في تونس..كل معارض للحكومة فلول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من أنهم يزعمون كراهية الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلا أنهم في غاية الولع بالاستعارة من سيرته في الحكم و قاموسه السياسي، و هم في غاية الإصرار على النسج على منواله في بناء العلاقة بين القيادة و القاعدة و الحكم و المعارضة، مع بعض التعديلات السطحية الخفيفة التي تقتضيها ضرورات الثورة و الأخذ بخاطر بعض السذج من الدهماء و العامة..
تسليم رئيس الوزراء الليبي البغدادي المحمودي ذات يوم أحد (الإجازة الأسبوعية) في غفلة من الناس و وسائل الإعلام و دون إخبار رئيس الجمهورية، دليل آخر يضاف إلى سلسلة أدلة، فقد كان للتجمع الدستوري الديمقراطي لما كان بالأمس في الحكم ديكورا "ديكورا ديمقراطيا" يتمثل في عدد من الأحزاب المعترف بها، لا يتكلف عناء إخبارها بشيء، و تتكفل هي دون أوامر مسبقة بالدفاع عن قرارات الحكومة، و ما الموقف الذي بدا عليه شريكا "النهضة" في الحكم أي "المؤتمر" و"التكتل" بمختلف اليوم كثيرا، إذ لم يخبرهما أحد، لكنهما قاما بالواجب و دافعا عن "الفضيحة".
منذ أشهر، و تحديدا منذ تصديهم لسدة الحكم، لم يكف القوم عن تقسيم المشهد السياسي إلى "حكومة" تمثل "الثورة" و "معارضة" تمثل "الفلول"، فإذا لم تكن مع الحكومة من داخلها أو من خارجها فإنك بالضرورة من الفلول و أزلام النظام السابق و سجلك الشخصي مليء بالخيانات و المؤامرات و كل ما هو دنيء، حتى و إن كنت شريك نضال و صقرا من صقور معارضة الرئيس بن علي السابقة.
إن أحمد نجيب الشابي الذي أمضى عقودا من حياته السياسية مدافعا عن الإسلاميين و شريكا لهم حتى كناه رفاقه ب"نجيب الله"، هو اليوم "قمة في الفلول"، و الباجي قايد السبسي الذي كان في نظرهم إلى أسابيع خلت منقذ البلاد، نظم انتخابات نزيهة و سلمهم الحكم و كان مرشحهم الأثير إلى رئاسة الدولة، عاد اليوم في مقالاتهم و خطبهم "زعيم عصابة من المجرمين" و "قائدا للفلول"، و كذا حال المعارضين جميعا، بما في ذلك مجموعة نواب المجلس الوطني التأسيسي، ممن طالبوا بإدراج قضية البغدادي المحمودي ضمن جدول أعمال هيئتهم، تحولوا في نظر الحكام الجدد و أنصارهم إلى "فلول أبناء فلول".
و بالأمس غير البعيد عاشت تونس أكثر من عقدين على وقع التقسيم الثنائي نفسه، "التحول المبارك" و "التغيير" من جانب، و أعداؤه الخونة و العملاء و بيادق السفارات الأجنبية و "الخوانجية" من جانب آخر، و لم نذكر أن معارضا واحدا لنظام الرئيس بن علي "طلع شريف"، فجميعهم بعد التحقيق يظهرون "جواسيس" أو "تجار عملة" أو "زناة" أو حتى "لوطيين"، و اليوم نتابع بكل دهشة كيف يجري اغتيال المعارضين معنويا و سياسيا و محاولة تصفية بلا رحمة أو شفقة أو رادع من دين أو عقل، بأن تظهرهم "الميليشيات الالكترونية الموالية" و "أبواق الدعاية الحكومية" في صورة غير بعيدة عن تلك الصورة التي طالما عمل النظام السابق على تكريسها لمناوئيه، حتى وصل الأمر حد إهدار الدم و السحل و أشياء أخرى يندى لها الجبين..
و إن أخطر ما في موضوع الفلول هذا، أن يكون بداية لحركة تزوير تاريخ الثورة، ففي تونس يعرف الجميع أنها كانت ثورة بلا رأس أو قيادة أو برنامج، و أن الثوار الذين أسقطوا بن علي لم يشكلوا "حكومة ثورة" أو "حكومة ثورية"، و أن الثورة تحولت بفعل مجموعة من الأحداث المتعاقبة إلى ما يشبه التغيير السلمي للسلطة أفضى إلى انتخابات أفضت بدورها إلى تشكيل حكومة، فالحكومة الحالية ليست تماما كما يزعم أصحابها "حكومة الثورة" إنما هي "حكومة منتخبة"، و ليس معارضوها "معارضة الثورة" كما يزعم أهل الحكم، و لا هم فلول أبدا، إنما هم شركاء وطن و نضال، بل قادته إن قصر نظر البعض ممن أعماهم بريق السلطة و دوختهم كراسي الوزارة..
لقد بدأ البعض فعلا بفبركة التاريخ على مقاس سلطانهم، و كذبوا الكذبة و سيصدقونها بأنهم كان ثوارا، بل قادة للثوار، و بدأوا يحيكون قصصا عن روابط مزعومة بين تحركاتهم المعارضة و ثورة 17 ديسمبر 2010، و يقدسون تضحياتهم إلى حد اعتبارها وقود تلك الثورة، التي ما تزال الذاكرة الحية تؤكد أنها ثورة شباب لم يكن لهم بالعمل الحزبي أو الأحزاب و الجماعات صلة، ناهيك أن تكون الثورة إسلامية دينية، و لعل هؤلاء لن يخجلوا في تدريس الناشئة قريبا هذه الرواية المزورة من خلال فرضها على المناهج التعليمية الرسمية..
إن هؤلاء لم يترددوا في تعيين الأقارب و الموالين منذ اليوم الأول في مواقع السلطة، في خطوة لم يتجرأ الرئيس السابق على عتو سلطانه في فعلها في أيامه الأولى، و لم يترددوا في صناعة "ديكور ديمقراطي" قسم الأحزاب إلى "موالاة خاضعة" و "معارضة خائنة"، و لم يترددوا في اتهام كل من اختلف في الأمر معهم بالانتماء إلى معسكر "الثورة المضادة" في حين نصبوا أنفسهم على رأس معسكر "الثورة".
و تماما كما كان بن علي مولعا بتأليف الأعداء و تحويل الأصدقاء الممكنين سريعا إلى خصوم سياسيين، يعمل أهل "النهضة" في تونس الحالية على استعداء أكبر قدر من قوى البلاد الحية، لا المعارضين السياسيين فحسب، بل الإعلاميين و النقابيين و المثقفين و الفنانين و سائر العقلاء ممن يطالب بشراكة حقيقية في إدارة شأن الوطن، بعيدا عن المغالطات "الديكورية" و المزايدات الثورية و العنتريات السلطوية..
و يفترض بهؤلاء القوم بعد أشهر من الحكم، أن يعلموا أن السلطة ليست كما كانوا يتخيلون أيام كانوا في المعارضة، و أن تحدياتها جسام لن يكون بمقدورهم بمفردهم التصدي لها..
لقد كانوا يتهمون الرئيس بن علي بموالاة الغرب و إسرائيل، و هم اليوم متهمون بالأمر ذاته، فلا قطعوا علاقاتهم مع الولايات المتحدة مثلا و لا قبلوا تجريم التطبيع، و قد كانوا بالأمس يتهمون الرئيس بن علي بالعجز عن تحقيق نسب كافية من التنمية، و هم إلى اليوم و بالأرقام أعجز منه بأشواط عن تحقيق مجرد نسب مماثلة، كما كانوا يتهمونه بالتمكين للأقارب و بالفساد، و هم اليوم في مرمى الحجر نفسه و نسب الفساد و الرشوة و المحسوبية بالأرقام زادت زمن الحكم الرشيد المزعوم و لم تنقص درجة واحدة..
لعلهم سيعمدون إلى اختلاق المبررات دائما، و لن يكفوا عن تخوين الخصوم السياسيين، و لن ينصتوا لأصوات المعتدلين داخلهم، بل سيستسلمون دائما لإرادة المتشددين، تماما كما كان الرئيس بن علي يفعل عندما أقفل على نفسه الدائرة و أحاطها بمستشارين لا يشيرون عليه إلا بالعصا..ذلك تقدير أرجو صادقا أن تكذبني فيه الأيام، و قد كان لي بعض الأصدقاء ممن هم اليوم في سدة الحكم، لم أعرف عنهم موهبة أو تفوقا أو قدرة على التجديد و الابتكار و الإدارة الجيدة، و كانوا في غالب الأمر من المطبلين لقيادتهم دائما و من الطلبة الفاشلين عامة، لربما تحولوا اليوم إلى سياسيين جيدين و رجال دولة ناجحين..لا أحد يعلم، إن الله قادر على كل شيء، و هو أعلم العالمين.
* كاتب و ناشط سياسي
التعليقات
الفلول
بسام -خالد شوكات، قبل اسبوع من اندلاع الثورة التونسية، قام في هذا الركن بإيلاف بتشبيه المخلوع بن علي بالرسول محمد صلعم والعياذ بالله، واليوم ينفي أنه من الفلول. خالد من الفلول وأكثر من الفلول..
الفلول
بسام -خالد شوكات، قبل اسبوع من اندلاع الثورة التونسية، قام في هذا الركن بإيلاف بتشبيه المخلوع بن علي بالرسول محمد صلعم والعياذ بالله، واليوم ينفي أنه من الفلول. خالد من الفلول وأكثر من الفلول..
الدكتاتورية في ثوب الدين
محمد من تونس -تحليل صحيح و صائب. كل تونسي يدرك جيدا هذا الكلام و يدرك حجم التهديد الذي أصبح فعليا و ملموسا.
الدكتاتورية في ثوب الدين
محمد من تونس -تحليل صحيح و صائب. كل تونسي يدرك جيدا هذا الكلام و يدرك حجم التهديد الذي أصبح فعليا و ملموسا.
ثعالب وصقور
هوزان خورمالى -دكتور شوكات ليس كل من تسلقة الى السطلة وبقوة القادر اصبح رئسيا او ذو سلطة بعد الموامرة ا لتى يقودها الغرب بمايسمى بريبع العربي وهم اليوم سائرون على النهج الرئيس المخلوع ونضامة بشكل غير مباشر مستفيدين من تلك الخبرات التى كانت ولا زالت تدير البلد .؟؟؟؟؟؟رجل مناسب في كان مناسب بل هوة من فعل الظروف والتغيرات التى تطرا على المنطقة ليس بضرورة ان يكون منقذ الامة وليبيا ومعارضة المتفككة في سورية خير دليل على ذالك وشكرا
ثعالب وصقور
هوزان خورمالى -دكتور شوكات ليس كل من تسلقة الى السطلة وبقوة القادر اصبح رئسيا او ذو سلطة بعد الموامرة ا لتى يقودها الغرب بمايسمى بريبع العربي وهم اليوم سائرون على النهج الرئيس المخلوع ونضامة بشكل غير مباشر مستفيدين من تلك الخبرات التى كانت ولا زالت تدير البلد .؟؟؟؟؟؟رجل مناسب في كان مناسب بل هوة من فعل الظروف والتغيرات التى تطرا على المنطقة ليس بضرورة ان يكون منقذ الامة وليبيا ومعارضة المتفككة في سورية خير دليل على ذالك وشكرا