فضاء الرأي

الاصطفاف الفلسطيني.. غير المطلوب!؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خرج السيد أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، على شاشة قناة الميادين الفضائية، مع المحاور الشهير غسان بن جدو، في ظرف سياسي دقيق يتطلب من الجميع دون استثناء، تحسساً لخطورة الوضع السوري واستثنائيته، وفداحة المشي في حقل ألغام لم تغامر دول كبرى وعظمى على الخوض فيه إلا على استحياء وحذر، وقلبها واجف، ولسانها واجم إزاء القدرة على توصيف ما يجري في سوريا، بعد اجتماعات جنيف الأخيرة من قبل مجموعة العمل من أجل سوريا.
السيد جبريل، وتياره الفلسطيني اليساري أصلاً (كونه انشقاقاً عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، والمتجه نحو اليمين السياسي بحكم تشابكاته السياسية لاحقاً، قال في مقابلته أن "التعاطي مع الملف السوري والوقوف مع النظام ينبع من الحرص الشديد أن لا تؤول الأمور في سوريا الى ما آلت اليه الأوضاع في ليبيا". ولنا أن نسأل بداية: من طلب من الفصائل الفلسطينية التي تعنى بالشأن المقاوم الوقوف والاصطفاف في ملف شديد الحساسية كالملف السوري، اعترفت بخطورة الاقتراب منه والتعاطي به كبرى دول العالم، وأحجم الكثيرون عن الانخراط فيه؟
ثم من قال إن الوقوف إلى جانب أحد طرفي الصراع في سوريا، إن جاز لنا التعبير، سوف يمنع انحدار البلاد إلى النموذج الليبي؟ وما سرّ الإصرار على وسم جميع الحراكات العربية وتحركاتها في البلدان التي وصل إليها "إسلاميون" بالنموذج الليبي غير المستقر أو المتضح المعالم حتى الآن؟ ألم يكن من الأفضل عدم استحضار النموذج الليبي وذاكرة الناس لا تزال تحتفظ بتاريخ علاقات النظام الليبي البائد مع بعض الأطراف والفصائل الفلسطينية؟ وهل نسيت الذاكرة العربية القريبة ما أشيع عن تورط البعض بدعم القذافي شخصياً؟
السيد جبريل لم يفته في معرض الحديث العتب على قيادة حركة حماس في نقلها لمكاتبها ومقراتها من دمشق إلى الدوحة، بحكم حال العداء الشديد والتوتر بين البلدين، وكيف تلام حركة حماس على ذلك ولم تجد في ظل الظروف الراهنة حلاً لأزمة الوجود السياسي في المنطقة، سوى تفرقة قياداتها ومكاتبها على عدد من الدول والبلدان (لا حصرها في قطر فحسب)، وقد تعرضت الحركة لما تعرضت له من ضغوطات للانخراط في الشأن السوري، بما يعارض سياستها ومواقفها المعلنة الداعية إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي، وقياداتها تتعرض للاغتيال والملاحقة، في ظل حالة الانفلات الأمني، أينما حلت، وما حادثة الشهيد (غناجة) في قلب العاصمة دمشق ببعيدة عنا؟!
السيد جبريل نقل روايات عن السيد حسن نصر الله والرئيس الإيراني أحمدي نجاد أنهما لن يتركا النظام السوري وحيداً في حال تعرض سوريا إلى أي عدوان خارجي، ولنا أن نسأل: وهل من جهة سياسية أو عسكرية خارجية تطرح موضوع التدخل العسكري الخارجي في سوريا حتى بعد إسقاط الطائرة التركية مؤخراً؟
ألم تعلن كل من تركيا وحلف الناتو أنهما لن يتدخلا عسكرياً في سوريا، بصرف النظر عن موضوع تمويل المعارضة السورية والجيش السوري الحر بالسلاح والعتاد، وأن موضوع التدخل العسكري مرفوض من الجميع لما يترتب عليه من تداعيات إقليمية خطيرة، فلماذا التلويح بمسألة الاصطفاف في ظل هذه الظروف بالذات؟
ألم يسمع البعض بقائمة الشهداء الفلسطينيين التي تعدت ال 150 شهيداً فلسطينياً خلال الأحداث الأخيرة في سوريا، موزعين على عدة محافظات منها درعا وحماة وحمص، ومؤخراً في كل من داريا ودوما، حتى قيل: إن عائلات فلسطينية بأكلمها شملها القصف الذي تعرضت له مدن سورية، كما حدث مع الكثير من العلائلات السورية، منها عائلات شهيرة كعائلة الخضراء في دوما، وغيرها من العائلات الفلسطينية؟
وفي تحليله لما يجري في سوريا، اعتبر السيد جبريل أن كل ما يجري هو محاولة لكسر محور المقاومة في المنطقة، ووصف معركة الدفاع عن النظام السوري بأنها "معركة فاصلة". وقال: "اتفقنا جميعا أن ما يدور على أرض سوريا هي المعركة الفاصلة"، مشددا على ضرورة الانتصار فيه لكي "يُهزم المشروع الأميركي الصهيوني التي كلفت بعض الدول العربية أن ترعاه ماديا".
لا أحد يزايد على ثورية الشعب الفلسطيني وقيادته للحراك العربي تاريخياً تجاه العدو الأوحد للأمة، والمعروف سلفاً، لكن شركاء السيد جبريل في هذه المعركة، وهو أمر لافت للنظر ومثير للاستغراب، لم يتحدثوا بحماسته عن الانخراط في مشروع المواجهة الشاملة التي يتحدث عنها، بل إن كلاً من إيران وحزب الله في لبنان، رغم انحيازهما وعدم مواربتهما في المواقف السياسية المعلنة، لم يتحدثا بهذه اللغة الحادة والاصطفافية، بل كان لكلا الطرفين مبادرات لإيجاد حلول للوضع السوري، ومساهمات عبر لقاءات مع رموز في المعارضة السورية، للتوصل إلى صيغة حل توافقي، وهل مشاركة روسيا في مجموعة الحل في جنيف ممثلة لحلفاء النظام في سوريا سوى خطوة في هذا الاتجاه؟!
لقد نجح اللاجئون الفلسطينيون وقياداتهم في تحييد أبناء شعبهم عن التورط والانخراط في الأزمة السورية، على الرغم من محاولات طرفي النزاع استغلال ورقة "فلسطين" في الصراع الداخلي الدائر هناك، ولم يمنع ذلك اتخاذ مواقف حيادية إيجابية من قبل بعض الأطراف التي كانت تحتفظ بعلاقات جيدة مع النظام السوري "حركة حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي". وفلسطينيو سوريا من أكثر الشرائح الاجتماعية تأثر بما يحدث هناك، فعلاقة اللاجئين الفلسطينيين بالشعب السوري علاقة وطيدة ووثيقة تجعله متماهياً في الشأن السوري وضمن نسيجه الاجتماعي أكثر من غيره من اللاجئين الفلسطينيين في بلدان أخرى (لبنان على سبيل المثال)، ولا أعتقد أن الإعلان عن مواقف سياسية اصطفافية وحادة في هذا التوقيت بالذات يخدم أياً من الأطراف المتنازعة في سوريا، ولا يضر إلا اللاجئ الفلسطيني الذي سوف يكون مادة دسمة للانتقاد وربما الانتقام مستقبلاً، بسبب تدخله في شأن مضيفه، بما لا يطفئ أزمته.. بل يزيدها استعاراً!
... كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف