الثقافة الإلكترونية وجنون "الإي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
انتشرت تكنولوجية الانترنت في مختلف أرجاء قريتنا الكونية الصغيرة، ليتجاوز عدد مستخدميها، لأكثر من ملياري شخص، أي 35% من سكان العالم. فيستخدم ثلاثة أرباع سكان الدول الأوربية والولايات المتحدة الانترنت، وترتفع هذه النسبة في الدول الاسكندينافية إلى 90%. وتتقدم كوريا الجنوبية واليابان الدول الأسيوية، ويتجاوز عدد مستخدمي الانترنت في اليابان المائة مليون شخص، أي 78% من السكان، وتتوفر خدمة الانترنت في اكثر من 91% من المنازل اليابانية وفي 99% من الشركات. وتتقدم دولة الأمارات منطقة الشرق الأوسط في انتشار خدمات الانترنت، كما تتراوح نسب استخدامها في الدول العربية بين 75% و 10% من السكان. وقد طورت هذه التكنولوجية وسائل التواصل الاجتماعية الإلكترونية، فكثير من شباب العالم يتواصلون مع أقرانهم في مختلف أرجاء العالم بالإي ميل، والتويتر، والفيسبوك، وغيرها من وسائل التواصل الالكترونية. وقد كثر الحديث عن ما حققته تكنولوجية الانترنت في عالم العولمة الجديد اقتصاديا وتجاريا واجتماعيا وتكنولوجيا وثقافيا، ولكنها ترافقت بتزايد ملتف للنظر للساعات التي يقضيها الفرد في عملية التواصل الإلكتروني لتتجاوز أسبوعيا الثمانية والثلاثين ساعة المسموح بها طبيا، ويبقى السؤال المحير: هل تغير الثقافة الإلكترونية عقولنا؟ وهل تمتد هذه التغيرات لوظائف المخ وبنيته؟ وما شدة هذه التغيرات مع استخدام تكنولوجيات التواصل الإجتماعي؟ وهل ممكن أن يتعرض الإنسان للإدمان بكثرة الاستخدام؟
ناقشت مجلة النيوزويك الأمريكية في عددها الصادر يوم السادس عشر من يوليو الجاري (2012) جنون الأنترنت وتحت عنوان "هل الانقضاض على الانترنت يسبب الجنون؟" عرضت المجلة أبحاث كثيرة من جامعات مرموقة، كجامعتي ستانفورد وأكسفورد، تؤكد على مخاطر استخدام وسائل التكنولوجية للتواصل الاجتماعي في الانترنت من خلال التويتر، والبريد الالكتروني، والمراسلات التلفونية، على العقل البشري، وخاصة مع ما ترافقه من ظاهرة الإدمان، والتي تترافق بتغيرات في المخ مشابهة لتغيرات الادمان على المخدرات.
وخير من ناقش هذا الموضوع هو الكاتب الأمريكي، نيكولاس كار في كتابه، الضحل، ويبدأ بتعليق يقول فيه: "في عام 1964، حينما غزت فرقة الغناء البريطانية، البيتلز، إذاعات الولايات المتحدة، صدر كتاب مارشال ماكلوهان، الإعلام امتداد للإنسان، ليعلن فيه بأن الأعلام الكهربائي للقرن العشرين يمزق طغيان النصوص الكتابية في أذهاننا. فبعد قرون من العزلة في غرفة مغلقة لقراءة صفحات مطبوعة، بدأنا نندمج في عولمة قرية قبلية، قربتنا لمرحلة التنبيه التكنولوجي لوعينا، لتنتشر عملية الإبداع المعرفي في المجتمع البشري بأكمله. ولم يتنبأ، حتى ماكلوهن، المأدبة التي سيضعها الانترنت أمامنا، أكلة شهية تلو الأخرى، وكل واحدة منها أكثر لذة من سابقتها، وبدون لحظة انقطاع لأخذ النفس. وأصبحت هذه الوليمة متحركة، بانكماشها لحجم الأي فون والبلاك بيري، وبتواجدها في إي وقت ومكان، في البيت والسيارة والمدرسة والعمل وحقيبة الجيب. فقد قلبت شاشة الكومبيوتر شكوكنا بسخائه، ليصبح خادم فظ، يعمينا من ملاحظة أنه السيد أيضا."
ويصف نيكولاس كار تأثير الانترنت على عقله، فيقول: "لا أستطيع أن أحس بعقلي، فخلال السنوات القليلة الماضية، عندي إحساس بأن هناك شيء ما يحدث بعقلي، يغير خارطة شبكاته العصبية، ويعيد برمجة ذاكرتي. فلم ينهار ذهني، ولكنه تغير، فلم أعد أفكر بالطريقة التي كنت أفكر بها، كما لم أعد أحس بالقوة حينما أقرأ. فكنت سابقا أسترخي حينما أنغمس في قراءة كتاب أو مقال طويل، ليتعلق ذهني بحبكة درامية أو بحوار فكري. ونادرا ما أعيش تلك اللحظات مع ذهني الآن، بل ينجرف تركيزي بعد صفحة أو صفحتين، وأتململ لأبحث عن شيئا آخر لأقوم به، وأشعر دائما الحاجة لسحب عقلي المشاكس للنص، وأصبحت القراءة العميقة نضال مرهق. فقد لاحظت في عام 2007، بأن الانترنت قد أثر بشكل أقوى وواسع على شخصيتي، بل تغيرت الكثير من عاداتي وتصرفاتي، فزاد اعتمادي على صفحاته وخدماته، بل تغيرت الطريقة التي كان مخي يعمل بها، وبدأت بعدم قدرتي على التركيز على شيء ما أكثر من دقيقتين. وتصورت بأنها تغيرات متوسط العمر، ولم تكن المشكلة فقط الانسياق العقلي، بل أحسست بأن عقلي متعطش، ويحتاج لزيادة من الانترنت، وكلما رويت ظمأه زاد عطشه. فحولني الانترنت لآلة لمعالجة المعلومات، ففقدت عقلي القديم."
ولنستمع عزيزي القارئ لعدد من المختصين عن خبراتهم مع الانترنت، فيقول بروس فريدمان، الباحث الأمريكي في العلوم الطبية: "لقد فقدت معظم قدراتي على القراءة واستيعاب مقال طويل بالتصفح على الانترنت." وعلق الطبيب كراب، المتخصص في علم الأمراض بجامعة ميتشيجن الأمريكية: "لقد أصبح تفكيري متناثرا، بالقفز بسرعة من نص لآخر على صفحات الانترنت الكثيرة، ولا أستطيع الآن أن أقرأ كتاب، الحرب والسلم، فقد فقدت القدرة على ذلك، وحتى صفحة بثلاث فقرات، أصبح من الصعب علي استيعابها، فأتصفحها بسرعة." ويتذكر فيليب ديفس، الباحث بجامعة كورنيل ألأمريكية، حينما كان يعلم أحد طالباته في التسعينيات استخدام الانترنت، فقال: "استغربت حينما توقفت الطالبة لتقرأ النص بأكمله على الصفحة الالكترونية، فصرخت، من المفروض أن لا تقرئي صفحة الانترنت، بل أنقري على الكلمات البارزة." وينتقد ديفس نفسه اليوم: "من المفروض أن أقرأ كثيرا ولكني لا استطيع، فأنا أتزلج بسرعة على السطور، فليس لدي الصبر الكافي لحوار عميق وطويل، مع إنني اتهم البعض بتبسيط مشاكل العالم."
فهولاء الثلاثة، كراب وفريدمان وديفس، رجال متعلمون، ومهتمون بالكتابة، يلاحظون تأثر قدراتهم على القراءة والتركيز بسبب الانترنت، ولكنه في نفس الوقت يوفر لهم سرعة الحصول على المعلومة، وآلية بحث هائلة القدرات، وسهولة مشاركة أفكارهم وحواراتهم مع الآخرين، على حساب فقد قدرات جلوسهم بهدوء، وقراءة كتاب أو مجلة. فيقول فريدمان: "لم أكن أكثر إبداعا كما أنا الآن، بقدرتي على تصفح أطنان من المعلومات." ويعتقد كريب بأن: "القراءة السريعة للكثير من السطور على صفحات الانترنت، أكثر كفاءة في توسيع الذهن، من قراءة 250 صفحة في كتاب، ولم نتعرف على سمو آلية التفكير الالكترونية، لأننا نقيسها بعملية تفكير قديمة." ويقول ديفس: "فربما غيرني الانترنت لقارئ قليل الصبر، ولكنه حولني لقارئ أذكى، فبزيادة التواصل مع الكتابات والأشخاص، يعني زيادة التأثير الخارجي على تفكيري وكتاباتي." وتعلق ألبروفسوره كاثرين هيلس، الأستاذة بجامعة ديوك الأمريكية، على طلبتها بالقول: "لا أستطيع اليوم أن أدفع بطلبتي لقراءة كتاب بأكمله." وهي تتحدث عن طلبة الآداب. ويعلق الكاتب، نيكولوس كار، على الطريقة الجديدة للقراءة في الانترنت، فيقول: "لقد فقد متصفحو الانترنت الصبر على القراءة، فمع أن سرعة البحث والتنقل بين صفحة وأخرى مهمة، ولكن المزعج هو أن التزلج على الصفحات أصبحت الطريقة الجديدة للقراءة، فانعدمت قدرتنا على قراءة الكتب المطبوعة، لتصورنا بان لا حاجة لنا بها. فتحولنا من غارسي المعلومة الشخصية لصيادي ومجمعي معطيات الغابة الالكترونية."ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات
فلنجمع الاثنين في البحث
ابومصطفي جلالي -تحياتي للدكتور خليل حسناثر مقالاتك في نفسي تدل بان لاتكفينا القرائة السريعة، حيث اني اقرء مقالاتك في ايلاف كنص كتابي و هذا لاينطبق علي مقروئات كثر اجدها علي انترنت. هذا في غير التراث و اما من ييحث في تراثنا الاسلامي و العربي و حتي المذاهب الممسيحية في المشرق، فلايستغني من الكتب المطبوعه، خاصة مع ملاحظة كثرة الاخطاء في المتون الانترنتية و في البرامج المدمجة المعروضة في سي دي هات او عبر الانترنتنعم، علينا ارشاد شبابنا الطلاب و الباحثين الجدد المعتمدين علي اتصالات جديده كي لايقعوا في المبالغة باعتمادهم علي الانترنت. نعم في الاعتماد علي الكتب ما فيها...شكرا لمساعي الكاتب الكريم و لمنبر ايلاف ايضا