تداعيات «الثورات العربية» بين التغيير السلمي والعنفي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بغض النظر عن التسمية الأدق للحراك الشعبي الذي يستهدف أنظمةَ الحكم الشمولي والاستبدادي، هل هو ربيع عربي؟ أم ثورات عربية؟ أم غيرهما؟ فإن واقعا سياسيا تشكَّل، أو في طريقه إلى التشكل، والتمدد، قوامُه استعادةُ الشعوبِ ثقتَها في قدرتها على صنع حاضرها، والتخطيط لمستقبلها.
هذه الحيوية التي تستعيدها الشعوبُ العربية، وباكورتُها نشوءُ حياةٍ سياسية، ترافقها مناقشاتٌ ومجادلاتٌ فكرية، بين الاتجاهات المتناقضة كالليبرالية والعلمانية من جهة، والإسلامية من جهة أخرى، وبين الاتجاهات ذاتها، كما بين الاتجاه السلفي، حول قضية المشاركة في العملية الديمقراطية، والقبول بشروطها، أم البقاء على سابق فكرها الذي يرفض الديمقراطية، جملة وتفصيلا.
ونسلط الضوء على أثر "الثورات العربية" على نهج الحركات الإسلامية: نحو التغيير السلمي، ومنه "الديمقراطي" أم نحو "العمل الجهادي" والعنف الدموي.
وهذه القوى الإسلامية واقعة بين مؤثرين، الأول: النص، أو فهمهم للنصوص الشرعية، والمؤثر الثاني: الواقع، بحضوره القوي، وانخراط الشباب، وهم القوة الفاعلة، بكل حماسة، في الاحتجاجات السلمية، واستخدام قوة الرأي العام، من خلال الكلمة، بكل وسائل نشرها.
ولا يخفى أن الغاية التي يتغيَّاها أي حزبٍ تحدد له نهجَه وآلياتِ عمله؛ فمَنْ غايتُه دَعَويَّةٌ وعظية إصلاحية على الصعيد الأخلاقي والتربوي يختلف عمن قرر استهداف الحقل السياسي وبناء الدولة، أو الإسهام في بناء مؤسساتها، وإدارة مصالح الشعب، من خلالها. كما يختلف اختلافا كليا عمن يستهدف المواجهةَ مع الدول الغربية التي احتلت بلادا إسلامية، كأمريكا في أفغانستان، مثلا.
ويمكن تقسيم "الإسلاميين" إلى تيارين رئيسين، الأول: الذي يراعي المقاصد الشرعية، وفقه الأولويات، ورأس هذه المدرسة اليوم، "الإخوان المسلمون" والثانية التي تتقيد بالنصوص، وتتبع السلف، وفهمهم لتلك النصوص، وهم السلفيون.
ولكن من التبسيط المُخلِّ أن نقول إن السلفيين على رأيٍ واحد، إزاء العمل السياسي، والدخول في مؤسسات الدول غير المؤسسة على الإسلام، ونظام حكمه، وقد سبق السلفيون في الكويت، مثلا، الربيع العربي، في تجربة الانتخابات.
وحين نجحت الثورة في مصر بإقصاء مبارك عن الحكم، وبدت السلطة متاحةً لكل مَنْ له رصيد في الشارع، والمجتمع المصري لم يجد السلفيون (وهم ينطوون على آراء وتوجهات مختلفة تتراوح بين التأثر بالإخوان إلى التأثر بالقاعدة) بُدّاً من اغتنام الفرصة، وتعديل أطروحاتهم، ومنهجهم، من رفض الديمقراطية ومنتجاتها إلى التماشي معها، فكوَّنوا حزبا سياسيا، هو " حزب النور" وخاضوا انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ونافسوا على الرئاسة، لولا استبعاد صلاح أبو إسماعيل؛ فقرروا، وهنا كانت مفاجأة أخرى، مناصرة المرشح الموصوف بالاعتدال، والأقرب إلى الليبراليين من الإخوان، عبد المنعم أبو الفتوح!
هذا التحول يكشف، وإن كان لا يصلح للتعميم، عن المدى الذي يمكن أنْ تبلغَه حركاتٌ إسلامية تقليدية؛ بفضل نجاح الثورات، وإثبات النهج السلمي قدرتَه في إحداث تغييرات كبيرة، ومهمة، في وضع الدول التي تعمل فيها، بعيدا عن القتل والسجن والملاحقة.
قد يُقال إن هذا الوضع خاص بمصر التي يُقال إن أهلها ذوو طبيعة وسطية، لا يتقبلون التطرف والحدِّيَّة، وتتكرس فيها الأعرافُ السياسية القائمة على التعدد، أكثر من غيرهم.
ولكنا سمعنا مؤخرا عن توجهات في سلفيي اليمن نحو العمل السياسي والانتخابات الديمقراطية؛ بما يستتبع ذلك من تعديلات كالتي كانت لأشباههم في مصر.
يجري هذا في اليمن، البلد القَبَلي، حيث السلاح زينةُ الرجال، في الأوقات العادية، وملاذهم، وقت الخصومات الشخصية والقَبَليِّة، وكان الجنوح نحو السِّلْم قد لفت الأنظار، بل أدهشها، في وقت النضال الذي خاضه الشباب والجماهير اليمنية، ضد حكم علي عبد الله صالح الذي لم تفلح محاولاتُه في استدراج شباب الثورة، ومَنْ معهم من عموم الشعب اليمني، إلى المواجهات المسلحة.
فمن الواضح أن الثورات التي نجحت في تونس وفي مصر كانت أكثر إلهاما لتلك الجموع الثائرة، حتى في اليمن الذي كان يظن بعده عن مثل هذه المؤثرات.
ومن الواضح، كذلك، أن قسما من الحركات السلفية بدأت تراعي الواقع أكثر مما تراعي النص، أو الفهم السلفي له، أو أنه بدأت تجعل له تأثيرا أكبر في تشكيل الأحكام التي تستند إليها.
وقد يكون ذلك بسبب محدودية النجاح الذي حققته، على الصعيد الاجتماعي العام، بنهجها السابق، أو بسبب تخوفها من تفويت الفرصة المتاحة لمزيد من التأثير، لصالح الأحزاب العلمانية والليبرالية. فالمجتمعات العربية تمر في مرحلة انتقالية، أو تقف على مفترق طرق له ما بعده.
"القاعدة":
وأما التأثيرات على تنظيم القاعدة الذي ينتهج النهج العسكري، ويتوسع فيه، في أوساط المدنيين، فكم يكون؟
لا يخفى أن الأرضية الفكرية، وليس بأقل منها، الحالة الشعورية النفسية، لهما دور مؤثر، لصالح أي تنظيم، أو ضده؛ ذلك أنه بحاجة ماسة إلى تجديد خلاياه، ورفده بالطاقة البشرية المتجددة، كما، وكيفا، فكلما كانت الأرضية الاجتماعية مشبعة بمفاهيم مناسبة له كان توسعه فيها أسهل. هذا في التنظيمات والأحزاب بصفة عامة؛ لأنها معرضة لسقوط أفرادها، لأسباب متعددة، فما بالنا بتنظيم القاعدة، حيث تَعَرُّضُه للخسارات البشرية أكبر؛ لطبيعة عمله المسلح، وللاستهداف الدائم من الولايات المتحدة، تحديدا، له، ولقياداته.
مأزق الاتجاهات الراديكالية:
غالبية الناس تفكيرهم واقعي لا يملكون أن يغمضوا أعينهم، أو أن يصموا آذانهم، عن التحولات العربية المجتمعية والسياسية التي أصبحت شُغْلَ النهار والليل، وملء السمع والبصر...
هذه الغالبية لا تولي النصوصَ النظريةَ اهتمامَها الأكبر، سواء بوعي وقَصْدِيَّة، أو عن غير وعي، وإنما بحكم التأثر بالحس والوقائع، وملاحظة النتائج التي تخدم هذا النهج السلمي، أو تشكك فيه...
ومن هنا كانت التباينات من بلد إلى بلد، وَفْقَ النموذج التغييري الذي نجح، وبمراقبة صمود هذا النجاح، وهل نجاحه ناجز؟ أم مهدد، وجزئي، أو أوَّليٌّ، حتى؟
-ولكن بصفة عامة تواجه الحركات التي رفضت الانخراط في "العملية الديمقراطية" مأزقا، أو جمودا، في التوسع؛ برغم توفر وسائل الإعلام الجديد، عبر الإنترنت، وغيره، العابر للحدود، والمتجاوز لسلطات الدول ورقابتها؛ ما يسمح، وبسهولة، لتلك الحركات بنقل أفكارهم وتعميمها بل، يتيح لها، حتى تجنيد عناصر جديدة، والتواصل بهم، وتوجيههم.
ومع ذلك لا تنامي لها يتناسب مع هذه الوسائل المتاحة، فالأغلب أن هذه المحدودية ليست ناتجة عن جهل الشباب العربي بأطروحات هذه الحركات التي توصف بالراديكالية، وإنما يعبر عن فجوة فكرية بينهم وبينها.
سورية:
وإذا كانت الأفكار التي تدعو إلى المواجهة، ولو بالسلاح، لدى بعضها، كامنة في البنية العميقة لهذه الجماعات؛ فإن انسداد أفق التغيير السلمي سيُحفِّز تلك العوامل، كما يُخشى أن يتحقق في سورية، ولم يتحقق في اليمن بسبب تجانس أكبر في القوى التغييرية، وانحسار المؤيدين للرئيس المخلوع بعائلته وأعضاء متنفذين، ومنتفعين، في حزبه، أما في سورية فقبضةُ الدولة أشد، والفئة الملتفة حول الأسد، ترتبط به ارتباطا عضويا؛ لتوهمها أنهم في مركب واحد، وهم أول من خوَّف من الطائفية؛ فهم أكثر من يخافونها، فضلا عن كونهم، أو الكثيرين، منهم توغلوا في الإجرام؛ فيصعب عليهم الرجوع، أو التراجع.
فلا يخفى أن المتغيرات على الأرض لها دور كبير في التقريب من النهج السلمي، أو الدفع نحو العنف، وقد يستبطن هذا العنف خطابا دينيا؛ إذا كانت الأرضية دينية، وقد يغذي الجماعات الدينية التي تنتهج العنف؛ لأن الغالبية في العالم العربي، ومنه سورية على درجات ليست قليلة من التدين، ولو كان فطريا، أو وجدانيا.
أمريكا بين"الإسلاميين المعتدلين" و"القاعدة":
وربما لا نحتاج إلى التذكير بما تردد عن السبب في تغاضي أمريكا عن مشاركة الإسلاميين، (إذا اعتدلوا) بأن ذلك أخفُّ الضررين، وأهون من الوصول بهم إلى اليأس؛ بسبب الاستمرار في إقصائهم، مع عدم تعويلها على إمكانية اجتثاث فكرهم من المجتمعات العربية.
ولعل هذا ما يفسر اشتدادَ الحملة الأمريكية على "القاعدة" بعد تصفية زعيمها، أسامة بن لادن، وقيادات أخرى، قد لا يكون آخرها، أبو يحيى الليبي.
فقد تأمل واشنطن، بعد أن تشكلت في العالم العربي أجواءٌ غير مساعدة لفكر الجهاد العالمي، أن تستفرد في هذه الجماعة المعزولة، أو الأقرب، إلى الانعزال.
o_shaawar@hotmail.com.
التعليقات
الثورات العربية!!!!!!!!!!
omar -الثورات العربية!!!!!!!!!!!!please d''nt make me smile