تأسيسية غير توافقية، وربما غير دستورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تكرر الحدث مرة ثانية بنفس السيناريو، وربما بصورة أكثر ضرراً..
أصر حزبي الأغلبية بمجلسي الشعب والشوري - الحرية والعدالة و النور - في مصر علي لي ذراع حكم المحكمة الإدراية العليا الذي أبطل " التشكيل الأول للجنة التأسيسية لصياغة الدستور ".. ومن ثم قاما بإعادة تشكيلها للمرة الثانية بنفس المنطق مدعين أن ذلك تم وفق مبدأ التوافق الذي أقره الإجتماع الذي دعي اليه حزب الوفد ( 3 يونية ) ودشنه الإجتماع الذي ضمهما ( 7 يونية ) والعدد الأكبر من الأحزاب مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة..
نقول وبكل أسف إن التوافق لم يتحقق لأن إشتراطاته لم تتوافر.. فالقوي السياسية والحزبية التى تلاقت في إطار الإجتماعين لم تكن متساوية القوة والتأثير، مما جعل القطبين الكبيرين - التيار السياسي الإسلامي والمجلس الأعلي للقوات المسلحة - يستأثران بأبعاد الصورة وعمقها وأن يمارس كل منهما قوته علي الآخر.. ولأن الثقة اللآزمة لمثل هذه الإتفاقات التوفيقية لم تكن متواجدة بالشكل الذي يضمن آلية تنفيذ ما يتم الإتفاق عليه، لذلك سرعان ما إنفرط عقد التشكيل.. بل تقدم البعض بطعون أمام المحكمة الإدراية العليا بمجلس الدولة ضده..
الأهم من هذا وذاك أن محاولات حزب الحرية و العدالة لبعث الطمأنينة لدي الرأي العام وإشعاره بجدية التشكيل الذي أُعلن عنه للمرة الثانية، لم تُسفر عن شئ ذو قيمة إذ توالي إنسحاب عدد من المُنتخبين وأعلنت العديد من الإعتراضات علي ما تم إقراره شكلاً وموضوعاً علي مستوى المحكمة الدستورية العليا التى رفضت المشاركة من البداية وعلي مستوي النقابات والإتحادات وحتى الاحزاب التي لم تمثل للمرة الثانية!
قلنا من قبل..
1 - ان الأغلبية العددية داخل المجالس النيابية ليس من حقها أن تفرض إرادتها علي فئات الشعب لكي يقبل بما تمليه عليه، خاصة عند توافر الحاجة المجتمعية لكتابة الدستور..
2 - أن أشهر الدساتير الفاعلة والمؤثرة في تاريخ الشعوب، كتبتها لجان من خارج تلك المجالس، وتم إقرارها بعد الإنتهاء من صياغتها علي مرحلتين.. علي مستوي أعضاء المجلس التشريعي ثم علي مستوي الشعب..
3 - إن حاجة مصر بعد الثورة الشبابية التى إحتضنها الشعب إلي دستور جديد، تكمن في :
- الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية
- توزيع متوازن للسلطات التشريعية والتنفيذية
- الإختيار بين النظام البرلماني والرئاسي أو الجمع بينهما
- تفعيل آلية إستقلال القضاء
- تفعيل آليات وأطر الحريات بمختلف مسمياتها
ولذلك يجب أن يساهم الجميع بقدر متساوي من المشاركة والإيجابية في صياغة دستورهم دون تعالي من هذا الطرف أو إقصاء لذاك الفصيل..
ولم يسمع لنا تو لغيرنا أحد..
ونكرر القول، بعد أن صدر حكم المحكمة الدستورية العليا ( 14 الجاري ) بحل البرلمان بالكامل.. لعل حزبي الحرية والعدالة و النور أن يجدا في تجربة تواجدهما كأغلبية تحت قبة البرلمان خلال الفترة من 23 يناير وحتى تاريخ نشر الحكم السابق بالجريدة الرسمية، العظة والعبرة التى تكون سنداً لهما في مشاركتهما التالية في تجربة الترشح للمقاعد النيابية مرة قادمة..
وأهم هذه العظات والعبر أن لا تسعي الأغلبية أي كانت تركيبتها، لأستخدام الأساليب الإلتفافية لتحقيق المآرب الحزبية الضيقة.. ونقصد بذلك التحايل بأسم القانون لتحقيق مصالح وتشريعات بالمخالفة لأصول وضع القوانين، إذ أن القاعدة العامة للتشريع القائمة علي " العمومية والتجرد " تقضي بأن " يراعي - المشرع عند وضع الصياغة القانونية - التوازن بين المصالح المتعارضة وأن لا تكون مخالفة للقواعد العامة للدستور ولا للعقد الإجتماعي المبرم بين السلطة والشعب بكل طوائفة "..
في هذه اللحظة الحاسمة..
لنترك جانباٍ كافة الأدلة والقرائن التى أكدت منذ منتصف شهر مارس الماضي أن جماعة الإخوان المسلمون وحزبها السياسي يخططون للقضاء علي حلم التنوع الديموقراطي في مصر بحجة أمتلاكهم للأغلبية البرلمانية التى رتبوا لإستخدامها في الترشح لمنصب الرئيس ولفرض رؤيتهم الأيديولوجية علي تشكيلة لجنة الدستور التأسيسية في المرة الأولي والثانية، وبالطبع لرئاسة الوزارة القادمة بعد إنتخاب رئيس الجمهورية.
ودعونا نمعن النظر في الحقائق التالية التى أصبح المجتمع المصري يعيش في ظلها منذ بدت في الأفق معطيات صفقات التراضي التى عقدتها الجماعة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي حساب الثورة..
-أوقعوا المجلس في مصيدة اللعب إلي جانبهم مما جلب عليه نقمة الثوار والمجتمع المدني والقوي السياسية الليبرالية..
-قسموا المجتمع إلي جماعات مناصرة لهم، وأخري معادية للإسلام ولمطلب تطبيق الشريعة وإنسحب ذلك إلي الأسرة الواحدة..
-توزعت قوي المجتمع السياسي والمدني حيال حقهم في تشكيل وزارة بديلة لوزراة الدكتور كمال الجنزوري، بين مؤيد ومعارض برغم عدم توافر النص الدستوري الذي يعطيهم هذا الحق..
-ضاعت مؤشرات التأييد المجتمعي للثورة بين مؤيد لحق الجماعة في تبني أهدافها والعمل علي وضعها وضع التنفيذذ، وبين رافض لهذا الحق..
-اشاعوا البلبلة بين عدد كبير من مؤسسات المجتمع لما نادوا بضرورة عادة النظر في هيلكتها لكي تتوائم مع الشريعة الاسلامية.. المحكمة الدستورية العليا، البنك المركزي، الأجهزة الرقابية علي مستوي الدولة..
-هيأوا أنفسم لفرض رؤيتهم الخاصة علي المؤسسات الإعلامية القومية من منطلق أيديولوجي بحت، مما فتح الباب لصراعات وتصفية حسابات لا طاقة للمجتمع بها..
-نابذوا المؤسسة الدينية.. قدموا مشروع قانون لإعادة تنظيم عملها، و طرحوا للنقاش علاقتها بالنظام الحاكم وإقترحوا أن لا تقتصر نقابة الدعاة علي خريجي كليات جامعة الازهر المتخصصة، بل طالبوا أن ينضم اليها من تتوافر فيه " صفات الداعية "..
-ناصروا الفضائيات الخاصة التى تنتهج فكر وفلسفة التيار السياسي الإسلامي وأعلنوا رفضهم لكل ما عداها، ومن ثم وقر في سريرة بسطاء الناس أن المجموعة الأولي من تلك الوسائل المرئية تسير وفق الشريعة أما الثانية فهي مُضلة.. ويبلغ الأمر حدته عندما يقع التصدام بين المشاهدين في الأماكن العامة - المقاهي والأندية والتجمعات المدنية - حول مدي تَدين هذه الفضائية أو تلك..
-تحول كل من كان علي علاقة ولو واهية بالنظام السابق إلي عميل يجب أن يلفظه المجتمع، وأصبح مقياس هذا الإبعاد سلاحاً ذو حدين بين الأخوة والأشقاء..
-الحوا مرارا وتكرارا في ضرورة عرض ميزانية القوات المسلحة علي مجلس الشعب، في نفس الوقت الذي لم يقدموا وعد قاطع بالكشف عن مصادر تمويل الجماعة بالشفافية المصداقية اللازمتين..
والقول في هذا الشأن كثير..
لكن ما يعنينا هنا أن قيادات عدة من حزبي الحرية والعدالة و النور علقوا علي إنسحاب البعض من اللجنة التأسيسية بعد تشكيلها للمرة الثانية بقولين لا يعبران عن توافر البعد السياسي في تعاملهم مع واحدة من أهم اللجان التى ستؤرخ لبداية مرحلة جديدة في تاريخ مصر الدولة والشعب..
الأول.. أن المنسحبون ليسوا علي قدر المسئولية ويمارسون طفولة سياسية ويحتاجون لتأهيل سياسي..
الثاني.. أن الإنسحابات المتوالية من عضويتها لن تؤثر في خطة عملها..
وهذا يعني فقدان القدرة علي التواصل السياسي مع المختلفون معهم، ومن ثم فقدان الرية الصائبة علي إيجاد حالة من التوافق المجتمعي حول أهم قضية محورية تواجه البلاد في اللحظة الراهنة، الأمر الذي يتعارض جملة وتفصيلاً مع دعاوي التوافق والحرص عليه التى تجري علي ألسنة قيادات جماعة الإخوان المسلمون وحزبي الأغلبية البرلمانية..
أقرب التفاسير التى جاءت في عدد كبير من التعليقات تقول إن الجماعة وحزبها الحرية و العدالة تعمدت ولا زالت تتعمد تأجيل بدء عمل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، لرغبتها في أن يتحقق ذلك بعد إنتهاء الجولة الثانية لإنتخاب رئيس الجمهورية لثقها المفرطة في فوز مرشحها الدكتور محمد مرسي بالمنصب.. ومن ثم يتحقق لها مخطط وضع الدستور المصري الجديد بهدف إسلمة الدولة كمقدمة لأسلمة المجتمع..
ويبقي السؤال..
هل قامت ثورة يناير 2011 الشبابية التى إحتضنها الشعب بكل فئاته للقضاء علي نظام حكم ديكتاتوري سياسي فاسد لم يكن معبراً عن مجمل إرادة الشعب المصري، لكي تفتح الباب لإقامة نظام ديكتاتوري ديني يتناقض وتوجهات الشعب المصري بكل شرائحه ؟؟
ازعم أن إنحياز الغالبية العظمي من الشعب المصري سيكون لجوهر ثقافته الوسطية وتطبيقاته المعرفية لجوهر الدين.. اي للدولة الوطنية المدنية القائمة علي العدل والحق والمساواة، التي نضال من أجلها أجيال بعد أجيال علي إمتداد المائة سنة الأخيرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولي.
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk