً وجغرافية هم دول فيدرالية، ولم يجرف هذا النظام إلى انقسام تلك الأوطان، حصل التشتت وتجزأت عندما تفاقمت مركزية السلطة وطغت الدكتاتوريات، وأكبر مثال على ما ذكرنا، من الانظمة الاستبدادية الدكتاتورية التي تكالبت على السلطة، هي السودان، وكانت نتيجتها الإنقسام الحاصل بدل النظام الفيدرالي الديمقراطي.
سوريا كوطن عانت الكتاتورية المركزية، سلطة وأحزاب، عهود طويلة وقاسية، هدمت فيها البنية الثقافية، وفسخت العلاقات الإجتماعية، وكان التطور الإقتصادي فيها دون أدنى وتيرة عالمية على مدى كل هذه العهود، إلى جانب الفساد والنهب والتدمير المتعمد لمناطق على حساب مناطق أخرى. فكانت النتيجة إنعدام مطلق بين كل هذه الإثنيات والطوائف الدينية، ودولة مركزية شمولية، متخلفة اقتصادياً، وسياسياً، وذات تراجع في وتيرة التطور الثقافي والاجتماعي، تقف وراء كل هذا سلطة دكتاتورية مركزية مارست كل أنواع المظالم بحق القوميات والمذاهب الموجودة في الوطن، ووئدت الثقة بين الشعب.
لإعادة الثقة بالذات والوطن الكامل ثانية، هو أن يحكم كل طائفة أو قومية بمنطقته الجغرافية " مع الاعتبار لمناطق التداخل الديموغرافي أو مناطق الثغور" إقتصادياً وسياسياً وتكون كل مجموعة مسؤولة عن أخطائها وتلكؤها، أو تطورها أمام شعبها، وتبقى السلطة الفيدرالية سلطة مراقبة، ومسؤولة عن النظامين الخارجي والعسكري الكلي، وللخروج من هذا المأزق المرعب الذي تعيشه حتى اللحظة سوريا، هو بناء الدستور اللارئاسي، أي تكون السلطة بيد رئيس الوزراء، والتعيين يكون عن طريق البرلمان " السلطة التشريعية " ولها القدرة على إقالته، عند حجب الثقة عند أي تجاوز على الدستور، بعكس النظام الرئاسي المنتخب من قبل الشعب والذي لا يمكن عزله إلا عند الإنتخاب القادم.
إنعدام الثقة، التي غمضت الأغلبية أعينهم عنها، وكثيراً ما يجاريهم المثقف العربي والكردي، وخاصة الموجهون من قبل التيارات السياسية، لا يستوعبون الأبعاد المتنوعة للصراعات الفكرية والسياسية المتفاقمة بين أطراف الشعب السوري الحالية، والتي عكست بدورها على المعارضة السورية الخارجية والداخلية، والتناقضات الواضحة بينهم وبين الثورة الشبابية. هذه التناقضات التي تؤدي بالعديد من تياراتها بالإبتعاد عن المفاهيم الوطنية وغاياتها، وعن النظام الذي سيحافظ على وحدة الوطن شعباً وأرضاً.
البعض من الكرد يندروجون مع تهجمات القوى المعارضة العروبية المتنفذة، والتيارات الإسلامية السياسية العروبية، وبعض الشخصيات العنصرية المستقلة، كل هؤلاء الذين لهم سيطرة ما على المعارضة، ويلومون أطراف من الحراك الكردي، كالمجلس الوطني الكردستاني - سوريا وينتقدون سوية مطالبها وتصريحاتها السياسية، وكانت إنتقاداتهم شديدة قبل الثورة السورية، ولا يدركون أن هذه التيارات المتناقضة والمتصارعة بين بعضها داخل المعارضة الخارجية وفي هيئة التنسيق الوطنية، هي من أجل المصالح السلطوية الآنية، وهي التي تعيق التكامل، وتنهش في البنية الوطنية، إضافة إلى أنه هناك دول تطرح اجنداتها الخاصة، وأختراقات السلطة الحالية عن طريق مجموعات من البعثيين، تضرب هذه المكونات المتناقضة أصلاً، ببعضها البعض، وهم من مددوا عمر السلطة بشكل مباشر، ونهشوا في أطراف الثورة الداخلية، مثلهم مثل الصراعات التي كانت تحدث في شوارع المدن الكردية والتي كانت ولا تزال تقف ورائها قوى كانت توجه الأحزاب الكردية، والآن المجالس الكردية المتواجدة على الساحة، بدأت تظهر للشعب بعض التقاربات المعلنة عنها سياسياً وفي الإعلام، دون ظهور واقع عملي ملموس له على الساحة الوطنية، لكنها لا تزال في خضم صراعات جانبية حول متطلبات المرحلة ومستقبل سوريا القادم، والتي نجاهد بشكل عملي على تفعيل هذا التقارب، وتقويته، وإبعاد هذا الحراك المتقارب من التغلغل وتشتيت القوى الشبابية المستقلة. للشباب دورها في الثورة، كهيئات مستقلة، لا يحق لأي كان وخاصة الأحزاب الكلاسيكية المساس بهم، فهم روادها، وهم الذين سيضعون اللبنة الأولى الصحيحة لبناء سوريا القادمة، إنهم يسطرون التاريخ الحاضر والقادم.
الولايات المتحدة الأميركية
mamokurda@gmail.com