أصداء

الربيع العربي في مرحلة الاختبار

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا زالت تتردد كلمات الرجل التونسي في ذهني عندما قال لقد هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية، فعلا انها لحظة تاريخية منتظرة ليس من خلال جيل واحد من حياتنا كعرب لكن من خلال عدة اجيال انتظرت بأن يكون للعرب كيانا مستقلا يتمتع بالحرية.

ان مشكلة الشعوب العربية مع انظمتها لم تبدأ منذ عهد الاستقلال فقط انما قبل ذلك وما شهدته المنطقة من تجاذبات واطماع الاستعمار الغربي في منطقتنا وتقسيمها لامارات وممالك وجمهوريات وتسليمها الى حكام استأثروا بالسلطة طويلا دون ان يكون للشعوب كلمة أواي دور فعال في بناء أُسس وتوجهات الدول التي يعيشون فيها وذلك نتيجة لغياب الحرية والديمقراطية.

لقد جاءت اللحظة التاريخية المنتظرة منذ زمن دون قرار مسبق باشعال الانتفاضات العربية ضد الحاكمين المستبدين الذين توجوا انفسهم على الحكم مدى الحياة او توريث السلطة للابناء والاخوة والزوجات.

لم تصل بعد عدوى هذا الربيع لبعض البلدان العربية التي تظن نفسها مستعصية على هذا الربيع وتتوجس بأن يصلها وتظن بأن شعوبها سعيدة بوجودها لأنها مختلفة عن الحكام الاخرين وهنا تكمن العلة في هذه الانظمة التي تظن نفسها استثنائية بحكمها الرشيد وذكائها. من ناحية اخرى يوجد هناك طبقة من الشعوب مستفيدة من الانظمة القائمة ولا تحبذ التغيير لان التغيير يضر بمصالحها واسقاط النظام الحالي لا يعتبر بالنسبه لهم ربيعا انما خريفا اسودا يخسرون به كل مكتسباتهم، وكما رأينا في الدول التي شهدت الانتفاضات بأن اتباع الانظمة السابقة يدافعون حتى اللحظة الاخير وبكل الوسائل من اجل بقاء هذه الانظمة ولا يعلنون خسارتهم الا بعد انتهاء هذا النظام وفي حالة مصر بقي مؤيدي النظام السابق على اخلاصهم حتي بعد سقوط النظام كما لاحظنا بالانتخابات الرئاسية الاخير وهم لحد الا مازالوا غير مرتاحين من هذا التغيير وبالتأكيد يوجد هناك بعض الناس في تونس وليبيا واليمن غير سعداء لهذا التغيير.

ان الجمهوريات التي شهدت وتشهد الانتفاضات هي انظمة علمانية وديكتاتورية بنفس الوقت، لم تسمح النخب الحاكمة في هذه الدول قبل ذلك من وصول الاسلاميين الى السلطة ولكن في ظل التغيير االذي نشأ بفضل الربيع العربي واجراء انتخابات تم اختيار الاحزاب الاسلامية وبذلك ارادت هذه الشعوب اختبار هذه القوى وباعطاءها الفرصة في الحكم. ونستطيع القول بأن هناك تعادل بين هذه الدول التي شهدت الربيع بحيث تُحكم مصر وتونس باحزاب اسلامية بينما في ليبيا واليمن فان الاحزاب الاسلامية لم تصل الى السلطة، اما بالنسبة للوضع في سوريا التي ما زالت تنتظر ربيعها ومن غير المعروف كيف سينتهي الوضع هناك وكما نرى بأن المعارضة السورية ليس لها لون واحد انما هناك العلمانيين والاسلاميين والتيارات المختلفة التوجهات.

ان الشعوب العربية التي انتظرت التغيير وعانت من اهوال الديكتاتورية المستبدة لا بد ان تُقيم الحكام الجدد الذين اتوا عبر الطرق الديمقراطية وهذا التقييم لن يحدث سريعا انما بعد حين وتعتبر هذه المرحلة هي مرحلة اختبار، فيجب ان لا نفرح كثيرا من هذا الربيع العربي قبل ان نرى نتائجه على الارض.

من غير شك ان الانتفاضات في الدول العربية بدأت بريئة من قبل مواطنين عاديين كان هدفهم التخلص من الديكتاتورية والاستبداد ولكن بعد ذلك ظهر بعض الذين يشوهون هذه الانتفاضات بمصالحهم الضيقة والخاصة اكانوا احزابا ركبوا موجة الثورة للوصول الى السلطة لانها تعتبر اللحظة التاريخية بالنسبة لهم والتي من الممكن الا تتكرر بعد ذلك.
ان المواطن العربي حلم ويحلم بحياة افضل اقتصاديا وبايجاد عمل من اجل العيش الكريم من اجله ومن اجل اولاده وهذ الحلم اوالمطلب يعتبر من اساسيات الحياة في بعض الدول العربية وعندما يجد هذا المواطن رغيف الخبز والعمل ولا يكون شغله الشاغل تأمين هذا الرغيف سيستطيع بعد ذلك بالتفكير بممارسة الحرية والديمقراطية اي باختيار ممثليه في البرلمان الذين من الممكن ان يحققوا طموحاته أو اختيار الرئيس الذي يرى بأنه مؤهل لرئاسة الدولة، ومسؤولية الدولة هي تأمين راحة هذا المواطن لا استغلاله ومعاملته باستعلاء واعتباره مجرد رقم لا قيمة له، فهذا المواطن له الحق بالتعبير ومحاسبة المسؤولين عن الفساد.

من الاكيد ان الشعوب العربية لا تريد تغيير اشخاص في هرم السلطة فقط وانما يريدون تغيير السياسات ولمس تغييرا حقيقيا يبدل حياتهم الى الافضل. ان الحرية التي حلموا بها ليس استبدال الاشخاص ولا يكافحون من اجل الحرية الشخصية فقط وانما حرية هذا الوطن العربي من قبضة الحكام الذين يدعون الواقعية بعلاقاتهم مع الخارج وخاصة مع الدول الغربية. وهناك ثمة قوى داخلية وخارجية لا تزال تتربص شرا بالثورات العربية ومستعدة لمحاربة التغيير تنفيذا لمصالحها.

بعض الحكام يظنون ان الاخرين اي القوى الصاعدة غير قادرة على الحكم ويعتبرون انفسهم اوصياء على هذه الدول، ففي مصر تغير الرئيس ولكن المؤسسة العسكرية التي كانت شريك النظام السابق ما زالت تحكم مصر بعقليتها القديمة واعضائها المخضرمين الذين لا يتغيرون وهم يحاولون بأن يبقى قرار مستقبل مصر بأيديهم وليس بأيدي الرئيس محمد مرسي، أما في تونس وليبيا واليمن فلكل دولة لها خصوصيتها في هذا المجال باحتكار السلطة من قبل نخبة تظن نفسها هي فقط المؤهلة لحكم البلاد والناس.
يجب تغيير العقلية القديمة في ممارسة الحكم التي سادت في عهد الرؤساء السابقين المستبدين لانجاح هذه اللحظة التاريخية وليس اهدارها بالتقاتل على السلطة واالجلوس بعد ذلك على الاطلال.

كاتب وصحفي فلسطيني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف