أكتب لكم من بغداد: مشاهدات وملاحظات وتأملات من زيارتي الأخيرة للعراق!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قطعة من الأرض
ذكر لي صاحبي بأنه أشترى قطعة من الأرض في محافطة النجف. تصورت بأنه سيسكن تلك المحافظة هربا ً من غلاء المعيشة في بغداد أو من قلة العمل فيها. لكنه فاجئني بأنها قطعة للأرض في مدافن النجف ليدفن فيها هو أو أحد أفراد عائلته بعد الممات مع العلم بأن هذا الشخص لايملك حتى مترا ً واحدا ً في هذا الوطن الذي دافع عنه سنوات طويلة في حروب عديدة، فأي سخرية تلك التي يبيع فيها الفرد مستقبله بقطعة من مدافن النجف. لقد يئس العراقيون من التفكير في معيشتهم في هذه الحياة الدنيا ليفكروا بدلا ً عن ذلك بالحياة الأخرى علهم يكونوا فيها أوفر حظا ً في الحصول على لقمة للعيش أو سكن يأويهم بعيدا ً عن شبح العشوائيات.
صراع مع البيئة
يعيش العراقيون صراع مرير مع البيئة المحيطة بهم، فهي تحاربهم بكل أسلحتها وهم يقاومونها ويحاربونها من حيث يشعرون أو لايشعرون. فدرجة الحرارة المرتفعة، والتي تصل الخمسين مئوية، تجعل من الصعب جدا ً للإنسان أن يخرج في الشارع من الساعة العاشرة صباحا ً حتى الساعة السادسة مساءا ً فضلا ً من أن يعمل في هذا الصيف اللاهب. أما العواصف الترابية فهي تزور المدن العراقية بين الحين والآخر لتبقى عددا ً من الأيام فتجعل كل شيئ في الطبيعة يتحول إلى لون التراب ليبدأ العراقيون في غسل بيوتهم من الداخل والخارج في محاولات يائسة لجعل الأشياء نظيفة. فالعراقيون يقاومون هذه القسوة بشتى الطرق مع غياب الكهرباء، بل يتعدا ذلك بأنهم يحاربون البيئة وكأنهم ينتقمون منها لتنتقم منهم في نهاية المطاف. فأصوت المولادات الكهربائية تحارب هدوء الطبيعة بضجيجها الذي يفر منه حتى الطير في السماء إضافة لطرحها كميات كبيرة من السموم التي تملأ صدور الصبية والفتيات. أما الشوارع فهي تمتلأ بالسيارات الحديثة والتي تشتبك بكثرة عند التقاطعات وسيطرات الجيش في غياب واضح لأي نظام أو تنظيم، حتى أنك بحاجة لساعات طويلة لتخترق السيارات المتراكمة لزحام واحد مع كمية لابئس بها من تلك السموم تستنشقها بلا تحفظ.
شارع المتنبي
كنت في جمعة ما في شارع المتنبي لألتقي هناك أحد الأقارب. لقد كان يوما جميلا ً مع إستعادتي لذكريات قديمة في هذا الشارع المميز. ففي هذا الشارع الكثير من باعة العصير الطبيعي يتزاحمون مع باعة الكتب القديمة مع غياب واضح لكتب اللغة الإنكليزية وغياب كاد يكون تاما ً للنساء. وصلت لحافة النهر عند تمثال المتنبي فوجدت مجموعة من الشباب يلقون شعرا ً على عوامة طافية عند جرف النهر حيث القوارب الصغيرة تنقل الأفراد لضفة النهر الأخرى. كان في أعلى طرف النهر مجموعة من أصحاب البزات وربطات العنق في عز حرارة الصيف اللاهب يحيط بهم عدد لابئس به من الحراس بأسلحتهم الاوتوماتيكية. لقد علمت بأنه محافظ العاصمة بغداد مع نقيب الصحفيين العراقيين يقفون هناك وهم يستمعون لقليل من الشعر من عليائهم. كان صوت الشعراء يقاوم أصوات الجوامع التي تحيط بالشارع من كل مكان قبل صلاة الجمعة، كما يقاوم أصوات محركات القوارب الصغيرة وصفارات سيارات الشرطة والحرس لمسؤولين مروا من على جسر الشهداء. ماتلك إلا فسحة وسط كل هذا الضجيج من السيارات وربطات العنق في عز الصيف اللاهب. وكأن هذا الشعر يتحدى عجرفة السلطة وهي في عليائها وهو يطرح خطاباً مضاداً لخطاب المؤسسات الثقافية، خطابا ً يتحدى الواقع الذي يحاصره، أو قل خطابا ً يلبس قميصا ً صيفيا ً بألوان جذابة بدل تلك الأربطة التي تخنق أصحابها في وسط الجحيم.
عمائم بكل الألوان
لايكاد يخلو شارع من شوارع بغداد من صورة كبيرة لرجال دين بعمائمهم البيضاء والسوداء، وكأنها إعلانات تجارية لسلع إستهلاكية. تختلف أحجام تلك الصور من أشكالها ونوعية المادة المصنعة منها، فهي تعتمد على الممول إن كان حزبا ً أو مؤسسة دينية أو أفراد عاديين لهم هوى وميل لهذا الشيخ أو ذلك السيد. ولكن، على إختلاف تلك الألوان والأحجام فهي تصب في خانة الدعاية السياسية (البروبوجاندا)، فالهدف من تلك الدعاية واحد وهو الوصول إلى السلطة السياسية من بوابة الدين. لقد تحولت تلك الشوارع لحسينيات وجوامع كبيرة بفضل تلك الصور والجداريات العملاقة التي صرف عليها الكثير من الأموال، والغريب في الأمر أن توجهات ممولي تلك الجداريات يختلفون في الواقع فيما بينهم حد الصراع المسلح فضلا ً عن الإختلاف في الرؤى والبرامج السياسية لكنهم وفي الوقت نفسه يتشابهون في شعاراتهم وفي لافتاتهم التي تحمل نفس الوجه لذلك السيد أو الشيخ، فكل يدعي وصل بليلى!
أطفال القمامة
ليس من الغريب أن تجد عدد كبير من الشحاذين وهم يستجدون المارة في وسط الشارع لضيق الحال، لكن الأغرب منه هو أنك لاتجد مزبلة أو حاوية للنفايات إلا وتجد في القرب منها طفل أو مجموعة من أطفال كالحة وجوههم ينبشون فيها وكأنهم ينقبون عن الذهب هناك. أطفال بعمر الورد يتركون مقاعدهم الدراسية ليمتهنوا مهنة لاتمت للطفولة بصلة بل حتى إنها لاتمت للإنسانية بصلة. فمع ضيق قاعات الدراسة التي تمتلأ بالعشرات وهم يجلسون على الأرض، وإتساع رقعة النفايات والمياه الآسنة التي تغطي شوارع بغداد وأزقتها، ومع وجود كم هائل من الأيتام من ضحايا الحروب والأرهاب ممن يعيلون عوائل كاملة مع غياب شبه كامل لدور مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدني، فتلك نتيجة طبيعية لايختلف عليها اثنان.
Imad_rasan@hotmail.com
التعليقات
بلد قتيل بلا كفن او دية
الدفاعي -تصور عزيزي الكاتب وانا اقرأ مشاهداتك المؤلمة في بغداد لم تهز مشاعري لان هذه المشاهدات اصبحت روتينية بحتة في حياة المواطن العادي وقد دامن عليها الناس لان هناك ما هو الاسوء والاكثر ايلامنا فالبلد كله ينحدر نحو هاوية مظلمة لا أمل قريب في انتشاله منها وابناء الوطن الواحد اخذوا يتسابقون في انسحاب بعضهم عن البعض الاخر ضمن تكتلات خطيرة باسم الدين والمذهب والطائفة ، وليس هناك امن اجتماعي ولا امن اخلاقي ولاصحي ولا اقتصادي الخ الخ ..ولا امان ..قتل على الهوية وسجون سرية ومفخخات وتفجيرات وعصابات، وكاتم الصوت وحرق ملفات ووزارات وعبوات يخرج الفرد العراقي الى عمله و لايطمئن من رجوعه حيا.. كثرت الارامل والايتام والمعوقين والمشوهين ..ورغم ان بلدنا بلد الثروات والخيرات فقد فقدنا نعمة الامن والامان وسيطرت خفافيش الظلام على مقدراته ، عندنا برلمان يوصف ببرلمان المزوريين واعضاء سوق مريدي عدا قلة شريفة بينهم لا تاثير لها ، وديمقراطية مزيفة وهزيلة حملتها الينا امريكا واعوانها .ان الاحتلال جريمة بشعة بحق الإنسانية والشعوب، ولكن مساعدة قوى الإحتلال ممن يحسب على العراق تُعد جريمة الجرائم، ومراجع باعت ضميرها ودينها خاصة المرجع الأعلى فهو بلا مواربة عميل بريطاني- امريكي-إيراني، وخريف بعد آخر تتساقط اوراقه حتى بات عاريا بعد أن نزع الجنرال البريطاني ريتشارد دانات ورقة التوت الأخيرة...الذي يقول (أفضل من خدم قواتنا في العراق هو السيستاني) وسبقه بريمر ورامسفيلد ولم يبق له من قدسية وإحترام. سبقهم بوش عندما قرر تجنيد المرجع مخابراتيا حيث تم فتح مكتب في وكالة المخابرات المركزية وسمي مكتب العلاقات مع السيستاني. ترأسه الجنرال البحري ( سيمون يولاندي ) وكان من اهم ثماره. صدور فتوى من السيستاني يُلزم الشيعة وأتباعه بعدم التعرض لقوات التحالف .... ورامسفيلد اشترى ذمة المرجع ب ( 200 ) مليون دولار!يا إلهي ما أبخس السعر!فكيف تريد يا اخ عماد ان يكون العراق ...؟؟ وغيره كثير ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ...يا استاذ اكتبوا عمن دمر العراق وعن الحرامية والمفسدين ومن يتخذون الدين والذهب غطاءً لجرائمهم وفتنهم السوداء والله المعين .
لمسات مؤلمة
سلام سرحان -شكرا عزيزي عماد على هذه اللمسات المؤثرة
مآسي العراق
مراقب -ما كتبته ياأخ عماد هو جزء بسيط من مآسي العراقيين من أقصى الشمال الى الجنوب. البلد محتل من قيل العصابات والمليشيات وقطاع الطرق (القجخجيه في الشمال والكلجية في الجنوب), لاباس مادام الجميع يمارسون شعائرهم الدينية بحريه في زمن الأحتلال الأيراني بينما الأخوة الأعداء من الأحزاب الدينية يتهاتفون على سرقة مال العراق. يلة... كالمثل الأنكليزي (لكل كلب يومه). ونحن الان في عصر كلاب دولة القانون والعراقية والتحالف الكردستاني الخ...
دول اصطناعية مبنية
Rizgar -وكم هو ضروري أن ترتفع النصب التذكارية التكريمية لسايكس وبيكو، في عموم المنطقة،. فحافظوا على تراث الرجلين وفضلهما. وذلك أقرب للتقوى، لعلكم تفلحون. فماذا تنتضرون من دول اصطناعية هزيلة اسست على جماجم الاطفال من القوميات الغير العربية؟ هل علينا البكاء على ضحايا عاصمة الانفال ؟الم يرش الدولة الهمجية الملكية العراقية ١٩٢٦و١٩٣٢ اطفال مدينة السليمانية بالغازات السامة؟ عندما رفض الشعب الكردي الانضمام الى الدولة العربية السنية المصطنعة؟ فماذا تنتضرون !!!!!
شتان بين هذا وذاك
برزنجي -قبل أن أقرأ مقالة ألأخ عماد رسن، قرأت ما کتبه السيد راوند رسول علی نفس الصفحة من إيلاف. ولکن هيهات مما کتبه راوند أن يصل إلی حافات ما کتبه السيد عماد وشتان بين الأثنين. کل منهما يريد أن يقول للقاریئ بأنه ينطلق من مصلحة العراق والعراقيين. السيد راوند کردي يعيش في السويد منذ فترة ليست بالقصيرة ولا أعتقد بأنه قد زار بغداد ربما منذ عقود من المسنين، علی الأقل أراهن بأنه لم يزرها في فترة حکم السيد المالکي. والسيد عمادرسن عربي من بغداد، أين يعيش؟ لا أدري، ولکن يبدو أنه قد زار بغدا ورئی بأم عيني ما رئی. وينقل للقاریء بقل صدق وأمانة وتفوق رؤيته ومشاعره وبلسان عربي جميل وبكلمات وأفكار مترابطة ومنسقة. أما السيد راوند فلا يعرف المرأ ماذا يريد أن يقول وما هدفه من الكتابة، سوی أنه يريد أن يجامل دولة رئيس الوزراء الذي في ظل حکمه يحصل کل هذا المشهد أو هذه المشاهد التي ينقلها لنا السيد عماد بكل صدق وأمانة. عراق يعوم علی بحر من النفط والخيرات، ووارداته عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وأطفاله يجمعون قوتهم من القمامة، وکباره يشترون أرضا لکي يدفنوا فيها عند موتهم بعد حياة لا تقل بؤسا وقتامة عن موتهم. دولة رئيس الوزاراء الذي يتملقه السيد روند، رهن العراق في سوق النخاسة الطائفية ويکابر ويهدد كل من يجروء علی التفکير حتی طلب أسجوابه في البرلمان عن ما عمل للعراق وعما أوصل العراق والعراقيين له ، والسيد راوند يريد يتملق هکذا رئيس للوزراء ويريده أن يعمر العراق ويصلح البيت العراقي، بعد ما خربه وأعاده عقودا من الزمن إلی الخلف . یا له من قصر في النظر وقصور في الرؤی وخيبة للآمال.
الكاتب
adlamansorl -اكاد اجزم بان كاتبنا الهمام الذي زار العراق كان يرتدي نظارات قاتمه لا يكاد يرى فيها الا ما احبت اذنه سماعه فهو لا يرى بغذاد تبقى صاحيه الى الصباح لا يتكاد تغفو لها عين كما ان اهلها الفوا الاستقرار والامان والفو الاسواق العامره اما صور العمائم الملونه فانك ترى قبالتها اضواء النوادي الليليه ومحلات بيع الخمور فلا هذا حرام ولا ذلك غير صحيح انه حقد القلم وتحياتي للكاتب عندما يلغي عقله ويرى بقلبه
عماد والدفاعي
احمد الواسطي -كان هناك رجل حكيم ومعه رجلان ينوون الدخول لمدينة قريبة ولكنهم يتخوفون اهلها!! فقال الحكيم دعونا نسال بعض الخارجين من هذه المدينة لنستقرأها قبل الدخول!! فسالوا الرجل الاول فقال لهم هي مدينة البخلاء وسالوا اخر قال لهم هي مدينة الكرم!! سالوا اخر فقال لهم هي مدينة الحرمنه وسالوا اخر فقال لهم ما اعظم امنها!! وسالوا خامسا فقال هي مدينة الحزن وسالوا اخر فقال انها مدينة الفرح!! وهكذا استمر السؤال واستمرت الاجابه حتى ان الرجلين قالا للحكيم ما هذه المدينة المتناقضة فقال الحكيم كلا يعبر عن ما راه!! فسؤالي لعماد الم ترى اي شئ جميل لتحدثنا عنه في سفرتك!؟ فحتى في المدينة الفاضلة التي تسكنها في اوربا هناك حالات لو طلعت عليها لوليت منها فرارا!! ولو اردت البحث عن سلبياتها صدقني ستؤلف عشرة مجلدات!! اما الدفاعي فانت تتحدث عن تخندق العراقيين في طوائفهم ونسيت ان تخندقهم كان بسبب أمثالك!!
الى احمد الواسطي 7
عمر من البصرة -لا تناقش الأحمق فقد لا يفرق الناس بينكما. عموما شكرا سيد احمد الواسطي على الادلاء بدلوك بغض النظر عن الفحوى والمحتوى فللناس مصالح وقابليات فكرية مختلفة. لقد احدث رجال دين العراق كافة دون استثناء كما مريعا من التخلف والانحطاط الفكري ليرهقوا بلدا مدمرا ويحاربوا كل مقومات الحداثة وفق اجندات اقليمية ودولية معروفة. ايها المدافعون عن السلطة في العراق اذهبوا الى اليوتيوب وتابعوا خطابات سياسينا الا تشعروون بالغثيان؟
إبن ال .....
ماي خابط -يعني بشرفك ما شفت شي زين بالعراق ؟ ؟
الى ماي خابط
مراقب -من الظاهر ايها الأخ (ماي خابط) ان ترى العالم الخارجي ما وصلوا اليه من تطور مع انك تملك جهاز حاسوب وربما ساتلايت لترى ماحلت بالدول التي تملك أحتياطات نفطية مثل العراق. هل تسرد ان الأشياء الزينة في عراق المالكي كي نتفق معك غير حرية اللطم وقدور القيمة؟ يظهر انك لن ترى المخخات التي حصدت أرواح الآف من الأبرياء والمهجرين والمستوى التدني لكل أشكال الحياة أبتداء بالتعليم والصحة والخدمات.. الخ.
بركات أهل بيت النار
متابع لأحوال العراق -بلد دخله القومي 100 مليار دولار وهذه حاله. هذه بركات الحكومة البويهية برئاسة عمائم حزب الدعوة ومن شايعهم.
الى السيد رزكار
Khudhair Albayati -ان التغريد المبالغ فيه خارج السرب هو نتيجه لواحد من اثنين ـ اما شذوذا فكريا او عاهة مستديمهحمانا اللة وحماكم منهما
الى السيد Albayati
Rizgar -قد يجد الاصدقاء العرب العديد من المواضيع التي تكشف حقائق لم يعتدوا على قراءتها وبالتالي يجدون صعوبة في تقبلها. ا تفهم ردودكم وانتم الذين غيبت الحقيقة عنكم.