إنه عصر الإنحطاط، عصر المثقف الانتهازي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بينما نقلت وكالات الأنباء رسالة "إمتياز مرتجى" الوجيزة والتي كتبها لوالدته حيث قال لها: "لا تبكي ولا تحزني على فراقي، لأن حياتنا لم تعد تعني لي شيئاً ونحن تحت الإحتلال الصهيوني، وإن قدري هو أن أكون شهيداً، ولن يوقفني أحد عن ذلك.. لأنه السبيل الوحيد لتحرير وطني فلسطين".
وبعد أقل من ساعة على كتابة هذه الرسالة، استُشهد امتياز مرتجى ابن الثامنة عشر ربيعاً، بعد أن إشتبك مع دورية من فلول الصهاينة، فأضرم فيها النار، فقتل البعض منهم واستشهد.. وكانت تلك واحدة من أكثر لحظات والده فخراً، إذ أخذ الرجل يصرخ بكل إعتزاز وهيبة: "إنني أرفع رأسي الآن عالياً، وكم كنت أتمنى لو أنني أصغر عمراً لفعلت ما فعله ولدي".
* * *
bull;بعد أن قرأت قصة إمتياز مرتجى التي أوردتها وكالات الأنباء - في حينها آن ذاك -.. عدت إلى قراءة مسرحية لم تنزل في الأسواق بعد، كتبها محيي الدين اللاذقاني بعنوان (الحمام لا يحب الفودكا) ففي هذه المسرحية حوار يدور بين أحد البسطاء من الناس، ودكتور مثقف دخل إلى السجن لأنه لم يحصل على الوظيفة التي يرغب فيها بالجامعة، فاصطدم بمديرها مما أوصله إلى السجن.
تعالوا بنا نقرأ هذا الحوار بين المثقف وبين الإنسان البسيط والذي يدور حول الإنتخابات داخل السجن، حيث أقنع المثقف أحد المرشحين بسحب ترشيحه لأن في ذلك عاراً عليه، فيقول له أبو صطيف الرجل البسيط: إنها المرة الأولى التي يكتبون فيها اسمي على الجدران بحروف كبيرة!!..
"أبو صطيف ابن الشعب البار ولو حذفوا الشعب لأصبح الإسم أحلى وأحلى!! أهذه قليلة يا دكتور رأفت؟..
لو رأت أم صطيف ذلك لملأت الدنيا بالزغاريد، ولو رآها المختار لطقّ من القهر، ولو رآها أصحاب الحمام جيراني لما وسعتهم الدنيا، فهل تريدني يا دكتور رأفت أن أضحي بكل ذلك"؟.
فيقول له الدكتور رأفت: "هذه مظاهر فارغة يا أبو صطيف وأنت رجل لا تهمك المظاهر!"، ثم يقنعه بسحب ترشيحه..
وهنا تدخل شخصية زكريا الإنسان الطيب الوطني المخلص، ليقول للدكتور المثقف: "أظنك تتهيأ لتحل محله!"
فيرفض رأفت الفكرة قائلاً: أنا؟!.. لا أسمح لك بإهانتي بهذه الطريقة!.
فيرد زكريا: "العبرة بالنتائج لأنني أعرف جيداً أصحاب الشهادات العليا، إنهم يحتملون السوط الأول على مضض، وقبل أن ترفع اليد لتهوي على جلودهم بالسوط الثاني، تنحني رقابهم وينحنون على أربع ليلعقوا حذاء أول جلاد يصادفهم".
فيقول رأفت: "هذا رأي ناقم، باطنه الغيرة وظاهره الحسد.. وأنتم جميعاً تنقمون علينا لأنكم لم تكملوا تعليمكم!!.. ثم من أنت لتخاطبني بهذه الطريقة.. ماهي شهادتك، وبأي جامعة درست؟
زكريا: بجامة الشعب.
رأفت: وماذا تعلمت فيها؟
زكريا: تعلمت أن أحترم نفسي ولا أحني جبهتي للجلادين.
رأفت: كلنا نحترم أنفسنا ولكن للضرورة أحكام.
زكريا: هذا يعني أنك ستحل محل أبو صطيف.
رأفت: ليكن في علمك أني حتى لو رشحت نفسي فهي خطوة تكتيكية لأصبح في موقع قوة أدافع فيه عن قضاياكم.
زكريا: وبالدفاع عن قضايانا تخرج من السجن، وتحافظ على صلتك بالحاكم أو بعض مساعديه، وتعود إلى جامعتك معززاً مكرماً، لتثقف النشئ الجديد في الصباح، وفي المساء تقوم بالأعمال الأخرى!".
وتتطور الأحداث في مسرحية اللاذقاني "الحمام لا يحب الفودكا" إلى أن نجد المثقف الدكتور رأفت قد وصل إلى حاكم السجن، ودار بينهما الحوار التالي:
الحاكم موجهاً حديثه للدكتور رأفت: "ليس من صالحك أن تبدأ تجربتك معي بالأخطاء يا حضرت.. خطأ آخر من هذا النوع يلغي اسمك نهائياً من قائمة المتعاونين معنا".
رأفت: "أعدك بأن ذلك لن يحصل، أنا طوع بنانك امرني بما تشاء وسوف أنفذه قبل أن يرتد إليك بصرك".
الحاكم: "أصبحت أسرع من هدهد سليمان ونحن لم نبدأ بعد".
رأفت: "جربني وسترى مني ما يسرك.. فقد خُلقت لأخدم أمثالك من العظماء، ومنذ رأيتك قلت لنفسي: هذا هو القائد الملهم الذي يجب أن تعمل تحت إمرته يا رأفت".
الحاكم: "أخشى ألا تقبل إلا المهام المريحة والنظيفة التي تليق بمركزك بعد إطلاق سراحك!؟"
رأفت: "على العكس تماماً.. أنا طوع بنانك في كل وقت.. وأي عمل ستكلفني به سيكون نظيفاً لأنه صادر عنك، ويشرفني أن أفعل كل شيء لأنال رضاك، وبالمناسبة أرى بقعة صغيرة بيضاء على حذائك الأسود فهل تسمح لي تنظيفها، إنني أتشرف بتنظيف حذائك".
الحاكم: " أنت تتطور بسرعة وسيكون لك شأن كبير في المستقبل؟"
رأفت: " ثناؤك العظيم أيها العظيم يثلج صدري ويدفعني إلى تقديم حياتي رخيصة في سبيلك؟"
الحاكم: " التجربة وحدها هنا تثبت ذلك أو تنفيه، ألم تسمع قول الشاعر:
إن الرجال صناديق مقفلة وما مفاتيحها إلا التجاريب
رأفت: "يا سلام.. لا فض فوك، في هذه الحكم الصادرة عن ثقافتك الواسعة التي لا تثمن بالدر والجواهر، وإني استميحك عذراً وأرجو أن تسمح لي بأن أجعلها شعاراً انتخابياً لي، فيها وحدها أضمن النجاح".
الحاكم: "أنت تبالغ في مدحي يا دكتور رأفت!".
رأفت: "أنا أبالغ.. أستغفر الله أنت أعظم من المدح نفسه، سيدي أنت تحطم قلبي حين تظنني مبالغاً في وصفك وتواضعك الجم هذا دليل رائع على عظمتك، وصفة جديدة تضاف إلى صفاتك الخالدة".
وهنا تدخل ثريا لتقول لرأفت: "كف عن هذا النفاق، ودعني أحدث الحاكم على إنفراد.."
فيثور رأفت ثورة مصطنعة ويقول للحاكم: "سيدي إن كبريائي يتلوى ألماً من واقع هذه الطعنة النجلاء التي تلقيتها من هذه السيدة".
الحاكم: "لا عليك، سنعالج كبريائك ليعود صحيحاً كما كان".
لكن ثريا سرعان ما تقول: "الكبرياء آخر ما يمكن أن يمتلكه منافق!".
وهنا يقول رأفت للحاكم: " سيدي إن كرامتي أيضاً أصابها سهم من سهام هذه السيدة، التي لا تحترم أصحاب الشهادات العليا، ولا تعرف كيف تتعامل معهم".
فترد عليه ثريا: "أنني أعرفهم جيداً، فأغلبهم من زبائني ومعظمهم منافقون انتهازيون مثلك تماماً".
رأفت: " سيدي لا أستطيع صبراً أكثر مما صبرت!".
الحاكم: "بل تستطيع".
رأفت: "وكبريائي الطعين وكرامتي الجريحة!!.. وهيبتي التي نالت فيها هذه السيدة!!..
فيرد عليه الحاكم: "كبرياؤك وكرامتك في الحفظ والصون، وهذه السيدة من أصدق أعواننا ولم تقصد إهانتك".
بقي أن تعرفوا هذه الحقيقة، أن هذه السيدة ثريا تلعب في المسرحية دور إمرأة داعرة وجاسوسة..
* * *
bull;أخلص من كل ما سلف إلى أننا نعيش الآن بين عصرين.. عصر "إمتياز مرتجى" الذي خفت منذ أن بدأ ثوار فلسطين يجلسون الى طاولة المباحثات مع جلاديهم، وعصر " الدكتور رأفت " الذي أصبح يشكل ظاهرةً بعد أن عجَّت بأمثاله حياتنا الأكاديمية، والاعلامية، والثقافية، بحيث أصبحنا نراهم أينما اتجهنا!!..
والسؤال هنا: أيهما سينتصر في النهاية؟!..
التعليقات
الثقافة في بلادنا
د محمود الدراويش -اثني على ما كتبه الدكتور نجم ,,, ونحن امام ظاهرتين ,,, من يقدم نفسه على مذبح حريتنا وخلاصنا ,,,, ومثقف وصولي مخادع ومتسلق ,,,, الثقافة في بلادنا مشروخة والمثقفون لا يستجيبون لمقتضايتها ,,,, من امانة وموضوعية وانحياز للحقيقة وغيرية وطنية والتزام براي الاغلبية ,,,,الثقافة في بلادنا اكذوبة,,,, اذ سادت افكار الحاكم ولصوصيته ومنطقه السقيم ,,, عمل المثقفون تحت وصايته وبامرته ,,, ومع اجهزته ,,, شوهوا عقول الناشئة وما ضربوا مثلا حقيقيا في الوطنية ,,, كانت الوطنية باهتة مغلفة باكاذيب ودجل يصب في مصلحة الحاكم والنظام ,,, ,, المثقف الحقيقي لا ينسجم مع الظلم والنهب والفساد والقتل واحتكار السلطة قط ,,,, لكن اغلب مثقفينا كان حالهم هكذا ,,,,كبار الكتاب وكبار المثقفين والمفكرين ,, لم يكونوا بعيدين عن التدليس وخيانة الحقيقة والدجل على الشعوب وتمييع مواقف الشارع والانتصار لحكام الرذيلة ,,, الثقافة في بلادنا كانت ثقافة منحطة ,, لا تستجيب لجوعى صغار او مرض لا يملكون حبة الدواء ,,,, ثقافتنا خائنة لم تنتصر لنا ولم تقف الى جانبنا ولم تدافع عن حقوقنا ولم تحذر الحاكم ولم تردعه ,,,, بل بررت همجيته وجهله وانحطاطه ,,,, لم يكن مثقفونا وثقافتنا اوفياء للعدالة والحرية والفضيلة,,, بل مسخت تلك المفاهيم والبست ثوبا مخادعا وزيفا ,,,لقد كانت ثقافة الحاكم هي الثقافة التي ينهل منها مثقفونا ,,, وكان الكثيرون منهم يتهافتون على قصعة ثقافة الحاكم كما يتهافت الذباب على قصعة قذرة,,, اقتات مثقفونا على فتات الحاكم وترهاته ودجله وفساده واتخموا بها ,,,وانتصروا لدمويته وشبقه للمال وعهره وفساده وتخلفه وانحطاطه ,,,,,,,, الثقافة والمثقفون الحقيقيون سلعة نادرة في بلادنا ,,, ومثقفونا تسلقوا حبل النظام وناموا في مخدعه وتحدثوا بلسانه وتبنوا قضاياه ,,,, هذه هي الظاهرة الاغلب من مثقفينا ,,,, لكن الفرق كبير بين الثقافة والتزييف بين الحقيقة والباطل بين الفضيلة والرذيلة بين الغيرة الوطنية والانانية الفردية ,,,,,, لقد شارك مثقفونا النظام اعماله وبرروا له كل جرائمه ووقفوا الى جانبه وخدموا اجهزته وقدموا له النصح وخططوا لتمكينه منا ومن السلطة ودبجوا فيه القول مدحا وتعظيما ,,,,, اليست هذه لغة الرياء والنفاق والسمسرة ,,, وهل هناك ما يربطها بالثقافة الحقة الا اسمها ,,,, اذا كان النظام مسؤولا عن هزائمنا وتخلفنا وضياعنا ,,, فان
الثقافة في بلادنا
د محمود الدراويش -اثني على ما كتبه الدكتور نجم ,,, ونحن امام ظاهرتين ,,, من يقدم نفسه على مذبح حريتنا وخلاصنا ,,,, ومثقف وصولي مخادع ومتسلق ,,,, الثقافة في بلادنا مشروخة والمثقفون لا يستجيبون لمقتضايتها ,,,, من امانة وموضوعية وانحياز للحقيقة وغيرية وطنية والتزام براي الاغلبية ,,,,الثقافة في بلادنا اكذوبة,,,, اذ سادت افكار الحاكم ولصوصيته ومنطقه السقيم ,,, عمل المثقفون تحت وصايته وبامرته ,,, ومع اجهزته ,,, شوهوا عقول الناشئة وما ضربوا مثلا حقيقيا في الوطنية ,,, كانت الوطنية باهتة مغلفة باكاذيب ودجل يصب في مصلحة الحاكم والنظام ,,, ,, المثقف الحقيقي لا ينسجم مع الظلم والنهب والفساد والقتل واحتكار السلطة قط ,,,, لكن اغلب مثقفينا كان حالهم هكذا ,,,,كبار الكتاب وكبار المثقفين والمفكرين ,, لم يكونوا بعيدين عن التدليس وخيانة الحقيقة والدجل على الشعوب وتمييع مواقف الشارع والانتصار لحكام الرذيلة ,,, الثقافة في بلادنا كانت ثقافة منحطة ,, لا تستجيب لجوعى صغار او مرض لا يملكون حبة الدواء ,,,, ثقافتنا خائنة لم تنتصر لنا ولم تقف الى جانبنا ولم تدافع عن حقوقنا ولم تحذر الحاكم ولم تردعه ,,,, بل بررت همجيته وجهله وانحطاطه ,,,, لم يكن مثقفونا وثقافتنا اوفياء للعدالة والحرية والفضيلة,,, بل مسخت تلك المفاهيم والبست ثوبا مخادعا وزيفا ,,,لقد كانت ثقافة الحاكم هي الثقافة التي ينهل منها مثقفونا ,,, وكان الكثيرون منهم يتهافتون على قصعة ثقافة الحاكم كما يتهافت الذباب على قصعة قذرة,,, اقتات مثقفونا على فتات الحاكم وترهاته ودجله وفساده واتخموا بها ,,,وانتصروا لدمويته وشبقه للمال وعهره وفساده وتخلفه وانحطاطه ,,,,,,,, الثقافة والمثقفون الحقيقيون سلعة نادرة في بلادنا ,,, ومثقفونا تسلقوا حبل النظام وناموا في مخدعه وتحدثوا بلسانه وتبنوا قضاياه ,,,, هذه هي الظاهرة الاغلب من مثقفينا ,,,, لكن الفرق كبير بين الثقافة والتزييف بين الحقيقة والباطل بين الفضيلة والرذيلة بين الغيرة الوطنية والانانية الفردية ,,,,,, لقد شارك مثقفونا النظام اعماله وبرروا له كل جرائمه ووقفوا الى جانبه وخدموا اجهزته وقدموا له النصح وخططوا لتمكينه منا ومن السلطة ودبجوا فيه القول مدحا وتعظيما ,,,,, اليست هذه لغة الرياء والنفاق والسمسرة ,,, وهل هناك ما يربطها بالثقافة الحقة الا اسمها ,,,, اذا كان النظام مسؤولا عن هزائمنا وتخلفنا وضياعنا ,,, فان